المحافظون الجدد' والأساطير الخمس '

\r\n
أولاها: أنهم ليبراليون في الأصل وقد مسخوا إلى \"يمينيين\". وهذه هي الأسطورة التي يسهم في نسجها والترويج لها \"المحافظون الجدد\"، إلا إن عليك ألا تصدق أياً مما يقال عنها، لأنه لم يحدث لهؤلاء أن كانوا ليبراليين حقيقيين يوماً. وإن كان ثمة شيء واحد حمله معهم الآباء المؤسسون للحركة من حروب عقد الثلاثينيات الطائفية الأيديولوجية الشهيرة التي جرت معاركها في مدينة نيويورك، فهي النزعة الرسالية. فقد تمكن وقتها \"إرفينج كريستول\" وغيره من زملائه المؤسسين للحركة لاحقاً ممن يمثلون التيار اليساري \"التروتسكي\"، من تحقيق نصر فكري على خصومهم الستالينيين الأجلاف. وكان التيار المنتصر هو الأكثر إيماناً بيوتوبيا الفردوس العمالي الاشتراكي الذي عجزت التجربة السوفييتية عن تحقيقه. وبذلك فهم أبعد من أن يكونوا عن الليبرالية.
\r\n
\r\n
ثانيتها: أنهم خدم إسرائيل وأعوانها. وهذه أكذوبة أخرى من الأكاذيب التي تحوم حول \"المحافظين الجدد\". فإذا ما كانت الولايات المتحدة قد بلورت سياسات خارجية تقوم على تقديم أميركا بصفتها عدوا للشمولية وممارسات الإبادة الجماعية، وصرحاً للديمقراطية في المقابل، فما ذلك إلا لقناعتها بأن في الإمكان وقف جرائم الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود، فيما لو وقفت الديمقراطيات الغربية في وجه هتلر قبيل ارتكابه لتلك الجرائم المروعة. وعلى رغم ميل قادة من \"المحافظين الجدد\" من أمثال \"دوجلاس فيث\" و\"ريتشارد بيرل\" وغيرهما من رموز الإدارة الحالية السابقين الذين سعوا لإمالة هذه السياسات لصالح إسرائيل بالكامل، إلا أن نتائج القرارات والممارسات المنسوبة إلى هذه السياسات، أفضت إلى ما لا تستسيغه إسرائيل بل ويتعارض مع أمنها ومصالحها. ومن ذلك خذ أن غزو العراق قد انتهى إلى تعزيز شوكة إيران، العدو التقليدي والأكبر لتل أبيب في المنطقة!
\r\n
\r\n
ثالثتها: أن المحافظين الجدد قد تغولوا على سلطات الرئيس بوش وذهبوا بعقله. والصحيح في تبديد هذه الأسطورة أن بوش هو الذي استغل \"المحافظين الجدد\" لتمرير أجندته وأهدافه، ثم ألقى بالكثيرين منهم لاحقاً إلى قارعة الطريق الرئاسي. وإذا كان منشأ هذه الأسطورة يعود إلى السلطات الواسعة التي تمتع بها كل من نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه السابق دونالد رامسفيلد، فقد وجب التصحيح هنا أنه لم يكن أي من هذين المسؤولين محافظاً جديداً بقدر ما كانا من الجمهوريين التقليديين أحاديي النزعة في الأساس. ولذلك فلم يكن غريباً أن تنسب قرارات شن الحرب على العراق إليهما. ذلك أن قناعتهما هي استخدام ونشر القوة الأميركية كيفما ووقتما رأت السلطة التنفيذية ضرورة لذلك. نضيف أيضاً أن بوش كان واقعي النزعة والاتجاه مثل والده حتى لحظة وصوله إلى البيت الأبيض في عام 2000.
\r\n
\r\n
رابعتها: يسعى هؤلاء الأيديولوجيون المتعطشون للدماء إلى فرض روح قتالية ويلسونية على الولايات المتحدة، وهو أمر يتنافى مع تقاليد سياساتنا الخارجية. قتالية؟ نعم... تتنافى وتقاليد السياسة الخارجية الأميركية؟ هنا تكون الأكذوبة عينها. والصحيح أن \"المحافظين الجدد\" قد مزجوا بقدر كبير من المهارة والانتهازية بين أهم ما يميز تقاليد السياسات الخارجية الأميركية. أي نزعتها الواقعية والمثالية في آن. وهذا هو ما يفسر انضمام عدد مقدر من \"الصقور\" الليبراليين، بمن فيهم أعضاء حاليون في الكونجرس إلى حرب بوش على العراق ربيع عام 2003.
\r\n
\r\n
أما خامسة الأساطير وآخرها، فتتلخص في الاعتقاد السائد بأن أزمة حرب العراق قد ألحقت ضرراً بالغاً ب\"المحافظين الجدد\". وبهذا الاعتقاد فقد وجب وصف هذه الأسطورة الأخيرة بأنها كبراها وأشدها كذباً على الإطلاق. ذلك أن معدلات العنف قد شهدت انحساراً ملحوظاً في أعقاب تطبيق استراتيجية زيادة عدد القوات، وبالنتيجة فقد بدأ العراق يتجه نحو الاستقرار والتحول في الاتجاه الصحيح المطلوب. وليس هذا الصعود الانتخابي الذي يحققه الآن السيناتور الجمهوري من ولاية أريزونا جون ماكين -وبطل \"المحافظين الجدد\"- سوى دليل قاطع على تنامٍ جديد لشعبية \"المحافظين الجدد\".
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
جاكوب هايلبرن
\r\n
\r\n
\r\n
كاتب ومحلل سياسي أميركي
\r\n
\r\n
ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"
\r\n
\r\n
\r\n