لذا اتخذ قرارا فور عودته من قمة الناتو في بوخارست بإعفاء ديومين ودولغوف سفيري أوكرانيا لدى روسيا وألمانيا من منصبيهما، ولم يفهم هل هذا القرار جاء كاعتراف بفشل الدبلوماسية الأوكرانية في تنفيذ سياساتها؟ \r\n \r\n \r\n أم قرار انتقامي من الدول التي رفضت بحث ملف عضوية أوكرانيا في الناتو. ومن المؤكد انه عبر عن قلق الرئيس على مصيره في انتخابات الرئاسة القادمة، بعد أن فشل في الحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي، ولم يعد لديه ما يقدمه خلال حملته الانتخابية للرأي العام الأوكراني من إنجازات لإقناع الناخب الأوكراني بتجديد الثقة في زعيم الثورة البرتقالية. \r\n \r\n \r\n ويبدو من الواضح أن ملف عضوية أوكرانيا في الحلف قد أثار خلافات حادة، وانقساما بين أعضاء الناتو، والمشكلة أن القيادة الأوكرانية التي اختارت الدخول إلى حلف الأطلسي عبر البوابة الأميركية، لم تر في هذا الأسلوب في غزو المؤسسات الأوروبية والغربية خللاً، بالرغم من أنه يشكل العائق الحقيقي لفسح المجال لدور أوكرانيا على الساحة الدولية. \r\n \r\n \r\n ولعلنا نعود بالذاكرة إلى مرحلة ما قبل الحرب الأميركية ضد العراق، والصراعات الحادة التي تفجرت داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو حول دعم الهجوم الأميركي ضد العراق. وكانت الاصطفافات واضحة المعالم، حيث أعتبر البعض أن القارة الأوروبية قد انقسمت إلى أوروبا القديمة التي تضم فرنسا وألمانيا وبقية الدول الأوروبية التي تنهض المؤسسات الأوروبية اعتمادا على دعمها وفاعليتها فيها. \r\n \r\n \r\n وأوروبا الجديدة الموالية للولايات المتحدة قلبا وقالبا، وهى تضم دول أوروبا الشرقية الساعية لإرضاء واشنطن وتدور في فلك المصالح الأميركية. وقد أسفر هذا الوضع آنذاك عن تعديلات في سياسات مراكز القوى في القارة الأوروبية في التعامل مع دول أوروبا الشرقية اللاهثة في الانضمام إلى البيت الأوروبي. \r\n \r\n \r\n باعتبار أن هذه الدول على استعداد أن تلعب دورا مضادا للمصالح الأوروبية، وأن تكون ورقة ضغط لحساب الولاياتالمتحدة، نحو تحقيق المصالح الأميركية، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الأوروبية، وقد تحدث الرئيس الفرنسي السابق شيراك في عدة مناسبات حول أن أوروبا ومؤسساتها لا تحتاج لهذا النوع من الدول التي تعمل ضد مصالح القارة. \r\n \r\n \r\n وهنا بالضبط يكمن خطأ يوشينكو الذي يتعجل تحقيق أي إنجاز ليقدمه للناخب الأوكراني حتى يستعيد ثقته، حيث اختار البوابة الأميركية للدخول إلى البيت الأوروبي معتقدا أنها ستعجل من مسيرة التحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي والناتو، ولكن ما حدث هو انه ولهذا السبب تحديد، أصر القادة الأوروبيون على التريث وتأجيل مسألة ضم أوكرانيا لعضوية الناتو. \r\n \r\n \r\n خاصة وأن سياسات الحكومة الأوكرانية لا تضع أي مجال للالتباس في أنها في خدمة المصالح الأميركية في المنطقة، حتى لو كان ذلك ضد مصالح الدول المجاورة. \r\n \r\n \r\n والمشكلة أن الرئيس الأوكراني المتعجل الالتحاق بركب الناتو، كي يقدم أي أنجاز للناخب الأوكراني، بعد أن تراجعت شعبيته، وبات واضحا، انه لن يبقى على مقعد الرئاسة. هذا الرئيس لم ير حجم المناورة الأميركية، والتي اقتصرت على إرضاء أوكرانيا ببعض التصريحات التي تتحدث عن ضرورة حصولها على عضوية الناتو. \r\n \r\n \r\n بالرغم من أن واشنطن كانت حريصة في مراحل الأعداد لهذه القمة على تمرير ملف الدرع الصاروخية، والذي له أولوية بالنسبة لملف عضوية أوكرانيا. وكان لابد من تقديم تنازل لموسكو حتى لا تتفجر العلاقات بين روسيا والغرب بشكل عام، ومع الولاياتالمتحدة بشكل خاص. لذا تم ترحيل ملفات عضوية الناتو ومشروع توسعه شرقا، وعقد بوش لقاء قمة مع بوتين ليس على هامش قمة بوخارست، وإنما في روسيا، ووقع الرئيسان وثيقة تعاون إستراتيجي. وبالفعل نجحت الولاياتالمتحدة في تهدئة حدة الصدام المتصاعدة ولو لحين. \r\n \r\n \r\n وخيبة أمل يوشينكو في قرار الناتو، تعود إلى قناعته المثيرة للتساؤل، بأن أوكرانيا تستجيب لكل معايير العضوية في حلف الأطلسي، بدءا من الاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي للمجتمع مرورا بإصلاحات تم تنفيذها لتحقق الاستقرار للتطور الاقتصادي.والمشكلة أن كافة المعايير التي اعتبر يوشينكو أنها متوفرة في أوكرانيا، هي غير موجودة، لأن أوكرانيا ما زالت تعاني من أزمة سياسية طاحنة تهدد بتقسيم البلاد إلى شرق وغرب. \r\n \r\n \r\n كما أن المواطن الأوكراني يعاني من سلسلة أزمات اقتصادية وارتفاع في معدلات التضخم تهدد بانهيار في الاقتصاد الأوكراني. ويمكن القول ان قرار الناتو بتأجيل البت في عضوية أوكرانيا يعود بالدرجة الأولى إلى أن الحلف لا يريد التورط في أزمات ومشاكل أوكرانيا الداخلية. \r\n \r\n \r\n ولا تعتبر الأوساط السياسية الأوكرانية أن قرار الناتو بتأجيل النظر في ضم أوكرانيا إلى الخطط التمهيدية لضمها إلى عضوية الحلف كارثة سياسية، بل ان العديد من السياسيين الأوكرانيين ربط انضمام أوكرانيا إلى الحلف باجراء استفتاء شعبي، والذي يعتقد انه سيرفض. \r\n \r\n \r\n وقد كشفت استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة «المبادرات الديمقراطية» الأوكرانية أن أكثر من 50% من المواطنين الأوكرانيين ضد انضمام بلادهم إلى الناتو. وأظهرت نتائج الاستطلاع أنه في حال أجري الاستفتاء حول الانضمام إلى الناتو في وقت قريب فإن حوالي 53% من مواطني أوكرانيا سيرفضون انضمام بلادهم إلى الحلف، في حين سيؤيد 32% حصول أوكرانيا على عضوية الناتو. واعتبر 9 .51% من المواطنين أن الناتو هو حلف إمبريالي عدواني سيجر أوكرانيا في عملياته العسكرية، بينما أعرب 6 .49% عن قلقهم من أن يؤدى انضمام أوكرانيا إلى الناتو أفساد العلاقات مع روسيا. \r\n \r\n \r\n وخلال شهور قليلة سيبحث الناتو هذا الملف مجددا في اجتماع وزراء الدفاع، الذي سيقتصر دوره على تقديم توصيات للقمة القادمة، ولا أعتقد أن هذا الاجتماع سيجد انجازات ملموسة في أوكرانيا ليس فقط على صعيد الاقتصاد الوطني، وإنما أيضا على صعيد القدرات العسكرية، ما يعنى أن عضوية هذا الحلف أصبحت ترتبط بمعادلة الصراع السياسي ومساعي الغرب لفرض حصار حول روسيا، بدلاً من تطوير هذه المنظمة لتحمي الأمن الأوروبي. \r\n \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أوكراني