\r\n طيلة تلك الحملة كانت معارضة \"ساركوزي\" لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي صريحة، وقطعية ولا يمل من تكرارها. كان \"ساركوزي\" يحرص من آن لآخر على التأكيد بأن تركيا ليست دولة أوروبية، وإنما هي دولة تقع في آسيا الصغرى، وأن انضمامها للاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى اختزاله إلى مجرد كتلة تجارية وحرمانه من النفوذ السياسي، كما أنه سيحول دون تبلور \"أوروبا سياسية\" أي سيحول دون تبلور قارة أوروبية متماسكة سياسياً وقادرة على جعل صوتها مسموعاً في العالم على قدم المساواة مع صوت الولاياتالمتحدة والصين وروسيا والهند وغيرها من القوى الصاعدة. ومما فاقم من معارضة \"ساركوزي\" السياسية لعضوية تركيا ذلك الاهتمام الواضح الذي يحمله بشأن المحافظة على الهوية الثقافية الفرنسية. \r\n وقد لوحظ أنه لم يبذل جهداً كبيراً من أجل إخفاء عدم استساغته لتعرض أوروبا للاجتياح من قبل 70 مليون مسلم 40 في المئة منهم تحت سن الخامسة عشرة. \r\n والسياسات التقييدية التي طبقها \"ساركوزي\" خلال السنوات الأربع الماضية التي عمل فيها كوزير لداخلية فرنسا في مجال الهجرة وخصوصاً الهجرة القادمة من شمال أفريقيا وأفريقيا السوداء، تدل بشكل واضح على أنه يعتقد أن لديه من المسلمين ما يكفي في فرنسا، وأنه ليس بحاجة إلى تدفق المزيد منهم في حالة انضمام تركيا. \r\n أما \"سيجولين رويال\" فقد كانت أقل عداءً لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في تصريحاتها وخطبها. ووجهة نظرها التي أفصحت عنها في هذا الشأن هي أن هناك آلية مفاوضات قد انطلقت بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وأن هذه الآلية يجب أن تتاح لها الفرصة للمضي قدماً. وعندما تنتهي تلك العملية في بحر عشر سنوات على وجه التقريب -هكذا تعتقد- فإنه يمكن لفرنسا آنذاك إعطاء رأيها من خلال استفتاء عام، وهي السياسة التي كان يتبناها الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، \"جاك شيراك\" وأي تغيير للمسار الآن -في رأيها- يعد من قبيل الخيانة. \r\n ولكنها ألمحت على الرغم من ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي، قد يمنح تركيا وضعاً أقل من العضوية الكاملة وهو وضع \"العلاقة المتميزة\"، الذي تقترحه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. يشار إلى أن تركيا قد أبدت على الدوام رفضها لهذه الفكرة، وقالت إن ما تريده هو العضوية الكاملة، ولا شيء غير ذلك. \r\n ويمكن القول في هذا السياق إن كلاً من المرشحين قد أبديا نوعاً من عدم الحساسية المؤسفة -إن لم يكن الجهل المطبق- بمدى التأثير الذي يمكن أن تحدثه سياستاهما على الرأي العام التركي، الذي يشعر بالإهانة بالفعل بسبب تردد الدول الأوروبية حيال انضمام بلاده. \r\n وعندما يتحول هذا التردد إلى رفض صريح لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فإن ذلك الرفض ستكون له تداعيات عكسية على السياستين الداخلية والخارجية التركية، وعلى جيرانها مثل العراق وسوريا وإيران، وعلى تلك الصراعات غير المحلولة في المنطقة، كالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، والصراع بين الجزأين التركي واليوناني في قبرص. \r\n والشيء الذي يدعو للاستغراب هو أن موضوعات السياسة الخارجية كانت غائبة تقريباً عن الانتخابات الفرنسية الحالية، التي فضل فيها المرشحان التركيز على مسائل مثل البطالة والرعاية الصحية والمعاشات والنظام والقانون. \r\n ومن سوء الحظ أن الانتخابات الفرنسية قد تزامنت مع أزمة في تركيا بين المؤسسة العلمانية مدعومة بالقوات المسلحة التركية القوية من جانب، وحكومة رجب طيب أردوجان وحزبه المعتدل حزب \"العدالة والتنمية\" من جانب آخر. \r\n فمع اقتراب فترة ولاية الرئيس المتطرف في علمانيته \"أحمد نجدت سيزر\" من نهايتها (16 مايو)، اقترح \"رجب طيب أردوجان\" ترشيح صديقه الحميم وزير الخارجية \"عبدالله جول\" لشغل منصب الرئاسة، وهو ما أثار ثائرة العلمانيين الذين يعترضون على فكرة سيطرة الإسلاميين على الرئاسة التي تعد تقليدياً من معاقل العلمانية بالإضافة إلى سيطرتهم الحالية بالطبع على الحكومة وعلى البرلمان. \r\n وعندما قامت المحكمة الدستورية التي تحججت بعدم اكتمال النصاب البرلماني بإلغاء الجولة الأولى من الانتخابات التي كان يمكن أن تضع \"جول\" في القصر الرئاسي، فإن \"أردوجان\" لجأ إلى الدعوة لانتخابات مبكرة في الثاني والعشرين من يوليو القادم، وهي انتخابات يتوقع أن يفوز حزب \"العدالة والتنمية\"، التي يقوده بأغلبية فيها ربما تفوق أغلبيته الحالية. \r\n فالمفارقة التركية التي أخفق \"ساركوزي\" في استيعابها كما هو واضح، هي أن المبادرات الدافعة للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي وتعزيز الديمقراطية والأسواق الحرة والحريات الشخصية والمجتمع المدني النشط، قد نبعت كلها من حزب \"العدالة والتنمية\"، ذي المرجعية الإسلامية، وليس من خصومه العلمانيين. ويذكر في هذا السياق أن حكومة \"أردوجان\" قد أجرت منذ أن جاءت إلى الحكم عام 2002 عملية تحول جذري سياسية واقتصادية كما تمكن الحزب منذ ذلك الحين من كبح جماح المؤسسة العسكرية التركية القوية، ووعد بمنح المزيد من الحقوق للسكان الأكراد وتحسين العلاقات مع اليونان، كما أبدى مرونة بشأن المسألة الأرمينية، وبشأن المشكلة القبرصية، كما اقترح أن تضطلع بلاده بجهود وساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأجرى مشاورات مع كافة الأطراف العراقية بغية تحقيق الاستقرار في ذلك البلد والمحافظة على وحدته. \r\n وفوق كل شيء، فإن تركيا بإظهارها أنه يمكن الجمع بين الديمقراطية والإسلامية تكون قد ضربت المثل والقدوة لكافة دول الشرق الأوسط في ذلك. \r\n إن إغلاق باب أوروبا في وجه تركيا كما اقترح نيكولا ساركوزي، يمكن أن يعيد تلك التطورات الواعدة للغاية للوراء، كما يمكن أن يوقظ النعرة التركية القومية المتعصبة المعادية للغرب، والتي تميل إلى حسم الخلافات بالقوة المسلحة بدلاً من الحوار الديمقراطي. \r\n مهما كانت وجهة نظر ساركوزي، فإن تركيا ستظل جسراً بين الغرب وبين بلاد الإسلام، وإبداء الرفض والجفاء تجاه مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في هذه اللحظة الحرجة، سيكون بمثابة خطأ استراتيجي شديد الجسامة، وهو ما يدعوني للقول في نهاية المطاف إن المحاولات التركية للانضمام للاتحاد الأوروبي يجب أن تحظى بالتشجيع لا بالرفض الذي يولّد الإحباط وخيبة الأمل. \r\n \r\n