والحقيقة أن الاستثمار الحكومي في البحث العلمي، وقوانين احترام الملكية الفكرية الصارمة، وأسواق رؤوس الأموال الفعالة ... من بين الأسباب التي أدت إلى تفوق أميركا في تحويل الأفكار الجديدة إلى مشاريع تجارية ناجحة لعقود من الزمن. والواقع أن أكثر هذه العوامل أهمية هو قوتها العاملة؛ فالعلماء والمهندسون الذين يتخرجون في الجامعات الأميركية - التي تعد الأفضل في العالم- هم من ابتكروا تكنولوجيات رائدة مثل \"المعالجات الدقيقة\" فأسسوا الشركات وخلقوا ملايين فرص العمل المجزية ويجب ألا تحملنا هذه الحقائق على النظر إلى وضعنا كمركز للأفكار الجديدة في العالم باعتباره من المسلَّمات؛ ذلك أن دولاً أخرى انتبهت أيضاً إلى الدور بالغ الأهمية الذي يلعبه الابتكار في تعزيز القوة التنافسية . \r\n ونحن لا نقصد بذلك القول : إن الأهمية الاقتصادية المتزايدة لدول مثل الصين والهند.. أمر سيئ وسلبي، بل على العكس من ذلك، فالعالم يستفيد عندما يكتسب المزيدٌ من الأشخاص المهارات اللازمة لتشجيع الابتكار والنهوض به غير أننا إذا كنا نريد الحفاظ على قوتنا التنافسية، فإننا بحاجة إلى قوة عاملة تضم أذكى العقول في العالم وألمعها . \r\n وثمة خطوتان رئيسيتان لبلوغ هذا الهدف، تتمثل أولاهما في ضرورة وجود مدارس جيدة وقوية داخل الولاياتالمتحدة حتى ينضم الشباب الأميركي المتخرج إلى القوة العاملة، متسلحاً بمهارات الرياضيات والعلوم التي يحتاجها من أجل النجاح في اقتصاد المعرفة أما الخطوة الثانية، فتكمن في ضرورة رفع القيود والتعقيدات على عمل العلماء والمهندسين المولودين خارج الولاياتالمتحدة في الشركات الأميركية. والواقع أن التربية تشكل دائماً بوابة حياة أفضل في هذا البلد، كما أن مدارسنا الابتدائية والثانوية لطالما كانت الأفضل في العالم غير أن طلاب المدارس الثانوية الأميركية احتلوا المرتبة الرابعة والعشرين في اختبار دولي للرياضيات في عام 2003 شمل 29 دولة مصنِّعة وعليه، فلكي نحافظ على قوتنا التنافسية في الاقتصاد العالمي، يتعين علينا أن نلتزم بأجندة وطنية طموحة للتعليم وهنا يمكن القول إنه يتعين على الحكومة والشركات الأميركية لعب أدوارا مهمة؛ إذ يتعين على الشركات أن تدافع عن سياسات تعليمية قوية، وتعمل مع المدارس على تشجيع الاهتمام بالرياضيات والعلوم، وتوفر تعليماً ينسجم مع احتياجات الشركات أما الحكومة، فعليها أن تعمل مع المتخصصين في التربية والتعليم لإصلاح المدارس وتحسين جودة التعليم. \r\n وإضافة إلى ذلك، يقتضي الحفاظ على القوة التنافسية للولايات المتحدة إصلاح قوانين الهجرة على نحو يمكّنها من الاستفادة من الموظفين أصحاب المهارات العالية المولودين خارج الولاياتالمتحدة على اعتبار أن الطلب على المهارات التقنية المتخصصة يتجاوز عرض العمال المولودين في الولاياتالمتحدة ممن يتحصلون على شهادات علمية عالية، علماً بأن العلماء والمهندسين من بلدان أخرى هم من يسدون الفراغ الحاصل . \r\n بل إن الموضوع بلغ حد الأزمة؛ فإذا كان توظيف علوم الكمبيوتر يعرف نمواً يقدر بنحو 100000 وظيفة سنوياً، فإن الدراسات تُظهر وجود تراجع كبير في أعداد الطلبة الذين يتخرجون وفي حوزتهم شهادات تخصص في علوم الكمبيوتر ومما يُذكر هنا أن الولاياتالمتحدة تخصص 65000 تأشيرة مؤقتة من فئة \"H-1B\" كل عام لتعويض هذا النقص، وهو ما لا يكفي لسد المناصب التقنية الشاغرة والواقع أن قوانين الإقامة الدائمة تفاقم هذه المشكلة وتزيد من تعقيدها؛ حيث ينتظر الموظفون المؤقتون خمس سنوات أو يزيد للحصول على \"البطاقة الخضراء\" وهي فترة لا يستطيع الموظفون خلالها تغيير وظائفهم، ما يحدُّ من فرص مساهمتهم في نجاح الجهة التي تُشغّلهم، وفي النمو الاقتصادي الأميركي بصفة عامة لقد تعثر حل هذه المسألة العام الماضي عندما كان الكونغرس يسعى إلى حل مشكلة أمن الحدود والهجرة غير القانونية وهنا أود مناشدة المشرِّعين أن يدعموا، حين ينكبون على مناقشة هذه المواضيع المهمة من جديد، إصلاح برنامج تأشيرات \"H-1B\" بحيث يصبح باستطاعة الشركات الأميركية توظيف العلماء والمهندسين الذين ولدوا في الخارج، بعدما تعذر عليها إيجاد الكفاءات التي تحتاجها في الداخل. \r\n والحقيقة أن إصلاح برنامج \"البطاقة الخضراء\" على نحو يصبح من السهل معه الاحتفاظ بالمهنيين من ذوي المهارات العالية في البلاد، لا يقل أهمية عن برنامج إصلاح التأشيرات؛ ذلك أن هؤلاء الموظفين مهمون وضروريون بالنسبة لقوة الولاياتالمتحدة التنافسية، وبالتالي علينا أن نرحب بمساهمتهم في نمو الاقتصاد الأميركي كما علينا أن نشجع الطلبة الأجانب على البقاء في الولاياتالمتحدة بعد تخرجهم وتجدر الإشارة هنا إلى أن نصف المرشحين لنيل شهادة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر بالولاياتالمتحدة يأتون من الخارج وغني عن البيان أنه ليس من مصلحتنا القومية تعليمهم داخل الولاياتالمتحدة، وإرسالهم بعد ذلك إلى أوطانهم بعد اتمام دراساتهم. \r\n وخلال السنوات الثلاثين الماضية، كان الابتكار الأميركي وراء ظهور عصر المعلومات الرقمية أما اليوم، فإذا كانت الولاياتالمتحدة تحرص على الاحتفاظ بزعامتها الاقتصادية في العالم، فعلينا أن نخلق جميعاً بيئة مواتية تُمكن الجيل الجديد من تحقيق الابتكارات، وذلك بغضِّ النظر عن مكان ولادته فالمشكلة في الولاياتالمتحدة لا تكمن في الموهبة، وإنما تكمن في الإرادة السياسية. \r\n \r\n بيل غيتس \r\n رئيس شركة مايكروسوفت الأميركية لإنتاج برمجيات الحاسب. \r\n خدمة واشنطن بوست خاص ب(الوطن) \r\n