غرائب «الدورس الخصوصية» في شهر الامتحانات    هجوم إسرائيلي على مستودعات للذخيرة ومنصات لإطلاق صواريخ باليستية في 3 مدن إيرانية    إنتر ميامي يتلقى ضربة موجعة قبل لقاء الأهلي    طلع مدرس مساعد بجامعة بني سويف، مفاجأة غير متوقعة في واقعة تحرش مدرب جيم بطفل في الفيوم    انقلاب سيارة تريلا محملة بسن بطريق مصر الإسكندرية الزراعي ووقوع مصاب وشلل مروري    الحالة المرورية اليوم السبت.. سيولة على الطرق السريعة بالقليوبية    وفاة والد محمد طارق عضو مجلس إدارة نادي الزمالك    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 14 يونيو 2025    انتهاء تنفيذ 321 مشروعا ضمن حياة كريمة ب9 مليارات جنيه فى الوادى الجديد    ازدحام غير مسبوق في سماء السعودية    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    توجيهات رئاسية مُستمرة وجهود حكومية مُتواصلة.. مصر مركز إقليمي لصناعة الدواء    نتيجة الشهادة الإعدادية بالدقهلية 2025 الترم الثاني.. رابط مباشر و خطوات الاستعلام    أسعار الفراخ اليوم السبت 14-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    أسعار الذهب اليوم فى السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 14 يونيو 2025    الأهلى يختتم تدريباته الجماعية استعدادا لمواجهة ميامى فى كأس العالم للأندية    تفاصيل الاجتماع الفنى لمباراة الافتتاح.. الأهلى بالأحمر والشورت الأبيض أمام ميامى    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    أشرف داري ل«المصري اليوم»: درسنا إنتر ميامي ونعرف ميسي جيدا (فيديو)    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    قناة مفتوحة لنقل مباراة الأهلي وانتر ميامى في كأس العالم للأندية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    القناة 13: إصابة 5 إسرائيليين جراء الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    إعلام عبرى: ارتفاع عدد المصابين إلى 7 أشخاص جراء الهجوم الإيرانى    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    مصرع فتاة سقطت من الطابق السادس بسوهاج    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    «قصور الثقافة» تعرض طعم الخوف على مسرح مدينة بني مزار.. غدًا    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    كاتب سياسي: رد إيران يشمل مئات الصواريخ الباليستية لم تشهد تل أبيب مثيل لها    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفريقيا بحاجة للعدالة وليس للصدقة
نشر في التغيير يوم 25 - 07 - 2005


\r\n
فقد اعلن هؤلاء الوزراء في 11 حزيران/يونيو الماضي عن اتفاقهم على إلغاء ديون (18) دولة معظمها من قارة أفريقيا وهي ديون مستحقة لمنظمة «الصندوق الدولي» و«البنك الدولي» و«بنك الإنماء الأفريقي». وتقول الحكومة البريطانية إن هذا المبلغ يساوي (40) ملياراً وباللغة العملية سيوفر إلغاء هذا الدين على الدول الثماني عشرة إعفاءها من دفع (15) ملياراً من الدولارات كان قد توجب عليها دفعها على امتداد عشر سنوات قبل تسديد كامل الديون. وتقرر أن تصادق قمة الدول الثماني التي انعقدت في (اسكوتلندا) على هذا الإجراء في (68) تموز/يوليو الجاري. وقبل هذه المصادقة كانت صحيفة (لوس انجلوس تايمز) قد اعتبرت أن هذا القرار يشكل إنجازاً للحلم الذي تطلع إلى تحقيقه نشطاء الحركة المعادية للفقر، في حين أن وزير المالية الأميركي جون سنو اعتبر أن هذا الاتفاق إنجاز للإنصاف التاريخي في توزيع الأعباء والحصص. واعتبرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأميركية أن هذا الإجراء يمثل تتويجاً للحملة الدؤوبة التي تولى من خلالها طوني بلير، ونجم «غناء الروك» الإيرلندي (بونو) محاولة إقناع الدول الغنية للتنازل عن ديونها المستحقة على أفقر قارة في العالم. وقالت صحيفة «سيدني مورنينغ» هيرالد التي استشهدت بما قالته معظم صحف العالم إن «(280) مليوناً من البشر سوف يستيقظون لأول مرة في حياتهم من دون أن يكونوا مدينين لدول الغرب الغنية التي تستحق منهم ديوناً منذ فترة طويلة وهي أموال نحن المواطنون في الغرب لا نعرف قيمتها ولم نرغب بمعرفة قيمتها لأن هذه الملايين الكثيرة لم تكن قادرة على تسديدها». ووصف آخرون ما حدث بأنه تعبير عن نية «قادة العالم» (المقصود قادة الدول الثماني) خلق علاقات جديدة وأفضل مما سبق بين الأغنياء والفقراء. وبهذه الطريقة كانت تختلط العبارات رغم أن المأساة كانت واضحة وتعلن عن نفسها، قائلة بأن ما قيل وكتب لا يتوافق مع حقيقة ما جرى أو مع حقيقة الإجراء المتخذ بإعفاء (18) دولة من ديونها. فإعفاء (18) دولة من دفع (5،1) مليار سنوياً تسديداً لديونها لن يزيد الميزانية الإجمالية لهم إلا بنسبة 5،6% سنوياً. وهذا المبلغ المتواضع على مدى (10) سنوات أرادت وسائل الإعلام الغربية تصويره بالحجم الذي تريده حكومات الغرب وكأنه «كرم» كبير، في حين أنه لا يشكل إلا مبالغة لا تحمل إلا القليل. فهذه الدول الثماني عشرة لا تمثل سوى 5% من عدد سكان العالم الثالث، وإذا ما أصبح عدد الدول التي ستعفى من دفع ديونها (38) دولة في المستقبل فلن تمثل كل هذه الدول سوى 11% من سكان دول العالم الثالث الفقيرة. وإذا انتقلنا إلى حصة كل دولة غنية من هذا التنازل عن الديون لهذا العدد من الدول الأفريقية سنجد أن بريطانيا تكون قد ألغت (70) مليوناً أو (90) مليوناً وهو مبلغ تنفقه حكومة بلير سنوياً على قواتها في العراق وهو مبلغ يقارب المبلغ الذي تنفقه الدولة سنوياً على مصاريف العائلة المالكة. أما واشنطن فسوف تتنازل عن (130) إلى (175) مليوناً سنوياً وهو مبلغ تنفق ثلاثة أضعافه على المصاريف السنوية لسفارة واشنطن في بغداد. وعلى مدى عشر سنوات لن يشكل هذا المبلغ إلا جزءاً من ملياري دولار تنفقهما واشنطن شهرياً على قواتها في العراق. وإذا ما كانت هذه الأرقام الديون ستجعل الغرب يقول إنه قدم صدقة تاريخية لعدد من الدول الفقيرة في العالم الثالث، فإن مقارنتها بالميزانية السنوية العسكرية الأميركية، تجعلها تكاد لا تظهر أمام قيمة الميزانية العسكرية التي تبلغ للعام 2006 (441) ملياراً. وهذه الصدقة تكاد تختفي قيمتها العددية أمام مساعدات الدعم المالي الحكومي الذي تقدمه الدول الثماني الصناعية الكبرى للمزارعين والمنتجين الزراعيين فيها وتجعلهم يغرقون أسواق العالم الثالث بمنتوجات رخيصة تؤدي إلى تدمير قيمة المنتوجات الزراعية المحلية التي تنتجها دول العالم الثالث. وإلى جانب ذلك، تكاد هذه الصدقة لا تظهر قيمتها أمام الدخل والأرباح التي تحصل عليها بريطانيا من تجارة السلاح في أفريقيا، التي تبلغ ملياري دولار سنوياً، بل وتزول قيمتها النسبية أمام تخفيض الضرائب على أغنى رجال الأعمال الأميركيين الذي بلغت قيمته (200) مليار دولار سنوياً. ولا ننسى أن الديون المستحقة على عدد من الدول الفقيرة لحساب بنك الإنماء الأميركي الدولي ولبنك الإنماء الآسيوي لم يتم التنازل عنها في هذه الصفقة، كما لم يتم إعفاء الديون القائمة ثنائياً بين الدول الغنية والدول الفقيرة في هذه الصفقة. وحتى لو تمّ التنازل عن كافة الديون المستحقة على (38) دولة، فإن ذلك لن يمثل إلا 18% من الديون الخارجية المستحقة على دول أفريقيا التي تبلغ (300) مليار من الدولارات ولن يمثل المبلغ أيضاً سوى جزء يسير من ديون جميع دول العالم المستحقة للدول الصناعية الغنية والتي تبلغ (4،2) تريليون دولار.
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
الآلام تفوق المنافع
\r\n
\r\n
على الرغم من هذه الصورة السلبية هل يمكن النظر إلى هذه الصفقة كخطوة إلى الأمام؟ يرى نشطاء حملة التنازل عن الديون كلها في أفريقيا أنها ليست خطوة إلى الأمام. تقول منظمة «اليوبيل الأفريقي جنوباً» (أ جي إس) في تقرير لها (14 حزيران/يونيو) الماضي إن الدول الثماني «الكبار» اشترطت على الدول الثماني عشرة الأفريقية أن تلتزم بخطة اقتصادية تستكمل فيها قواعد النظام الليبرالي الرأسمالي. والمعروف أن هذه الخطة وضعتها الدول الغنية الصناعية عام 1996 وفرضتها على الدول المدينة مقابل إعفائها من الديون المستحقة عليها. وفي قمة الدول الثماني الكبار عام 1999 التي انعقدت في كولون وعدت هذه الدول بوضع خطة توفر من خلالها إلغاء (100) مليار دولار من الديون الثنائية بين كل منها وبين الدول المدينة التي تلتزم بهذه الخطة. ولم تنفذ الدول الثماني من هذا الوعد إلا نسبة قليلة ألغت خلالها ربع هذا المبلغ وأصبحت الدول التي طبقت هذه الخطة أفقر مما سبق. وترى منظمة «اليوبيل الأفريقي جنوباً» أن استكمال هذه الخطة يستوجب تنفيذ الدولة الفقيرة لإصلاحات ترتبط بخلق سوق حرّة وتحرير الدولة من دعم الرعاية الصحية والتعليم وفرض تجارة حرّة وتداول الأموال بشكل حر وبتخفيض ميزانيات الدعم الذي تقدمه الدولة. وهذه الشروط أعلنتها بشكل صريح الدول الثماني على لسان وزراء المالية في 11 حزيران/ يونيو الماضي حين طالبت الدول المدينة بإلغاء جميع المعيقات أمام الاستثمارات الخاصة الأجنبية والمحلية وبفرض الخصخصة. وذكرت التقارير أن عشرين دولة مدينة أخرى قررت الالتزام بهذه الخطة إذا ما وجدت أنها قادرة على تحمل الألم والمعاناة التي تكبدتها الدول الثماني عشرة التي سبقتها في تطبيق هذه الخطة. ففي تانزانيا جرت الخصخصة وشلمت (45) ألفاً من أعمال القطاع العام وتحولت إلى ملكية خاصة بالمستثمرين الأفراد أو الشركات، وفي زامبيا جرت خصخصة (60) ألفاً من أعمال وشركات القطاع العام، وأجبرت كل من تانزانيا وغانا على خصخصة شركات المياه الحكومية في المدن وأجبرت (مالي) على خصخصة شركة سكة الحديد الحكومية وصناعة القطن التابعة للقطاع العام. وفرض البنك الدولي على حكومة مالي أن تدفع لمنتجي القطن في الشركات التابعة لها سعر القطن نفسه في السوق الدولي وهو أقل من السعر الذي كانت تدفعه لهم فتسبب ذلك بنقص في المداخيل المحلية. أما سكة الحديد في مالي، فقد اشترتها شركة فرنسية كندية قامت بإلغاء (600) وظيفة محلية للسكان وبإغلاق ثلثي المحطات وضاعفت من عدد المسافرين وعربات المسافرين على حساب عربات نقل البضائع. وفقد بسبب هذه التطورات عدد كبير من الأفارقة في مالي أعمالهم وجدوى محلاتهم التي كانوا يقيمونها عبر المحطات وزادت مصاريف نقل بضائعهم عبر سكة الحديد. ويرى غوردون براون أن وضع خطة على غرار (خطة مارشال الاقتصادية الأميركية) التي اتبعت لمصلحة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية قد يجعل أفريقيا في وضع أفضل بكثير، خصوصاً وأن الدول الأوروبية وعدت بزيادة النسبة المخصصة لمساعدات أفريقيا في ميزانياتها السنوية. ففي الوقت الحاضر تقدم أوروبا نسبة من 33،0% من قيمة ناتجها القومي الشامل كمساعدات لأفريقيا، وإذا ما زادت هذه النسبة وجعلتها 56،0% حتى عام 2010 ثم زادتها بعد ذلك وجعلتها 7،0% في عام 2015، فإن هذا البرنامج من شأنه توفير زيادة سنوية في المساعدات المخصصة لأفريقيا من (25) مليار دولار إلى (75) ملياراً في عام 2015. ويذكر أن الأمم المتحدة كانت تتطلع منذ عام 1970 إلى تخصيص الدول الأوروبية الغنية مساعدات مالية لأفريقيا ومع ذلك لا يبدو أن دول أوروبا قد أنجزت هذا الهدف حتى الآن رغم أن مستشار ألمانيا (فيلي براندت) أعلن عن هذا الهدف منذ عام 1979 أيضاً. وعلى الرغم من هذه الوعود الأوروبية، إلا أن إدارة بوش من جانبها لا تزال ترفض زيادة نسبة المساعدات التي تخصصها من ناتجها القومي الشامل لأفريقيا وهي لا تتجاوز 16،0% من قيمة الناتج القومي الشامل، أي ما يقدر ب (2،3) مليارات دولار سنوياً لقارة كاملة. وهذا المبلغ أقل من المبلغ الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل وحدها وهو (7،3) مليارات دولار وهو مبلغ ينفقه (البنتاغون) وزارة الدفاع في أربعة أيام فقط. أما الاتحاد الأوروبي فعلى خلاف الولايات المتحدة يقدم أكثر منها وتبلغ قيمة المساعدات السنوية التي يقدمها لقارة أفريقيا (8،10) مليارات دولار سنوياً.
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
ثورة في العالم الثالث
\r\n
\r\n
السؤال الذي يطرح الآن هو: لماذا يحاول الغرب الآن الظهور بمظهر من يرغب بالمساهمة في حل مشاكل فقر أفريقيا والعالم الثالث؟ يبدو أن السبب يعود على المدى القصير إلى رغبة طوني بلير الانتهازية بالظهور بمظهر من هو أفضل من جورج بوش حين يذكر التاريخ حكم الاثنين. لكنه على الرغم من ذلك لا بد أن بلير وبوش وقادة بقية الدول الثماني الكبار بدأوا يدركون أن هناك ثورة في العالم الثالث ضد الليبرالية الجديدة وقد تتسع ولا بد من نزع فتيلها. وكانت المنظمات الأفريقية الإقليمية من بين المنتقدين للدول الغنية حين أعلنت أن القوى الإمبريالية ينبغي عليها توفير بعض المتنفس المالي للدول الفقيرة المتضررة من ديونها، وأن الدول الغنية ينبغي عليها عدم استغلال المصادر الطبيعية للدول الفقيرة. وطالبت المنظمات الأفريقية بتعويضها الدول الفقيرة من الأرباح التي تجنيها الدول الغنية منها. وظهر أن مقاومة شروط الدول الغنية تتسع في دول أميركا اللاتينية، ففي بوليفيا المرشحة إلى الاستفادة من صفقة تعدها لها الدول الثماني الغنية بشأن ديونها والشروط المفروضة عليها يخرج الجمهور البوليفي إلى الشوارع منذ شهور، ويطالب بتراجع الحكومة عن مشاريع خصخصة الغاز الطبيعي واحتياطي النفط الموجود فيها. وكانت منظمة «صندوق النقد الدولي» هي أول من اشترطت على بوليفيا قبل عشر سنوات خصخصة مصادر ثروتها النفطية ورفض الشعب هذه السياسة وأصر على أن يستفيد الشعب البوليفي من ثروة بلاده الطبيعية. وفي فنزويلا رفضت الحكومة الثورية فيها انتهاج سياسة تقشف ليبرالية جديدة وتتجمع لدى الشعب الرغبة بأن تبقى ثروة النفط في أيدي الشعب البوليفي وعدم خصخصتها. ويبدو أن قادة الدول الثماني بدأوا يشعرون بالخوف من انتشار هذه الظاهرة المعادية لليبرالية الجديدة واتساع نفوذها بين دول عالم الثالث بما في ذلك معظم الدول الأفريقية التي تحقق الشركات الغربية الرأسمالية منها أرباحاً طائلة، وخصوصاً من ثرواتها النفطية والغاز. وظهرات المؤشرات الأولى على عدم رغبة دول أفريقية بالالتزام بشروط الخصخصة منها هي موزامبيق تتحدى منظمة «صندوق النقد الدولي» وشروطها بشأن الأجور. وفي أيار/ مايو الماضي تراجعت تنزانيا عن خصخصة مصادر المياه وعن العقد الذي وقعته شركة بريطانية معها بعدما تذرعت تنزانيا بفشل الشركة من توفير خدمات المياه في الوقت المحدد بالعقد. وفي حزيران/ يونيو الماضي قامت سلطات تنزانيا بطرد ثلاثة مدراء تنفيذيين للشركة. وقامت دولة مالي بتأجيل عملية الخصخصة النهائية لصناعة القطن، وخالفت بذلك أوامر البنك الدولي الذي اشترط عليها اتخاذ هذا الإجراء، وقررت تنفيذ الخصخصة حتى عام 2008. وفي كينيا أعرب رئيس حكومة كينيا عن غضبه الشديد لأن الدول «الثماني الكبار» لم تضع بلاده في قائمة الدول المعفاة من بعض الديون المستحقة عليها رغم أنها التزمت بكافة الشروط المطلوبة لكي تستحق الإعفاء. وقال بول مويت رئيس الحكومة الكيني إن بلاده ستضطر إلى اتخاذ إجراءات متشددة لإعادة الحيوية والطاقة للاقتصاد الكيني، ومن هذه الإجراءات التوقف عن إعادة تسديد الديون الخارجية.
\r\n
\r\n
\r\n
العدالة وليس الإحسان
\r\n
\r\n
إن ما تحتاجه أفريقيا من أجل الهروب من الكابوس الذي خلفه لها الاستعمار والإمبريالية، وخصوصاً في فترة العبودية التي دامت قروناً طويلة هو علاقات اقتصادية دولية ذات نظام عادل ومتساو جديد. ومن الواضح أن الدول الغربية تشوش عن قصد أعراض ومظاهر الفقر الأفريقي حين تعرض أسبابه، وهذا ما يخلق صورة غير حقيقية لأوضاع أفريقيا في منظار النظام الرأسمالي العالمي. ومن الصور الواضحة أن الدول الصناعية المتقدمة لا تزال تمتص جزءاً كبيراً من أرباحها من الاستغلال الذي تمارسه ضد الأغلبية الساحقة للبشرية التي تسكن في العالم الثالث. ويقول التقرير الذي ظهر بعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو في عام 2004 إن قارة أفريقيا حصلت على (540) مليار دولار على شكل قروض وسددت ما يقرب من (550) مليار دولار تتضمن فوائد تلك القروض ما بين عام 1970 و2002، ومع ذلك لا تزال أفريقيا مدينة ب (295) مليار دولار. ولذلك تطالب جميع المنظمات الأفريقية الإقليمية، وكذلك منظمات دول العالم الثالث بأن يعامل العالم أفريقيا بعدالة وإنصاف وليس بالتصدق والإحسان والسبيل إلى تحقيق هذه الغاية هو أولاً: إلغاء جميع ديون الدول الأفريقية ودول العالم الثالث، ثانياً: زيادة النسبة التي يُقدمها الغرب في ميزانياته لمساعدة الدول الفقيرة إلى نسبة (7،0%) من الناتج القومي الشامل ومن دون شروط مسبقة على الدول التي ستتلقاها. ثالثاً: إلغاء جميع الشروط التي يفرضها عادة صندوق النقد الدولي مهما كانت غايتها وشكلها. فمن الواضح أن استعادة حيوية الاقتصاد في أفريقيا لا ترتبط ولا تتوافق مع هذه الشروط والمؤسسات الدولية الاقتصادية. رابعاً: ينبغي إنهاء الضغوط التي يُمارسها الغرب على دول العالم الثالث لإجبارها على فتح أسواقها من دون أي قيود لأن الدول الأفريقية تسعى إلى تحقيق اتفاقات تسمح لها بأن تختار موعد وطريقة فتح أسواقها وتسمح لها أيضاً بتنفيذ أي إجراءات تجدها ضرورية لحماية صناعاتها المحلية وتطويرها. وينبغي في هذه المناسبة أيضاً على دول الغرب القيام بفتح أسواقها للبضائع التي ينتجها العالم الثالث ودول أفريقيا. خامساً: يجب على الغرب دفع تعويضات للدول الأفريقية التي تعرضت ثرواتها للسرقة من قبل الدول الغربية في الماضي وما تسببت به دول الغرب من ضياع تلك الثروات ونفاذها. ولا شك أن إعادة مأسسة تلك الثروة الأفريقية وإعادتها إلى أصحابها الحقيقيين في شعوب أفريقيا سوف يشكلان دليلاً صحيحاً على أن من سلب أفريقيا في الماضي يرغب الآن بتقديم المساعدة لأفريقيا. وفي المقابل، ينبغي على قادة الدول الأفريقية وأصحاب القرار السياسي فيها التخلي عن السياسة الليبرالية الحديثة المدمرة لاقتصاد القارة واختيار برامج الإنماء والتطوير المناسبة. ولكي تتحقق هذه الغاية يتوجب المحافظة على الاستقلال السياسي وسيادة الدول الأفريقية واحترام ما تختاره من اتجاهات اقتصادية وخصوصاً الدول الثماني عشرة التي سيتم إعفاؤها من جزء من ديونها وهي: بينين، وبوليفيا وبوركينا فاسو وأثيوبيا وغانا وغوايانا وهوندوراس ومدغشقر ومالي وموريتانيا وموزامبيق ونيكاراغوا ونيجر وراوندا والسنغال وتانزانيا ويوغندا وزامبيا.
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.