واذ تدعو وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس الى التحلي بالصبر ازاء الجنرال مشرف, فان عددا من المسؤوليين الامريكيين والخبراء الجنوب آسيويين يعكفون الان على القيام بما فشلت الولاياتالمتحدة في القيام به: الا وهو رسم صورة لباكستان ما بعد مشرف واعداد ما يلزم للتهيئة لها. \r\n \r\n يقول سليغ هاريسون, مدير البرنامج الآسيوي في مركز السياسة الدولية في واشنطن, ان موقف واشنطن من مشرف »كان يقوم دائما على الفكرة القائلة بان الشيطان الذي تعرفه احسن من الشيطان الذي لا تعرفه« لكن هاريسون يستدرك قائلا: »ان هنا اسبابا عديدة تدعو الى الاعتقاد بان هذه الفكرة لا تنطبق على مشرف« فمشرف, حسب رأي هاريسون, قد »ضلل واشنطن المرة اثر الاخرى في مسعى ابتزازي مذهل. الا ان ثمة مجالين يثيران قلقنا اكثر من البقية هما: الانتشار النووي والتطرف الاسلامي. والواقع ان هناك بدائل لا تقل جودة عن مشرف ان لم تكن احسن منه«. \r\n \r\n لقد وقعت الولاياتالمتحدة اسيرة حقائق ثلاث في باكستان هي: وضع باكستان كدولة نووية, ودورها كأداة فعالة في حرب امريكا على الارهاب, وكونها البلد الذي يفترض ان يضم اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. وبسبب هذه العوامل المتداخلة قامت الولاياتالمتحدة بالتعامل مع الزعيم العسكري الباكتساني كما لو انه السد الاخير الذي يحميها من اندلاع حرب نووية عالمية أقرّ من تسجيل انتصار جديد للتطرف الاسلامي. \r\n \r\n يرى الكثير من الخبراء ان تعيين الجنرال اشفق كياني قائدا عسكريا عاما والمجيء بحكومة مدنية منتخبة من قبل الشعب الباكستاني سيكون له, على الاقل, نفس الفاعلية في الوقوف بوجه صعود المتطرفين ولعله سيكون اكثر فاعلية في تأمين الرسالة النووية الباكستانية. ويعتقد هؤلاء الخبراء ان الجنرال كياني هو الخليفة الاكثر حظا في الحلول محل مشرف كقائد للقوات المسلحة. \r\n \r\n يقول هاريسون ان لدى الولاياتالمتحدة من ادوات الضغط على مشرف ما يكفي لحمله على تحقيق انتقال سياسي سلس. لكن ذلك يعتمد على رغبة واشنطن التي تستطيع, على سبيل المثال, ان تهدد مشرف بقطع المعونة العسكرية الشهرية السخية التي تتلقاها باكستان مقابل تصديها لمحاربة المتطرفين الاسلاميين لكن هاريسون غير متفائل بحدوث مثل هذا الامر. اما السبب, في رأيه, استمرار ادارة بوش في تقديم الدعم المعلن لمشرف, انطلاقا من »السياسة الامريكية المتواصلة منذ اكثر من نصف قرن والقائمة على تقديم الدعم الاعمى لكل دكتاتور جاء لحكم باكستان«. \r\n \r\n ان الجزء الصعب من اللعبة هو ليس تأمين بقاء باكستان حليفا قويا للولايات المتحدة من دون الجنرال مشرف انما هو الاخطار التي يمكن ان تأتي بها تقلبات الفترة الانتقالية بين الحكمين. \r\n \r\n يقول دانييل ماركي, من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن, ان المشكلة تكمن في تخوف واشنطن من الاضطرابات التي يمكن ان تقع في باكستان اثناء عملية الانتقال من مشرف الى خليفته. \r\n \r\n كما يعتقد ماركي ان مصدر التردد الآخر لدى واشنطن هو ادراكها بان انجاز عملية نقل السلطة على الصعيد العسكري لن يوفر حلا لحالة الغليان السياسي الذي تواجهه باكستان الآن. \r\n \r\n من بين البدائل التي تحاول واشنطن تفاديها عودة الجماعة الاسلامية الباكستانية بقيادة رئيس الوزراء المنفي نواز شريف الى الواجهة من جديد. \r\n \r\n يصف ماركي تداعيات هذا الاحتمال فيقول: »ان ذلك لن يعني قيام باكستان متطرفة. لكن نواز شريف وحزبه لن يكونا حريصين على تحقيق نفس المستوى من التقارب مع الولاياتالمتحدة كذلك الذي تحقق لها على ايام مشرف«. ويعلق ماركي قائلا: »ذلك لانهم لا ينظرون الى العالم عبر عدسات واشنطن«. \r\n \r\n لا يزال الخيار الافضل امام واشنطن هو ان يتخلى مشرف عن قراره بفرض حالة الطوارئ وان يمضي قدما في تنفيذ خطة المشاركة في السلطة التي عكف على رسم خطوطها مع رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو. فهذه الخطة, التي تبدو في نظر واشنطن أهون الشرين, تجلب لباكستان حكما مدنيا وتلاقي بعض الرضا لدى عدد من الجهات المعارضة في المجتمع الباكستاني. \r\n \r\n كانت بنازير بوتو قد اعلنت الاحد الماضي انها ترحب باعلان مشرف ان الانتخابات العامة سوف تجرى في باكستان قبل التاسع من شهر كانون الثاني المقبل. لكن الكثير من المراقبين الباكستانيين يرون انها لن تتمكن من التعامل مع مشرف قبل قيامه برفع الاحكام العرفية واستعادة الدستور لان التعاون مع مشرف تحت الظروف الراهنة سوف يشكل انتحارا سياسيا لمن يقوم به في نظر المعارضة. ويرى المراقبون المطلعون على كواليس الازمة ان من المشكوك فيه ان ترضى بنازير بوتو بلعب دور الغطاء الشرعي للجنرال مشرف. \r\n \r\n اخيرا, هناك عامل آخر يمكن ان يحول دون دعم الولاياتالمتحدة لعملية انتقالية سياسية في باكستان, ذلك العامل هو الصفقات الخاصة التي يمكن ان تكون قد ابرمتها مع الجنرال مشرف بخصوص المواقف الامريكية من كل من افغانستانوايران. \r\n \r\n ولا يستبعد الخبير هاريسون ان تكون هناك مثل هذه الصفقات المتعلقة بالجانب الاستخباري او بالعمليات الخاصة في ايران او بالجماعات الاسلامية في منطقة الحدود الباكستانية الشمالية. ويقول هاريسون »ان تلك الصفقات هي التي تؤثر على مواقفنا من الازمة الراهنة«. \r\n