\r\n \r\n \r\n لكن الأكيد أيضاً أن السيناتور الشاب رشح نفسه لخوض سباق مختلف تماماً دون أن يعني ذلك أنه أقل أهمية من السباق الحقيقي، حيث يسعى من داخل المخيال الشعبي للأميركيين إلى الفوز بلقب \"الزنجي الساحر\". \r\n \r\n ف\"الزنجي الساحر\" هو أحد الوجوه المشهورة في الثقافة الشعبية الأميركية في مرحلة ما بعد الحداثة التي تميزت بالتحرر من الأوهام السابقة المرتبطة بالفصل العنصري وخطورة التزاوج بين الأعراق. فقد راجت العبارة على ألسنة علماء الاجتماع الذين أرادوا توصيف مرحلة ما بعد الفصل العنصري وابتكار شخصية أميركية من أصول أفريقية تخرج من الهامش لتقتحم الأضواء. وحسب التعريف الذي تعطيه الموسوعة الإلكترونية \"ويكيبيديا\" ل\"الزنجي الساحر\" فإنه \"شخص بدون ماضٍ، وهو لا يظهر إلا على حين غرة لمساعدة الرجل الأبيض\". ويرى علماء الاجتماع الذين يتناولون بالبحث الدور الذي لعبه الأميركيون من أصول أفريقية في الحياة السياسية أن أحد الدوافع التي ساهمت في بروز شخصية \"الزنجي الساحر\" إنما يكمن في التخفيف من عقدة الذنب التي يحملها الرجل الأبيض إزاء سنوات العبودية الطويلة، وما أعقبها من تفرقة عنصرية عانى منها الزنوج في أميركا. \r\n \r\n والأكثر من ذلك أن الصور النمطية التي كانت سائدة في مرحلة من المراحل حول الرجل الأسود عموماً، فضلاً عن المحرمات التي أحاطت بعلاقته بالمرأة البيضاء، أخذت في التلاشي مع ظهور شخصية \"الزنجي الساحر\" وإخراجها من الدائرة المُحرمة. وكما يمكن توقع ذلك تتجسد هذه الشخصية بالأساس داخل السينما. وفي جميع الأفلام التي تجسدت فيها شخصية \"الزنجي الساحر\" كانت السمة الغالبة هي انتصاره على الرجل الأبيض، لكن ليس من خلال منازلة تقليدية كما عودتنا أفلام هوليود، بل من خلال الخدمة التي يسديها إلى الرجل الأبيض فتقهر صوره النمطية وتبعد الأفكار الجاهزة والسلبية عن الأميركيين السود. \r\n \r\n لكن ما الذي يجنيه الرجل الأبيض من تلك الأفلام السينمائية؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه مثلاً \"جون جير\" في فيلم \"ست درجات للفراق\" ويحكي فيه قصة الشاب الطموح الذي سيسعى إلى تسلق السلم الاجتماعي من خلال لجوئه إلى التدليس. فبعد أن انتحل شخصية ابن رجل نافذ في نيويورك عله يحصل على فرصته في التمثيل يكتشف في الأخير أن سبب النجاح لا يكمن في موهبته الذاتية بقدر ما يكمن في تلك الصورة، أو الرمز الذي يحيل إليه والمتمثل في \"الزنجي الساحر\". إنها بعبارة أخرى أسطورة الرجل الأسود الذي يرغب الأميركي الأبيض في رؤيته، إنها الصورة المستلهمة من الثقافة الشعبية القائمة بدورها على مجموعة التصورات التي تنتجها الصناعة السينمائية في هوليود. وعلى ضوء هذا التحليل يمكن تناول شخصية السيناتور \"باراك أوباما\" وتفسير الشعبية الكبيرة التي أصبح يتمتع والقائمة أساساً على نجاحه في تجسيد شخصية \"الزنجي الساحر\" الذي يرتاح له الرجل الأبيض، بل وعموم الشعب الأميركي. \r\n \r\n وهكذا فإن شعبية \"أوباما\" ليست مرتبطة بسجله السياسي، أو بالكتب التي ألفها، ولا حتى بما يعلنه من أجندة سياسية، بقدر ما هي مرتبطة بأسلوبه الشخصي، أو بتلك السمة التي قال السيناتور \"جون بايدن\" إنها تلازمه باعتباره خطيباً \"مفوها\". فنبرة صوته تنضح بالدفء وتشي بالارتياح، كما أنه امتنع عن استخدام كلمات بذيئة في وصف خصومه السياسيين. وهكذا وعلى غرار بطل خارق يظهر \"باراك أوباما\" على أنه الرجل الزنجي المستعد لتقديم يد العون خارج أي سياق سياسي، ذلك أنه كأي \"زنجي ساحر\" ليس المهم أن يبدو \"أوباما\" حقيقياً، بل الأهم أن يظل مرغوباً يعكس تلك الصورة التي يود الأميركيون من البيض تحققها. \r\n \r\n ديفيد إيهرنشتاين \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n