\r\n \r\n \r\n وعلى إثر الاحتفالات والأنشطة الواسعة التي عمت البلاد كلها، فقد أضحى لزاماً على كافة البريطانيين أن يعوا ارتباط أجدادهم بهذه التجارة، وما خلفته من تركة مُحزنة ثقيلة. والأمل معقود أيضاً على أن تسهم هذه الاحتفالات القومية العامة، في أن تكشف للبريطانيين وغيرهم من شعوب العالم، كيف يمكن الانزلاق السهل إلى تلك العقلية التي جعلت من تلك التجارة ممكنة في الأساس. \r\n وعلى رغم أن تجارة الرق لم تلغَ في جميع الجزر البريطانية حتى عام 1838، فإن البرلمان البريطاني أجاز في مارس من عام 1807، تشريعاً أبطل بموجبه الاتجار في البشر عبر المحيط الأطلسي. واليوم، فقد أصبح من شأن الاحتفال القومي العام بمرور ذكرى قرنين على إبطال هذه التجارة، أن يكون بمثابة اعتراف رسمي بالفظائع الإنسانية المروعة الناجمة عنها، إلى جانب تثمينه لجهود من ناهضوها، فضلاً عن فتحه لصفحة جديدة من صفحات التاريخ البشري العام، تتسم بقبول الآخر وبالتعدد الثقافي. \r\n ومما يثير الاهتمام بهذه المناسبة، أن مدينة \"ليفربول\" على موعد في موسم الصيف الحالي، لافتتاح متحف عالمي جديد للرق، يتوقع له أن يكون مركزاً عالمياً لدراسات الرق. وعلى الصعيد نفسه، يتوقع أن تعيد مدينة \"هال\" افتتاحها لمتحف \"ويلبرفورس هاوس\"، وهو مسقط رأس ومكان إقامة \"ويليام ويلبرفورس\"، البرلماني المناهض لتجارة الرق في القرن التاسع عشر، وأبرز الشخصيات البريطانية التي تزعمت حملة الضغط من أجل وضع حد لتلك التجارة البغيضة. أما صالة الفنون ومتحف مدينة برمنجهام، فينشغلان بالإعداد لمعرض كبير، عن حياة \"أولودا إيكيانو\" وهو عبد أفريقي، اشترى حريته بنفسه، وأصبح من أشهر الشخصيات البريطانية الطموحة في ذلك الوقت. إلى ذلك، أنشأت \"مجموعة الكنائس الإنجليزية\" وهي منظمة مقرها في لندن، مشروعاً قومياً تحت اسم \"Set All Free\" أي \"حرروا الجميع\" الذي خصص لدراسة الرق، والعنصرية، وأنشطة تجارة البشر الجارية حالياً في أنحاء متفرقة من العالم. \r\n ومما لاشك فيه، أن الاحتفالات الجارية الآن على شرف هذه المناسبة التاريخية، ستجمع أفراداً وجماعات ذوي أجندة ورؤى متباينة أشد ما يكون التباين. فبالنسبة للبعض، تمثل هذه الأنشطة، إلقاء الضوء ولفت الاهتمام إلى الصدمة التاريخية التي خلفتها تجارة الرق. بينما تمثل الأنشطة نفسها لآخرين، مؤشراً على بروز نزعة إنسانية جديدة، هي التي جعلت من إبطال تلك التجارة، مسألة عدالة اجتماعية، قبل أي شيء آخر. أما بالنسبة لأولئك الذين يرون في الاحتفالات هذه مثاراً للتنازع والخلاف، فربما كانوا أكثر ميلاً للتقليل من شأنها عموماً. ومن هنا تنشأ ضرورة أن يضع منسقو ومخططو الاحتفالات هذه، معارضهم وأنشطتهم الخاصة بها، في السياق الصحيح والملائم لها. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن من الواجب ألا يعطي الاحتفال ببطولات ودور الشخصيات البيضاء التي ناهضت تجارة الرق وبذلت جهداً مقدراً في إبطالها، انطباعاً سلبياً وخادعاً عن خنوع العبيد، وكأنهم لم يثوروا أو يتمردوا على ذل عبوديتهم تلك، أووكأن حريتهم قد قدمت لهم على طبق من ذهب، بأيادٍ خيّرة ليبرالية بيضاء! ولذلك فإنه لفي غاية الأهمية، كسر تلك الصورة التقليدية العامة عن أبطال إلغاء تجارة الرق، وهي الصورة التي تقدم الرقيق على أنهم خانعون ومسلِّمون بقَدَرِ استرقاقهم. \r\n وفي وسع مخططي الاحتفالات والمناسبات، أن يدمجوا هذه الصورة، ويضعوها في سياقها التاريخي الصحيح، وذلك بإبراز التساوق والتكامل بين جهود الأبطال البيض المناهضين لتجارة الرق، وثورة الرقيق أنفسهم على أوضاعهم الاجتماعية المذلة، وكفاحهم من أجل الحرية والانعتاق من نير العبودية. وعلى رغم صحة القول بما ينطوي عليه الاسترقاق من شرط اجتماعي مهين وحاط للبشر، فإن تمرد الرقيق وكفاحهم من أجل استرداد كرامتهم الإنسانية، هو ما يشكل القيمة التي يرمز إليها إلغاء التجارة نفسها لاحقاً، وهذا هو ما يجب تأكيده وتسليط الضوء عليه في الاحتفالات والأنشطة. \r\n إلى ذلك فإن أحد أهم الدروس التي يجب استخلاصها من الاحتفال بذكرى مرور قرنين على إبطال تجارة الرق، هو أنه لا يحق لأي منا أن يفترض أننا أكثر تقدماً اليوم، مما كان عليه أجدادنا وأسلافنا الذين عاشوا خلال فترة التجارة المذكورة. وهناك ما يبرر بالطبع نمو شعور ما بالتفوق على أولئك الأسلاف، مرده إلى أننا جميعاً كنا سنكون حتماً من دعاة إبطال ومناهضة الرق، إلا أن الحقيقة المؤسفة التي لا سبيل لإنكارها، أن الكثير من أجدادنا وأسلافنا البريطانيين، تعايشوا بقلوب هانئة راضية، مع تجارة الرق تلك. \r\n وليس ذلك فحسب، بل لقد مست \"فوائد وعائدات\" تلك التجارة، حياة الكثير من البريطانيين، سواء باع أسلافهم مواسير النحاس في سواحل غينيا، أو استثمروا في السفن التي كانت تنقل تلك المواسير إلى شتى السواحل الإفريقية، أو حتى شاركوا في صنع وخياطة ملابس أولئك البحارة الذين مخرت سفنهم عباب البحار والمياه الأفريقية التي استجلب عبرها العبيد السود. وسواء كان هذا أو ذاك، فثمة مسؤولية أخلاقية تاريخية متوارثة، لا سبيل للتنصل منها الآن. وإن من أسوأ الحقائق، أن أسوأ ما انطوت عليه تجارة الرق من شر مستشرٍ وواسع النطاق، ليس بالضرورة أن يتكشف في حينه، أثناء ممارسة البشر لنشاطهم الاستثماري العادي اليومي. ولذلك فإن علينا أن نثير ونحن نحتفل بالمناسبة، ذلك النوع المقلق من الأسئلة: هل لنا يد في المشاركة في أنشطة خفية لها صلة بالظلم الاجتماعي أو التجاري؟ وما هي طبيعة الأنشطة، التي يمكن لأحفادنا أن يلقوا علينا القبض، ونحن متلبسون بسوءاتها وجرائمها؟ \r\n \r\n أستاذة مشاركة للغة الإنجليزية بكلية بوسطن \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n