\r\n \r\n عاش الباكستانيون حدادا لمدة ثلاثة أيام. والوحيدون الذين لم يشعروا بالذهول أو الخوف هم أولئك الذين قاموا بعملية الاغتيال والآخرون الذين سيستفيدون بتغييبها. وربما لن يتسنى لنا أن نعرف هوية القتلة لعدم وجود جهة تحقيق ذات مصداقية وكذا في ظل عدم وجود أي مؤشر حقيقي . إن الحكومة مهتمة بتحديد هوية من نفذوا الاغتيال. ولكننا نعرف جيدا من الكاسب الأكبر : إنهم المسلحون الإسلاميون الذين يهددون أفغانستان المجاورة ويسعون للحصول على قواعد لهم داخل أراضي الجارة النووية باكستان. وسوف يبتهجون بتغييب بوتو لأنها كانت تلزم نفسها بمحاربتهم إذا تولت رئاسة الوزراء للمرة الثالثة. \r\n وجاء الاغتيال ليحمل معه إشارة تحذير للباكستانيين ولنا بالتهديد المتزايد الذي يمثله التوسع الإسلامي. إلا أن معظم الباكستانيين ما يزالون غير مدركين أنهم في خضم حرب آخذة في التوسع تهدد بلدهم. وبدلا من قرع طبول التنبيه من المرجح أن وفاة بوتو سوف تجعل التصدي لتلك الحرب أمرا أكثر صعوبة. \r\n يقول جوجنو محسن ناشر صحيفة لاهور فرايداي تايمز : \" لقد كانت ذلك الشخص النادر الذي يعترف بأن التناقض الرئيسي في حياة باكستان والذي سيدمرنا إذا لم نفعل شيئا حياله هو التطرف الديني\" \r\n وربما يكون الاكثر راحة لمعظم الباكستانيين بما في ذلك كثيرون من النخبة المثقفة تحميل الولاياتالمتحدة اللوم على ايجاد مشكلة الجهاد في باكستان. وهناك منطق يفسر ذلك الموقف. ولكن الشئ الذي كانت تدركه بوتو هو ان موقف هؤلاء المتطرفين لا يمثل فحسب رد فعل ضد السياسة الأميركية ولكنه يحمل تهديدا لبلدها. \r\n نعم لقد ساعدت أميركا في ايجاد الفوضى الحالية في باكستان. ففي الثمانينيات كانت الولاياتالمتحدة والسعودية تضخان مليارات الدولارات عبر وكالات الاستخبارات الباكستانية إلى المجموعات الجهادية الأفغانية والأجنبية لمحاربة الاتحاد السوفيتي. وبعد ان خسر السوفيت انتقل كثيرون من هؤلاء الجهاديين إلى باكستان عبر الحدود غير المحكمة. وفي أعقاب 11 سبتمبر انضم مقاتلو طالبان والقاعدة إلى هؤلاء وهم الذين أخرجتهم الولاياتالمتحدة من أفغانستان. ويعتقد أن أسامة بن لادن مختبئ في المناطق الجبلية الحدودية بين أفغانستانوباكستان. \r\n وقد أقام هؤلاء المقاتلون دويلات متشددة في المناطق القبلية الباكستانية ثم بدأوا ينتقلون إلى المناطق الداخلية في باكستان. ومؤخرا حاولوا إقامة دويلة متشددة في وادي سوات السياحي الجميل. \r\n وخلال العامين الأخيرين ظل ذلك الكيان الجهادي يتمدد على يد المتشددين الباكستانيين الذين تلقوا تدريبهم من قبل الوكالات الاستخباراتية الباكستانية لمحاربة الهند في كشمير. وظل هؤلاء الرجال منذ ان أعلنت باكستان والهند وقف إطلاق النار بدون وظيفة. ثم اندمجت جميع تلك المجموعات المتشددة قبل أسبوعين فقط لتكون معا حركة طالبان في باكستان. \r\n وانطلاقا من الأراضي القبلية الباكستانية يحاولون تأسيس إمارات إسلامية في المناطق الريفية لزعزعة الاستقرار في باكستان. والبعض منهم يعبر الحدود عائدا لقتال قوات الناتو في أفغانستان. بيد أن هدفهم النهائي كما يقول خبراء باكستانيون هو تأسيس كيان إسلامي متشدد في باكستان. وخلال حوار سابق قال خالد عزيز وهو خبير بارز في شئون المناطق القبلية : أنا لا أعتقد انها حرب أميركا ، فقد سلطت واشنطن الضوء على قضية كانت تتهدد المنطقة بالفعل ولو أن هجمات 11 سبتمبر لم تكن لحدث الموقف نفسه. فالمشكلة مشكلتنا والحادث الفظيع القادم قد يكون في لاهور او اسلام أباد. وسرعان ما صدق تنبوؤه فقد وقع حادث اغتيال بوتو عقب حواره معي بساعتين. \r\n وقد أدركت بوتو أن مفتاح محاربة الجهاديين لدى القادة السياسيين الباكستانيين وليس في تدخل عسكري أميركي أو حتى لدى الجنود الباكستانيين. ففي الماضي كان موقف الجيش الباكستاني متأرجحا. وتشكك كثيرون أن الأجهزة الاستخباراتية التابعة للجيش الباكستاني التي قامت في السابق بتدريب طالبان تؤوي بعض المتعاطفين مع الجماعة. وقد ترك الرئيس برويز مشرف مشكلة الجهاد تتمدد على نطاق واسع على مرأى منه. ولن يتمكن من منح شرعية للحرب سوى زعيم باكستاني منتخب قادر على اقناع الشعب والجيش الباكستانيين بأن تلك هي حربهم. وربما لو وجد زعيم مدني أخذ الالتزام على عاتقه مثل بوتو لأمكنه تشجيع زعماء القبائل على محاربة المجموعات الجهادية. \r\n ولم يبد مشرف سوى النذر اليسير من الاهتمام بزيارة المناطق القبلية. في حين ان والد بوتو ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء صاحب الشخصية الجذابة ( الذي أعدم على يد دكتاتور عسكري سابق) كان معتادا على زيارة زعماء القبائل بصورة منتظمة والاستماع الى مشاكلهم وتقديم المساعدة. وربما كانت بوتو قد استطاعت تجديد تلك الاتصالات وتقديم الدعم الذي يحتاجونه. \r\n وعلى ما يبدو فقد استوعبت بوتو على خلاف باقي القادة في باكستان أن هناك حاجة الى حملة استراتيجية ضد المتشددين في بلدها. ولا يبدو ان هناك قائدا سياسيا باكستانيا مستعدا لتحمل هذا الالتزام. فهل يوقظ موتها الآخرين للنهوض بتلك المهمة ؟ \r\n \r\n ترودي روبين \r\n كاتبة عمود وعضو في أسرة تحرير صحيفة فلادلفيا انكوايرر خدمة ام سي تي خاص ب (الوطن)