\r\n \r\n وقد تقلص العالم الثالث، ولكنه لم يختف. ويتكون العالم الثالث الجديد، وهو التحدي التنموي الأساسي الذي يواجه زوليك، والذي يتكون من حوالي 50 دولة يسكنها مليارات الأشخاص. وتدفع العولمة الصين والهند في إتجاه تحقيق الرخاء، وتقترب هاتان الدولتان من تحقيق هذا الهدف بسرعة كبيرة وغير مسبوقة. \r\n ولكن العولمة لا تحقق نتائج جيدة لدول العالم الثالث الجديد التي تضم مليارات الأشخاص الذين يحصلون على دخول متواضعة جداً. وخلال الفترة ما بين عامي 1960 و 2000، لم يشهد العالم الثالث الجديد أي نمو على الإطلاق. وفي نفس الوقت، تمتعت اقتصاديات بقية الدول النامية بقدر متزايد من النمو عقداً بعد عقد. وقد حدث هذا الأمر في البداية بشكل مطرد ثم استمر بشكل سريع، وهو الأمر الذي جعل العالم الثالث الجديد الذي يسمى أيضاً ب(العالم الفقير) يتخلف عن بقية دول العالم. والأمر المشجع هو أن زوليك يدرك هذه التطورات. وكان زوليك قد قال في مؤتمر صحفي عقده بنادي الصحافة الوطني يوم 10 أكتوبر الجاري: (يجب ألا تتسبب العولمة في تخلينا عن دول العالم الفقير). \r\n وخلال الفترة الذهبية في عقد التسعينيات من القرن الماضي، وما تلا ذلك من انتهاء الحرب الباردة ووقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، استمرت زيادة أعداد سكان دول العالم الفقيرة والذين كانت تتراوح أعدادهم ما بين 4 مليارات شخص يعيشون على سطح الكرة الأرضية بنسبة 5% سنوياً، اعتماداً على قياس حصة الفرد من إجمالي الدخل القومي. ومع حلول الألفية الثانية، وصلت الهوة في الدخول بين الأشخاص الذين يعيشون في دول العالم الفقيرة وبين الأشخاص الذين يعيشون في دول الوسط إلى نسبة كبيرة قوامها 5 : 1. وإذا فكرت بأن هذه الهوة في الثروة مزعجة، فكر في الأشخاص المحظوظين الذين تقدر أعداهم بالملايين والذين يعيشون في أوروبا، دول أميركا الشمالية، اليابان وأماكن أخرى بالعالم والذي يحتلون قمة هرم الدخول. \r\n وأحد جوانب هذه المشكلة هي أن البنك الدولي ومنظمة الأممالمتحدة يركزان على مكافحة الفقر بطريقة تقليدية، وهو الأمر الذي يسبب بعض الفوضى في معالجة القضية الحقيقية. وليس كافياً أن المستويات المطلقة للفقر بدأت في الانخفاض بدول العالم الثالث الجديد؛ فقد تخلف مليارات الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع بدول العالم الفقيرة عن بقية الجنس البشري، وهو الأمر الذي قد يفرض ضغوطات كبيرة وصعبة على الأجيال المقبلة. وحتى مع تفرع الاقتصاديات الدولية إلى شعبتين، يستمر قطبا الأرض في الاقتراب مع بعضهما البعض من الناحية الاجتماعية عبر تبادل المعلومات والهجرة. وعليه، فإن الشبان في دول العالم الفقير يدركون بأنهم قد تركوا وأهملوا. ومن أجل التغلب على هذا الأمر واللحاق بركب التنمية، يحتاج هؤلاء الشباب إلى تحقيق زيادات ملحوظة في معدل النمو. \r\n ويعيش معظم فقراء العالم في قارة أفريقيا، ولكن الدول الفقيرة تتوزع في مختلف القارات في أماكن مثل هايتي وبوليفيا في أميركا اللاتينية واليمن في منطقة الشرق الأوسط والعديد من البقع والمناطق في آسيا الوسطي، لاوس وتيمور الشرقية في شرق آسيا. وتقترب هذه الدول والبقاع من بعضها، وتتميز بصغر حجمها وهذا أحد أسباب المشكلة. وتتميز الدول التي تمتلك عددا قليلا من السكان الذين يعانون من الفقر بافتقادها للأشخاص المتعملين والموهوبين القادرين على تشخيص الإخفاقات وفعل الأشياء الضرورية لحلها. \r\n وقد عقدت العولمة من هذا العجز من خلال جعل منافذ الخروج ملموسة وجذابة: وتنزف دول العالم الفقيرة مواهبها المحدودة باستمرار. ويعود الطلبة الصينيون الذين يدرسون بالخارج إلى بلادهم، وبالمثل يعود الطلبة الهنود إلى بلادهم، ولكن الطلاب الذين يذهبون للدراسة في الخارج ويفدون من دول العالم الثالث الجديد لا يعودون مطلقاً إلى بلادهم. \r\n وتعاني العديد من الدول الصغيرة من الحروب الأهلية. ولك أن تتخيل إذا كانت الهند والصين منقسمتان إلى 50 دولة صغيرة، فهل كنت تعتقد بأن هذه الدويلات الصغيرة يمكن أن تعيش في سلام؟ وكون الدولة صغيرة يعني أيضاً أنها يجب أن تقع تحت رحمة دول الجوار، وخصوصاً إذا كانت هذه الدولة حبيسة. \r\n وإذا افترضنا جدلاً بأن الولاياتالمتحدة لم تكن دولة موحدة، وأن كل ولاية كانت تتمتع بالاستقلال والحكم الذاتي؛ وقتها كانت النتيجة ستؤول بالضرورة إلى اختناق الولايات الصناعية والزراعية الكبيرة منذ نشأتها بفعل غياب الطرق السريعة، خطوط السكك الحديدية والقتوات التي تربط بين هذه الولايات. وتتمثل محنة النيجر التي تعتمد على نيجيريا، وأوغندا التي تعتمد على كينيا في أنها دولة حبيسة تقع في قارة أفريقيا المقسمة. ويعيش ثلث سكان قارة أفريقية في دول صغيرة مقسمة. \r\n وعليه، فكيف يمكن ل(زوليك) والمسئولين الآخرين مساعدة دول العالم الثالث الفقيرة على اللحاق بركب التنمية والتقدم؟ \r\n في كل دولة مع دول العالم الثالث الجديد، يحدث صراع محتدم بين المصلحين وأصحاب المصالح والمنتفعين. ويعتمد اللحاق بركب التقدم على فوز المصلحين بهذه الصراعات. ولا يمكننا أن ندخل في هذه الصراعات بدلاً منهم، ولكننا يمكن أن نساعدهم لكي نجعل معاركهم أسهل مما كانت عليه من قبل. \r\n وفي عام 1945، تعاملت الولاياتالمتحدة بجدية إزاء قضية إعادة بناء قارة أوروبا. نعم، كانت هناك مساعدات من خلال خطة مارشال. ولكن كانت هناك عمليات تبادل تجاري أيضاً: وقد احتفظت واشنطن بمذهب حماية الإنتاج الوطني الذي كانت تتبعه في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، وصاغت إتفاقية عامة للتعريفات الجمركية والتجارة، وهو الأمر الذي ساهم في اندماج أوروبا مع الاقتصاد الأميركي. وكان هناك أمن أيضاً؛ فقد احتفظت واشنطن بنظرية العزل التي كانت تتبناها في عقد الثلاثينيات وساهمت في إنشاء حلف شمال الأطلطني المعروف باسم (الناتو)، وهي الخطوة التي ساهمت في الحفاظ على استقرار قارة أوروبا من خلال ابقاء القوات الأميركية داخل الأراضي الأوروبية لعدة عقود. وكان هناك أيضاً محاولات مكثفة وجادة لإنشاء أنظمة تؤدي إلى كفاءة الحكم: وقد أنشأت واشنطن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وشجعت على تكوين المجتمع الاقتصادي الأوروبي، وهو ما أدى إلى بدء عملية ارساء المعايير المشتركة التي حالت في البداية دون انفتاح اليونان، اسبانيا والبرتغال وبعدها بقية دول أوروبا في مرحلة ما بعد إنتهاء الحرب. وتم استغلال المساعدات، عوامل الأمن والحكم الجيد بعد ذلك بشكل مختلف. \r\n ومن الوارد جداً أن تكون المساعدات من الأمور الهامة لمساعدة دول العالم الثالث الفقير على النجاة واللحاق بركب التنمية والتقدم تماماً كما حدث مع أوروبا في أعقاب إنتهاء الحرب العالمية الثانية. وتمثل المساعدات جزءا من الحل، ولكنها لا تقدم حلاً حاسماً وكاملاً لهذه المشكلة. إن الاعتماد الكلي والحصري على المساعدات ساهم في تشويه الجهود والطاقات التي كان يجب أن تبذلها بعض المؤسسات التنموية التي كانت تسعى لتحقيق التقديم في دول العالم الفقير. وبدلاً من المنظمات التنموية، بدأنا نمتلك وكالات المساعدات الدولية. وبدلاً من ظهور ضغوط من قبل الشارع بغية تحقيق التنمية، ظهرت بعض الضغوطات التي بذلت للحصول على المساعدات. \r\n ويهتم زوليك والمسئولون الآخرون بقضية الفقر العالمي، ويتعين على هؤلاء القادة تعلم كيفية استخدام المجموعة الكاملة من السياسات بدلاً من التظاهر بأن هذه الأمور يمكن أن تتم كلها من خلال المساعدات. \r\n وسوف يتطلب إنقاذ دول العالم الفقير أيضاً أن تتعاون الولاياتالمتحدة مع أوروبا لكي يعملا مع بعضهما البعض لحل هذه المشكلة. وسوف يتعين على الاقتصاديات الناشئة القيام بمثل هذه الخطوات. ومن أجل تحقيق هذه الوحدة والهدف الجاد، لن يكون مشاعر الاهتمام والرعاية وحدها كافية، لأن مشاعر الخير لن يكون كافياً للتغلب على هذه المشكلة. ومن حسن الحظ أن هذه الحلول يمكن أن تدعم وتعزز بواسطة المحفزات العملية وليست الأخلاقية التي سوف تضمن تحقيق المصلحة العامة وتوفير الإمدادات الضرورية بصورة أفضل. \r\n ولإحساسي بالشفقة تجاه الأشخاص الذين يعانون من ضيق المعيشة في دول العالم الفقير، أرى أنني أمتلك مصلحة شخصية أيضاً في هذا الموضوع: وأنا أشعر بالخوف من العالم الذي سوف يكبر فيه ويرثه ابني البالغ من العمر 6 سنوات إذا لم نستيقظ من سباتنا العميق. وقد كان الرئيسان الأميركيان السابقان هاري ترومان ودوايت ايزنهاور على مستوى التحدي عندما سعيا إلى إعادة بناء أوروبا وقدما لنا عالما آمنا. ويمتلك جيلنا في الوقت الحالي خياراً يجب أن يتخذه: يتمثل في ما إذا كنا سنواجه المسئوليات الملقاة على عاتقنا، أو الدخول في حالة إنكار جماعية والبدء في سبات عميق لكي نستيقظ على كابوس مزعج كما حدث مع جيل عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. ولا يتعلق الأمر ب(زوليك فقط). وفي بلداننا الديمقراطية، سوف يفعل القادة السياسيون تماماً ما نطلبه منهم. إنها مسئوليتنا الجماعية لكي نتفهم التحدي الذي يفرضه زيادة الفقر. ومن المهم جداً أن نستيقظ بسرعة كبيرة في تعاملنا مع القضايا الملحة لكي ندرك ما يمكن أن نفعله تجاه هذه القضايا. وقتها فقط، سوف يتحرك قادتنا السياسيون من مجرد إرسال إشارات شكلية إلى إتخاذ إجراءات وأفعال جادة، عملية وفعالة. \r\n * أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكسفورد البريطانية، ومؤلف كتاب (دول القاع: لماذا تسقط الدول الفقيرة، وماذا يمكن أن نفعل تجاه هذه الدول). \r\n بول كولير* \r\n * خدمة واشنطن بوست خاص ب(الوطن) \r\n