\r\n فقد أبرزت نتيجة الصراع، تزايد التهديد الذي يطرحه الإسلام السياسي بالنسبة للوضع الراهن في أماكن مثل القاهرة وعَمّان والرياض. كما أعطى إيران موطئ قدم آخر على الحدود العربية. وفي هذا الإطار، يقول عبد المنعم سعيد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية :\"إننا أمام مشكلة كبيرة وعميقة جداً مرتبطة بفشل شكل الكيان السياسي العربي الحديث وعجزه عن إقناع الناس. يوازي ذلك نجاح الطرف الآخر، مثل \"حماس\"، في صياغة رسالة أوضح وأبسط\". \r\n \r\n بعد الصدمة، حاولت حكومات المنطقة الصديقة للغرب تحويل الهزيمة إلى انتصار؛ حيث وقفت وراء الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومة الطوارئ في الضفة الغربية، وقدمت له المال والدعم. بل إن بعضها تحدث عن نوع من الارتياح بخصوص الانقسام بين الفلسطينيين على اعتبار أنه وضع حداً لحالة الجمود التي نشأت بعد سيطرة \"حماس\" على البرلمان والحكومة إثر انتخابات حرة مطلع العام الماضي. وفي هذا الإطار، تقول \"راندا حبيب\"، المحللة السياسية والصحافية في عَمّان: \"على المستوى الرسمي، سأقول إنه ينظر إلى ما حدث كنوع من الارتياح\"، مضيفة \"ذلك أن الأمور كانت جامدة تماماً. لن أقول إنهم كانوا يتمنون حدوث هذا الأمر؛ غير أن الحقيقة ليست بعيدة عن ذلك\". \r\n \r\n وقد سارعت مصر بعزل \"حماس\"، حيث نقلت مكاتبها الدبلوماسية من غزة إلى رام الله في الضفة الغربية؛ وشددت الطوق الأمني حول القطاع. أما الهدف، فهو إظهار أن من شأن دعم الوضع الراهن جلب الرخاء الاقتصادي وفرص أكبر لإنشاء دولة فلسطينية. كما يتمثل أيضا في الضغط على \"حماس\" من أجل قبول صيغة إقليمية للسلام بين العرب وإسرائيل، والتحالف مع الغرب. وفي هذا السياق، يقول محمد عبد الله الزلفي، عضو مجلس الشورى السعودي، \"إن جميع العرب يقبلون عباس\"، مضيفاً \"أعتقد أن جميع العرب مع عباس، لأن جميع العرب مع مبادرة السلام. والواقع أن العالم كله مع الرئيس الفلسطيني\". \r\n \r\n ولكن الأمور بطبيعة الحال ليست بهذه البساطة. فليس جميع العرب مع عباس، وليس جميع العرب يؤيدون السلام مع إسرائيل. والحقيقة أن التحدي الذي تطرحه هذه الأزمة هو التحدي الذي يواجهه الزعماء العرب عندما يحاولون تثبيت شرعيتهم والحد من مد الإسلام السياسي المتزايد. فعلى سبيل المثال، تحاول مصر احتواء شعبية \"الإخوان المسلمين\"، في حين تسعى الأردن إلى السيطرة على \"حزب العمل الإسلامي\"، الذي يمثل الجناح السياسي ل\"الإخوان\". وعلاوة على ذلك، فإن معظم المنطقة عانى على يد المجموعات الإرهابية المتشبعة بفكر \"القاعدة\". \r\n \r\n ونتيجة لذلك، تدفع الدول العربية، باستثناء سوريا، في اتجاه عقد السلام بين إسرائيل والفلسطينيين باعتباره الخطوة الأهم نحو إرساء الاستقرار بالمنطقة، وتأمين حكمها، والتصدي للنفوذ الإيراني المتزايد. غير أن هذه الأجندة تتسبب في خلق هوة بين الحكام في أماكن مثل القاهرة وعَمان والشارع، حيث تسود مشاعر معاداة الولاياتالمتحدة ويُنظر إلى إسرائيل باعتبارها عدواً. \r\n \r\n من ناحية، يمكن القول إن سباقاً قد بدأ لمعرفة من يصل أولاً: عملية سلام ناجحة يمكنها أن تساعد على تأمين زعامة الأشخاص الممسكين بزمام الأمور اليوم، أم نمو حركة إسلام سياسي يمكنها أن توقف عملية السلام في مساراتها وتنسف أسس الوضع الراهن. كما يمكن القول إن الصراع بين الفلسطينيين يمثل دورة أخرى ضمن هذا السباق. وفي هذا السياق، يقول \"حسن أبو هنية\"، الباحث الأردني المتخصص في الجماعات الإسلامية، \"ثمة ثابتان في الشارع العربي هما: كره إسرائيل وكره الولاياتالمتحدة\"، مضيفاً \"يتعلق الأمر هنا بحقيقتين ثابتتين لا تتغيران؛ وكل من يتعاون مع إسرائيل والولاياتالمتحدة يصبح ممقوتاً بشكل أوتوماتيكي\". \r\n \r\n حقيقتان يدركهما الزعماء العرب جيداً. ففي مصر، على سبيل المثال، درجت الحكومة عادة على لعب لعبة مزدوجة، حيث تقدم نفسها لواشنطن باعتبارها شريكاً استراتيجياً، في حين تقوم أمام الجمهور بانتقاد التدخل الأميركي في المنطقة. والحال أن الصراع الفلسطيني، يهدد بالكشف عن التحالف المشترك مع الولاياتالمتحدة، وهو ما لن يتأخر أنصار \"حماس\" عن استغلاله. وفي هذا الإطار، يقول محمد حبيب، نائب زعيم \"الإخوان المسلمين\" المحظورة في مصر: \"تخيلوا لو أن الولاياتالمتحدة لم تدعم الرئيس عباس، فهل كان المجتمع الدولي والحكومات العربية ليتخذا هذا الموقف؟\"، مضيفاً \"هذا هو ما يزعج الشعوب العربية: تعلن الولاياتالمتحدة عن موقف، فتتحرك الحكومات العربية بسرعة لتتبناه\". \r\n \r\n الصيف الماضي، عندما هاجمت إسرائيل \"حزب الله\" في لبنان بعد أن عبر مقاتلو هذا الأخير الحدود إلى إسرائيل واحتجزوا جنديين إسرائيليين، صدرت عن الزعماء في القاهرة والرياض وعَمان تصريحات قوية تجاه \"حزب الله\" في البداية. ولكن عندما طال أمد الحرب، وازدادت شعبية \"حزب الله\" في المنطقة، بدت تلك المقاربة كخطأ فادح. \r\n \r\n أما اليوم، فتدعم البلدان العربية ومنها مصر، التي لها حدود مع قطاع غزة وتعرضت للمهانة بعد رفض \"حماس\" قبول جهود الوساطة المصرية، الرئيس عباس –ولكنها تحرص في الوقت نفسه على عدم قطع العلاقات صراحة مع \"حماس\". ويأمل طرف في أن يؤدي رخاء الضفة الغربية إلى السلام، في حين يأمل الآخر أن يواصل الاستقرار في غزة التأثير على الأسس التي يستند إليها الفريق المتحالف مع الغرب. \r\n \r\n يقول طاهر المصري، رئيس الوزراء الأردني الأسبق:\"الحياة في الضفة الغربية ستتحسن، على الأقل من الناحية الاقتصادية، ونأمل أن تتحسن من الناحية السياسية أيضاً. ستنظر \"حماس\" في غزة إلى هذه التطورات الإيجابية وتتمنى لو أنها تستطيع الانضمام، وهو ما سيدفع عناصر خارج \"حماس\" في غزة إلى تبني مواقف معتدلة والانضمام إلى الحكومة الشرعية\". ولكنه أضاف \"قد يكون هذا ضرباً من ضروب التمني. لا أعلم\". \r\n \r\n \r\n مايكل سلاكمان \r\n \r\n مراسل \"نيويورك تايمز\" في القاهرة \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n