أما في موسكو فما زالت الدوائر السياسية والإعلامية هناك تتابع باهتمام بالغ تطورات الحملات الانتخابية في الولاياتالمتحدة، فالأمر بالنسبة للروس يختلف كثيرا إذا كان القادم للبيت الأبيض رئيسا ديمقراطيا أو جمهوريا، حتى ولو تصور البعض أن كلا الحزبين لا يختلفان كثيرا في الخطوط العامة للسياسة الخارجية، إلا أن هذا الأمر وإن صدق مع بعض الدول والمناطق في العالم فإنه لا يصدق مع روسيا التي عادة ما تجد اختلافا كبيرا في التعامل معها بين الجمهوريين والديمقراطيين. \r\n \r\n \r\n وقد يعتقد البعض أن التعامل مع الديمقراطيين أفضل بكثير من الجمهوريين أصحاب سياسة الحروب الواسعة النطاق، ولكن هذا الأمر نسبي للغاية لدى العديد من الدول، فالبعض يفضل التعامل مع الجمهوريين على الديمقراطيين، وخاصة الدول الكبيرة مثل روسيا والصين والهند وأيضا الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وكذلك فرنسا، ولكن لكل من هذه الدول مصالحه وأهدافه على حدة، وما يجمعهما في تفضيل الجمهوريين على الديمقراطيين هو أن الجمهوريين يركزون أكثر على مصالحهم الخاصة في مناطق محددة من العالم، مثل الشرق الأوسط حيث النفط وأسواق السلاح السهلة. \r\n \r\n \r\n بينما لا تهمهم كثيرا الإستراتيجية بعيدة المدى وواسعة النطاق، وذلك لأن الجمهوريين يمثلون في الغالب وبشكل مباشر مصالح قطاعات النفط والسلاح داخل الولاياتالمتحدة، وعدم اهتمام الجمهوريين بالإستراتيجيات واسعة النطاق يعني عدم اهتمامهم بدول كبيرة مثل روسيا والصين والهند، وهذا في الواقع شيء إيجابي بالنسبة لهذه الدول إذ أن إهمال واشنطن لهم يعطيهم فرصة كبيرة للنمو والنهوض والتطلع لتفعيل دورهم على الساحة الدولية. \r\n \r\n \r\n كما يعطيهم الفرصة للتقارب والتعاون فيما بينهم بحرية طالما أن واشنطن ملهية في اهتماماتها الخاصة بعيدا عنهم، وهذا ما حدث بالفعل في السنوات السبع الماضية من حكم الجمهوريين في البيت الأبيض، والتي شهدت تقاربا وتعاونا بين روسيا والصين لم يكن يتوقعه أحد ووصل إلى مستوى التعاون العسكري الإستراتيجي. \r\n \r\n \r\n كما أن أحدا لم يكن يتوقع أي تقارب بين الهند والصين بعد سنوات العداء الطويلة بينهما، ولم تكن واشنطن التي عانت كثيرا من العلاقات القوية بين روسيا والهند وخاصة في زمن الاتحاد السوفييتي أن تسمح بأي تقارب بين الهند والصين، ولكن في ظل انشغال الصقور الجمهوريين في حروبهم في منطقتهم المفضلة (الشرق الأوسط) أصبح التقارب بين هذه الدول الثلاث ممكنا ومطلوبا منهم الثلاث قبل أن يأتي الديمقراطيون أصحاب الإستراتيجيات الواسعة النطاق إلى البيت الأبيض ويحولون دون هذا التقارب. \r\n \r\n \r\n ومن يتذكر المناظرات الانتخابية بين الرئيس بوش ومنافسه الديمقراطي جون كيري عام 2004 يجد العديد من الاتهامات في هذا الشأن وجهها كيري لبوش متهما إياه بإضعاف نفوذ أميركا على الساحة الدولية لإهماله دول مثل روسيا والصين، ووصل الأمر بالديمقراطيين أن قالوا إن نهوض روسيا القوي على الساحة الدولية وتقاربها مع الصين ليس سببه كفاءة الرئيس الروسي بوتين بل يرجع في الأساس لإهمال إدارة بوش لروسيا والصين. \r\n \r\n \r\n الجمهوريون في إدارتهم لآلتهم العسكرية التي تدر أرباحا خيالية لمجمعات التصنيع الحربي لا يسعون لخوض الحروب والصراعات ضد دول كبيرة وقوية لا طاقة لهم بها بل يشنون حروبهم في مناطق ضعيفة وضد دول صغيرة لا حول لها ولا قوة، وهذا ما شاهدناه حتى الآن في أفغانستان والعراق، ولا يعير الجمهوريون أي اهتمام للدول الكبيرة ولا حتى يحاولون التحرش بها. \r\n \r\n \r\n وهذا ما لاحظناه بوضوح في تعاملهم مع روسيا في أزمة النووي الإيراني رغم علم واشنطن القاطع بأن روسيا هي الداعم الأكبر للبرنامج النووي الإيراني والقائمة على تنفيذه وتدعم طهران سياسيا وعسكريا أيضا، إذ أن حروب الجمهوريين وتحركاتهم وتهديداتهم العسكرية ليس الهدف الأساسي منها تحقيق انتصارات كبيرة بقدر ما الهدف منها هو تحريك الآلة العسكرية بشكل أو بآخر بهدف الحصول على المليارات من الخزانة الأميركية. \r\n \r\n \r\n الديمقراطيون على عكس الجمهوريين لا يمثلون مصالح جماعات محددة داخل الولاياتالمتحدة بقدر ما يمثلون القطاعات الشعبية الكبيرة من الشعب الأميركي ويمثلون هيبة أميركا ومكانتها ونفوذها في كل أنحاء العالم، ولهذا تختلف توجهاتهم السياسية والإستراتيجية عن الجمهوريين. \r\n \r\n \r\n حيث نجد الديمقراطيين يعطون الاهتمام الأكبر لحلفائهم الأوروبيين ويوجهون إستراتيجيتهم في الغالب ضد الدول الكبرى ذات الطموحات التوسعية أو التي تسعى لشغل مكانة مهمة على الساحة الدولية مثل روسيا والصين، أو الدول ذات الطموحات المضادة للهيمنة الأميركية في أوروبا التي تسعى لإخراج أوروبا من تحت عباءة الجار الأطلسي، وهذه أمور لا يعيرها الجمهوريون اهتماما كبيرا. \r\n \r\n \r\n للديمقراطيين في واشنطن اهتماما خاصا بروسيا، حيث ينظرون إليها على أنها القوة العسكرية والنووية الوحيدة المنافسة لأميركا على الساحة الدولية، كما يعطي الديمقراطيون اهتماما كبيرا لحلف شمال الأطلسي كمؤسسة عسكرية تربط ضفتي الأطلسي وتستخدمها واشنطن لفرض هيبتها العسكرية في العالم كله ويعطون اهتماما لتوسعات الحلف في شرق أوروبا لتصبح قواته على حدود روسيا، وهو ما بذلت إدارة الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون جهودا كبيرة لتحقيقه. \r\n \r\n \r\n بينما الجمهوريون خلال حكم الرئيس بوش لم يعطوا الحلف الاهتمام الكافي ولم يواصلوا توسعاته في شرق أوروبا، وأهملوا حتى نشاطاته الحالية، الأمر الذي ينعكس بوضوح في فشل الحلف في تحقيق مهامه في أفغانستان حاليا، وكل هذا يصب في مصلحة روسيا. \r\n \r\n \r\n نقطة أخيرة ومهمة وهي أن روسيا استفادت كثيرا في السنوات القليلة الماضية من حملة الكراهية الشديدة للسياسة الأميركية في معظم دول العالم وبدأت تستخدم هذه الورقة في توجهاتها وفتح آفاق جديدة لها على الساحة الدولية، كما عادت روسيا تتوغل بحرية في حديقة الأمن للولايات المتحدة وهي أميركا اللاتينية التي شهدت ظهور أنظمة حكم جديدة تجهر برفضها التام لسياسات واشنطن. \r\n \r\n \r\n جامعة سيبيريا \r\n \r\n