والأكيد أن بوش فقد الكثير من شعبيته إلى درجة أن لا أحد من مرشحي الرئاسة الجمهوريين يذكر اسمه، مفضلين بدلاً من ذلك الارتباط بأيقونة الحزب السابقة \"رونالد ريجان\". ومع أننا نعرف أوجه التقارب العديدة بين بوش و\"ريجان\"، لاسيما في السياسة الداخلية، فإنه لا يوجد مرشح جمهوري يرغب في الاقتران ببوش خلال الحملة الانتخابية في الخريف المقبل. \r\n \r\n هذه الانعطافات الكبرى في التاريخ الأميركي ليست جديدة، حيث يمكن الإشارة إلى الرئيس \"هيربرت هوفر\" الذي، ولعقود بعد الكساد الكبير الذي أصاب الاقتصاد الأميركي في عشرينيات القرن الماضي، ابتعد عنه الجمهوريون ونأوا بأنفسهم عن تركته. وبالمثل، وقبل ست وخمسين سنة ظل قلة قليلة من الديمقراطيين أوفياء للرئيس \"هاري ترومان\" الذي ورط البلاد في حرب خارجية غير ضرورية وسجل أدنى مستويات الشعبية في تاريخ مؤسسة \"جالوب\" لاستطلاعات الرأي. لكن بعد مرور كل هذا الوقت يبدو أن المواقف بدأت تتغير بعد أن أدرك العديد من المؤرخين اليوم أن الرؤساء السابقين على \"هوفر\"، هم من تسببت سياساتهم، المتمثلة في فرض رسوم جمركية مرتفعة وغيرها، إلى الركود الاقتصادي الكبير في العشرينيات. والأكثر من ذلك يضع المؤرخون \"ترومان\" في مكانة تجعله أقرب ما يكون إلى أفضل رئيس أميركي. هذه التقلبات في القراءة التاريخية لمصائر الرؤساء تقودنا إلى طرح السؤال التالي: لماذا يظل من الصعب إصدار حكم على رئيس معين، وبخاصة عندما يكون مقيماً في المكتب البيضاوي؟ \r\n \r\n الواقع أن هناك ثلاثة أسباب تفسر حماقة تصنيف رئيس ما أثناء ممارسته لمهامه. أول تلك الأسباب أن التاريخ لا يكتبه شخص واحد، أو مدرسة أكاديمية بعينها، حيث تظل الأفكار متضاربة واختلاف القراءات وارداً؛ ثانيها أننا لا نستطيع التنبؤ بما يحمله المستقبل. فعادةً ما يحكم الناخبون على رؤسائهم اعتماداً على التجارب الفائتة للرؤساء السابقين، والحال أن الإرث التاريخي لأي رئيس لا يمكن دراسته بمعزل عمن سيأتي بعده. فعندما غادر \"إيزنهاور\" البيت الأبيض عام 1961 كانت إحدى أهم إنجازاته في السياسة الخارجية هي نجاح وكالة الاستخبارات المركزية في الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني \"محمد مصدق\" وتنصيب الشاه الموالي للغرب، لكنها السياسة ذاتها التي مازالت أميركا تدفع ثمنها إلى غاية اليوم. أما السبب الثالث الذي يحول دون إصدار حكم تاريخي على الرؤساء أثناء تأدية مهامهم، فيتمثل في أن الأخطاء التي ارتكبها رئيس ما غالباً ما تغطي عن التجاوزات الأخطر التي ارتكبها رؤساء سابقون. وهكذا كثيراً ما يتم تجاهل أخطاء الرئيس \"ترومان\" وأسلوبه الكارثي في الحكم مقارنة مع التركيز الشديد على فضيحة \"ووترجيت\" التي أطاحت بالرئيس \"نيكسون\". \r\n \r\n \r\n لا يوجد مرشح جمهوري يريد الاقتران ببوش وارثه، خلال الحملة الانتخابية، بل كأنهم لم يسمعوا قط باسمه، مقابل استحضارهم لريجان! \r\n \r\n \r\n واليوم يحكم الأميركيون على بوش كجزء من عملية تحديد مشاعرهم تجاه المرشحين الذين سيعوضونه. فبالنسبة للمرشحة \"هيلاري كلينتون\"، ولباقي الديمقراطيين، يكمن الجواب لأي سؤال حول سياسة المرشحة في الابتعاد عن بوش. واللافت حقاً هو ابتعاد الجمهوريين أنفسهم عن تركة بوش، وكأنهم لم يسمعوا قط باسمه مقابل استحضارهم للرئيس \"ريجان\" وسياسته باعتباره النموذج الجدير بالاحتذاء. وليس ذلك غريباً في ظل النجاح الكبير الذي حققه \"ريجان\" بعدما أزاح \"جيمي كارتر\" من طريقه عام 1980 وفاز بأغلبية ساحقة في الانتخابات التالية بعد أربع سنوات. وعندما خرج \"ريجان\" من البيت الأبيض عام 1989 كان معدل شعبيته الأعلى بين الرؤساء الأميركيين، واستطاع نائبه تولي الرئاسة، وهو ما يعتبره العديدون تصويتاً للمرة الثالثة على \"ريجان\". وفي الوقت الذي ترك فيه \"ريجان\" الرئاسة كان قد صاغ الحزب الجمهوري على شاكلته، ولم يقتنع المحافظون بالرئيس جورج بوش الأب كخليفة قادر على استكمال مسيرة \"ريجان\" وتسلم المشعل منه. \r\n \r\n لكن ما حدث في عام 2000 كان لافتاً، حيث التفت مؤسسة الحزب الجمهوري، بما في ذلك العديد من الأوفياء لعهد \"ريجان\"، حول بوش الابن باعتباره الأمل الكبير الذي يعول عليه المحافظون. ولعل أكثر من دافع عن بوش الابن هو \"جورج شولتز\"، وزير خارجية الرئيس \"ريجان\"، والذي عمل على طمأنة المحافظين المتشككين بقوله \"إن هذا الرجل الشاب\" من تكساس جدير بتحمل تركة \"ريجان\". وبشكل من الأشكال كان بوش وفياً لمبادئ المحافظين فيما يتعلق بالضرائب والتعيينات القضائية خاصة. فقد ألغى بوش الزيادات الضريبية التي فرضها الرئيس \"كلينتون\"، وقام بملء المحاكم الفدرالية بقضاة محافظين. وطبعاً إذا واصلنا مقارنة عهدي بوش و\"ريجان\" في السياسة الداخلية سنجد الكثير من نقاط الالتقاء، لكن الاختلاف الحقيقي يبقى في السياسة الخارجية. فبعد هجمات 11 سبتمبر وما خلفته من حماسة ومشاعر قوية، سارع الرئيس بوش إلى الحرب، فيما تشير التجارب السابقة للرئيس \"ريجان\"، في نيكاراجوا ولبنان، أنه ما كان ليرسل الجيش الأميركي لخوض حرب كبيرة! \r\n \r\n \r\n \r\n لو كانون وكارل كانون \r\n \r\n \r\n مؤلفا كتاب \"تلميذ ريجان: جورج بوش وبحثه عن إرث رئاسي\" \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n