والان, وبعد ان انتهت هدنة الانتخابات البرلمانية التركية, فان تركيا قد تقدم على اجتياح الشمال العراقي وهي خطوة اقل ما يمكن ان يقال فيها انها سوف تزيد من تعقيد الموقف المعقد اصلا في الشرق الاوسط. \r\n \r\n ما زال هناك متسع من الوقت امام الولاياتالمتحدة للعمل على منع وقوع هذه الكارثة. لكن الهجمات الدامية التي يشنها حزب العمال الكردستاني هذا الصيف قد اوصلت التوتر الى نقطة الغليان. ومما يثير غضب الاتراك ان قوات الحزب قادرة على التمتع بالسلامة والتعاطف في جبال كردستان العراق بعد قيامها بشن هجماتها داخل تركيا. ويحذر الجيش التركي باستمرار من ان مهاجمة تلك الملاذات الآمنة امر ضروري بالنسبة له وقد حشد له عشرات الالوف من الجنود على الحدود. \r\n \r\n الواقع ان قلق تركيا في شمال العراق يمتد الى ما هو ابعد من قضية حزب العمال الكردستاني. فالكيان الكردي شبه المستقل على الحدود يشكل تهديدا لوحدة الاراضي التركية طالما خشي منه الزعماء الاتراك. ويتمثل هذا التهديد في تعميق المشاعر القومية لابناء الاقلية الكردية في تركيا الذين يتراوح عددهم بين 12 الى 15 مليون نسمة. ثم ان هناك كركوك التي تطرح الاختبار الحقيقي للنوايا الكردية. فحكومة اقليم كردستان العراق تشجع الاكراد على الهجرة الى تلك المدينة ذات الطبيعة السكانية المختلطة تمهيدا للاستفتاء الذي سيجرى قبل نهاية العام الحالي حول الحاق كركوك باقليم كردستان. ويثير اهتمام الاكراد بمنطقة كركوك الغنية بالنفط مخاوف الاتراك والعرب على حد سواء من كون الاكراد يخططون للاستقلال وهو الخط الاحمر الذي لا تسمح به جميع الحكومات التركية. \r\n \r\n يتسم الجنرالات الاتراك, بطبيعتهم, بالحذر. وعلى الرغم من تهديداتهم المتكررة واطلاق النيران المتقطع, فانهم لن يسيروا الى الشمال العراقي من دون تأن. كما ان ذكريات تسعينيات القرن الماضي ما زالت حية في اذهانهم. فقد شهد ذلك العقد اربع عمليات غزو تركية لشمال العراق تكبد فيها الجيش التركي خسائر جسيمة من دون ان يضع حلا لمشكلة حزب العمال الكردستاني. ويرمي الاتراك حاليا الى ان تعمل التهديدات الصادرة عن انقرة الى دفع الامريكيين والاكراد الى اتخاذ اجراءات ضد حزب العمال الكردستاني في العراق. لكن صبر الاتراك آخذ في النفاد, ويشير ارتفاع حدة المشاعر القومية التركية المضادة للاكراد الذي كشفت عنه الحملات السياسية الانتخابية الى احتمال ان تضطر الحكومة التركية الى اتخاذ اجراء عسكري في حال حدوث هجوم خطير آخر لحزب العمال الكردستاني على الاراضي التركية. \r\n \r\n كانت الامور مختلفة بالنسبة لاكراد العراق قبل عقد من السنين, عندما انضمت قوات الزعيم الكردي مسعود البرزاني الى الاتراك في محاربة حزب العمال الكردستاني. يومها, كان الاكراد العراقيون في حاجة ماسة الى تركيا وطائرات السلاح الجوي الامريكي التي كانت تنطلق من قواعد عسكرية تركية لردع صدام حسين عن اجتياح مناطقهم الآمنة في شمال العراق. وقد تحولت تلك المناطق, بالعمل الدؤوب وقسط كبير من الحظ, الى ما يعرف اليوم بكردستان العراق. فقد بات البرزاني, الذي نصب مؤخرا رئيسا لكردستان العراق والذي منحه وضعه الجديد الكثير من الجرأة, يشيح بنظره اليوم عما يفعله حزب العمال الكردستاني على الاراضي الواقعة تحت سلطته. وكذلك هو الحال بالنسبة للرئيس العراقي جلال الطالباني وهو الزعيم البارز الآخر في كردستان العراق. بل ان البرزاني ذهب الى حد تهديد تركيا بحرب شاملة ان هي اقدمت على الاجتياح. \r\n \r\n \r\n لقد اعطت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش الاكراد بطاقة مفتوحة للتصرف في شمال العراق. فهي في حاجة ماسة الى الاستقرار هناك اضافة الى المساعدة التي اسهمت بها قوات »البشمركة« الكردية في قتال المتمردين في مناطق اخرى من العراق. وانطلاقا من الشعور باهميتهم كحلفاء لواشنطن, ادار الاكراد ظهورهم للالتماسات التي قدمها المبعوث الخاص وقائد حلف الناتو السابق جوزيف رالستون الذي اوكل اليه الرئيس بوش مهمة حل مشكلة حزب العمال الكردستاني. ساعدت محادثات رالستون مع نظرائه الاتراك ومساعدي البرزاني على كسب بعض الوقت. لكن الجيش الامريكي منقسم على نفسه بشأن القيام باجراء فعلي. فمعظم جنرالات الجيش لا يرغبون في استعداء الاكراد او استنفاد الموارد العسكرية على حزب العمال الكردستاني. كما ان وكالة الاستخبارات المركزية لا تملك الفائض اللازم من الطاقات والموارد. وبناء على ذلك فقد لجأ الامريكيون الى الكلام, والمكالمات الهاتفية, والتحذيرات في حين تتأجج المشاعر التركية كل يوم. وكان من شأن امتناع الامريكيين عن اي اجراء ان اثار الجمهور التركي ضد الولاياتالمتحدة حيث يشير استطلاع اجراه معهد بيو مؤخرا الى ان 9 بالمئة فقط من الاتراك يؤيدون مواقف الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n لقد فات الوقت على التردد والمشاورات غير المجدية. وعلى الحكومة الامريكية ان تقول بصوت واحد للبرزاني بان القضاء على حزب العمال الكردستاني يخدم مصالح الاكراد العراقيين بغض النظر عن تعاطفهم مع القضية التي يدافع عنها الحزب. صحيح ان كردستان العراق تشهد اليوم حالة من الازدهار, لكن نجاحها السياسي والاقتصادي سيواجهان الخطر في حال قيام تركيا بعمل عسكري. يضاف الى ذلك ان الولاياتالمتحدة, رغم كل ما تقوله الان, سوف تغادر العراق في نهاية المطاف وسيجد الاكراد انفسهم وحيدين وسط جيران معادين يعارضون قيام دولة كردية مستقلة. وازاء هذا الواقع لن يكون من الحكمة في شيء ان يستعدي الاكراد العراقيون جارتهم الديمقراطية الوحيدة الصديقة للغرب. \r\n \r\n ان ضرب حزب العمال الكردستاني لن يأتي من دون ثمن. لكنه, في النهاية, امر ممكن. ليس بالامكان القضاء على قوات الحزب في مكامنها الجبلية النائية. ولكن بوسع الاكراد العراقيين ان يحددا من عمليات الحزب وان يلقوا القبض على اشخاص قياديين فيه وان يدمروا معداتهم. وبوسع الولاياتالمتحدة ان تساعد في ذلك عن طريق تقديم المعلومات والدعم اللوجستي. وعلى الاكراد العراقيين ان يتعاونوا مع القوات التركية لمنع التسلل الى الاراضي التركية. فان لم يكن الاكراد العراقيون على استعداد للعمل وبسرعة, فان على الولاياتالمتحدة ان تستخدم قوتها الجوية للمساعدة في تدمير حزب العمال الكردستاني وبنيته التحتية في العراق. اذ لا يمكن بعد اليوم تأجيل التعامل مع هذه المشكلة. \r\n \r\n يبقى ان ضرب حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لن يقضي على مأزق تركيا. اذ يمكن للمشكلة الكردية داخل تركيا ان تصبح القضية السياسية الاولى التي تواجه الحكومة التركية الجديدة. وسيكون على تركيا في وقت قريب ان تقرر كيفية التعامل مع كردستان العراق بطريقة اخرى غير طريقتها الحالية القائمة على تجاهل وجودها السياسي, لكن الاهم من ذلك هو اضطرار الاتراك, في النتيجة, الى التعامل مع المعضلة الكردية في بلادهم. وسيكون لذلك شأن آخر, لكنه لن ينتظر طويلا. \r\n \r\n