أولا، فيما يتعلق بخوض الحرب على العراق: كان المتشددون قد انتقدوا قرار بوش الذي اتخذه في الربيع الماضي، بعدم إرسال القوات الأميركية لسحق المقاومة السنية في مدينة الفلوجة التي تعتبر معقل \"البعثيين\" بعد أن شعر المعتدلون في واشنطن بالقلق من التأثير الذي يمكن أن يحدثه وقوع المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين على قلوب وعقول العراقيين. \r\n \r\n وفي المناظرة التي جرت من أيام، قام جون كيري الذي كان حتى فترة قريبة مرشحا مناوئا للحرب يتطلع إلى استقطاب الديمقراطيين الحمائم، بتغيير موقعه فجأة، واتخذ جانب المتشددين العسكريين. \r\n \r\n تطوع كيري بالقول من تلقاء نفسه: إن ما أريد أن أقوم به هو تغيير الآليات على أرض الواقع... فنحن مضطرون لإظهار أننا جادون\". أحسنت يا جون، أوافقك القول أننا يجب أن نظهر أننا جادون!، وعلى الرغم من أن كيري قام بعد ذلك بإضافة بعض العبارات المخففة مثل \"تقاسم المخاطر\" و\"المشاركة مع بقية العالم\"، إلا أنه أعلن عن سياسته العسكرية، التي تعرضت لتغيير جذري عندما قال: يجب علينا أن نسحق معاقل الإرهابيين مثل الفلوجة... وهو ما سيتطلب منا إلحاق خسائر أكبر بالعدو، مع الاستعداد لتكبد خسائر أكبر من جانبا\". \r\n \r\n وفي نفس الوقت الذي كان كيري يطرح فيه تكتيكاته الجديدة المتشددة، كانت المرحلة الأولى من الهجوم الشامل الذي تشنه القوات الأميركية على معاقل التمرد قد بدأت. وقامت القوات الأميركي، التي مهدت الطريق أمام القوات العراقية الحديثة التدريب، بالمحافظة على وعدها في سامراء التي تم فيها قتل أو أسر ما يزيد عن 200 مسلح، في تلك المدينة الواقعة في المثلث السني من خلال تلك العملية الهادفة إلى فتح تلك المناطق أمام الانتخابات. \r\n \r\n في نفس الوقت اشتدت ضرباتنا الجوية على المنازل الآمنة التي يتخذ منها القتلة التابعون ل\"أبومصعب الزرقاوي\" ملاذات آمنة في مدينة الفلوجة. \r\n \r\n وفي هذا السياق جاءت دعوة كيري المتأخرة، والمرحب بها مع ذلك للقيام (بتغيير التكتيكات المتبعة على الأرض)، كي تدعم قيام القوات الأميركية- العراقية المشتركة بتولي زمام السيطرة على هذا الملاذ \"الإرهابي\". \r\n \r\n بعد موضوع تغيير الاستراتيجية الكبرى، قام أحد الصحفيين بتوجيه سؤال لكيري قال له فيه: ما هو موقفك من مفهوم الحرب الاستباقية؟\". في السابق كان كيري يلجأ عادة إلى تقديم إجابات آمنة لا تورطه في شيء عن مثل تلك الأسئلة، أما الأسبوع الماضي فقد أعطى إجابة لم تكن متوقعة عندما قال: الرئيس لديه الحق الآن، وكان لديه الحق من قبل دائما للقيام بتوجيه ضربات استباقية\". ومضى كيري إلى ما هو أبعد من ذلك وتعهد بأنه لن يتخلى أبدا عن \"الحق في توجيه ضربة استباقية، بأي طريقة يراها ضرورية\". ولكن قيامه بإعلان تمسكه بحق توجيه الضربات الاستباقية، وما أدى إليه من إثارة استغراب الجمهور الذي ينفر من ذلك النوع من الحرب الوقائية غير المسموح بها، أضطر كيري لأن يضيف إلى ما سبق قوله: لقد كانت الضربات الاستباقية تمثل عقيدة عظيمة في عصر الحرب الباردة، وكانت واحدة من الأشياء التي جادلنا بشأنها فيما يتعلق بالحد من الأسلحة!\". \r\n \r\n توقف عندك يا كيري! ماذا تقول؟ إن الحرب الاستباقية لم تكن أبدا \"عقيدة أميركية عظيمة\" في عصر الحرب الباردة والمواجهات مع السوفييت. وعقيدتنا الاستراتيجية التي يتذكرها البعض منا كانت في البداية هي عقيدة \"الانتقام الهائل\" ثم تطورت بعد ذلك لتصبح \"التدمير المتبادل المؤكد\". صحيح أن المفاوضين الذين اشتركوا في محادثات الحد من الأسلحة قد قاموا بذكر عبارة \r\n \r\n \"الاستباق\"، أو \"الحرب الاستباقية\" باعتبارها من الأفكار والرؤى الخطرة للإرهابيين، إلا أن المعتوهين فقط من أمثال هؤلاء الذين كان يجسد أدوارهم الممثل الكوميدي الشهير \"بيتر سيلزر\" في أفلامه، هم الذين كانوا ينادون بحل نووي نهائي للمشكلة الشيوعية. \r\n \r\n وإذا ما كان بوش قد قام بتعريف الاستباق بأنه كان يمثل \"عقيدة أميركية عظيمة في عصر الحرب الباردة\"، لكنا قد ووجهنا بوابل من السخرية في محطات التلفزة ورأينا الشك متمثلا في عيون كثير من نقاد الإدارة. \r\n \r\n ولكن بوش لم يقم باستغلال ضعف ذاكرة كيري، وقام بدلا من ذلك بالتركيز على قيام الديمقراطيين بمحاولة لتغليف مبدأه في الحرب الاستباقية، بغطاء من السكر من خلال قول كيري أن عقيدة الاستباق \"يجب أن تجتاز الاختبار العالمي\" كي تصبح شرعية. وعن طريق قيامه بالسخرية، من فكرة إخضاع مثل هذا الهجوم الذي هو مباغت بطبيعته لموافقة الرأي العام بأسره، فإن بوش استطاع أن يمنع خصمه من المزايدة عليه في التشدد. \r\n \r\n وفيما يتعلق بإيقاف جهود كوريا الشمالية الرامية للاستمرار في بناء برنامج نووي، تخلى كيري عن موقفه التعددي الداعي لضرورة \"اجتياز الاختبار العالمي\" كما قال بالنسبة للحرب الاستباقية، وقام بالتهكم على محادثات بوش السداسية، وطالب أميركا بأن تمضي إلى نهاية الشوط لوحدها. وباعتناقه لرؤية مثالية \"ويلسونية\" (نسبة إلى الرئيس الأميركي التاريخي وودرو ويلسون) بشأن التدخل للحيلولة دون أعمال الإبادة الجماعية المحتملة في \"دارفور\"، فإن الوعد الذي قدمه كيري بإرسال قوات إلى هناك، تجاوز في تشدده صقور الكونجرس ذاتهم وذلك عندما قال بالحرف: إذا ما كان إرسال القوات الأميركية إلى هناك سيؤدي على نحو ما لتعزيز وضع الاتحاد الأفريقي، فإنني لن أتردد في إرسال تلك القوات إلى ذلك الإقليم\". \r\n \r\n وأنصار كيري -المناوئون للحرب كما يفترض- يحتفلون الآن بالتحول الذي طرأ على شخصية كيري، ويقومون بغض الطرف عن خطه المتشدد، وعن التغيرات اليمينية الأحادية التي طالت سياساته، والتي تتم لأغراض انتخابية ما في ذلك من شك. \r\n \r\n \r\n وليام سفاير \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"