\r\n بعد النجاح الباهر الذي حققه فيلبس في التعليم الثانوي، التحق بكلية أماريست في ماساتشوستس، ولم تكن لديه آنذاك فكرة محددة حول الفرع الذي ينبغي عليه أن يلتحق به من فروع الدراسة أو المهنة التي سيمتهنها. كان متحمساً للفلسفة، إلا أنه درس علوم الاقتصاد استجابة لإصرار والده. \r\n وكما يحدث في كل الأحوال تقريباً، كان اختيار فيلبس لمهنته بعد لقائه بأستاذ بارز في علوم الاقتصاد من جامعة هارفارد، وهو جيمس نيلسون. وبعد بعض التردد قرر فيلبس أن يستكمل دراسته العليا. ويعترف بول صامويلسون بأنه لم يوافق على عقد مؤتمر في أماريست إلا لسبب وحيد، وهو ضم فيلبس إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. إلا أن فيلبس اختار جامعة ييل، حيث كان على اتصال مباشر بعلماء بارزين في الاقتصاد مثل جيمس توبين وتوماس شيلينج. ولقد كتب أطروحته لنيل رسالة الدكتوراه تحت إشراف توبين. \r\n وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه أمضى فيلبس عاماً في مؤسسة راند في لوس أنجلوس قبل أن يعود إلى ييل. ثم أمضى عاماً آخر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث اشتغل بالتدريس إلى جانب روبرت سولو، والتقى بصامويلسون وموديجلياني. كما عمل بعد ذلك في مهام محددة في جامعة بنسلفانيا ثم في جامعة كولومبيا. \r\n عند هذه النقطة كان فيلبس قد اكتسب بالفعل سمعة دولية من خلال عمله فيما يتصل بالقاعدة الذهبية لتراكم رأس المال، وكان عمره آنذاك لم يتجاوز بعد ثمانية وعشرين عاماً. والآن يُعَد هذا المفهوم من بين الأدوات الأساسية التي يستخدمها أي خبير اقتصادي، كما يدرس في إطار كل المواضيع المتصلة بالنمو، ويخدم كمرجع في كل الأعمال التي تدور حول الاقتصاد الشامل. \r\n فيما بعد قدم فيلبس نظرية طويلة الأمد في النمو تستند إلى التعليم والتطور التكنيكي. إلا أن هذا الإسهام كان سابقاً لعصره إلى حد كبير، حتى أن مهنة الاقتصاد لم تكتشف أهميته إلا بعد مرور ربع قرن من الزمان، حين كان المنظرون يعملون على تطوير نظرياتهم الخاصة بالنمو الداخلي المنشأ. \r\n كان فيلبس سابقاً لمهنته أيضاً بحوالي عشرة إلى عشرين عاماً حين قدم نظرياته فيما يتصل بكفاءة الأجور واستهداف التضخم، والتي تعتبر الآن آخر ما توصلت إليه علوم الاقتصاد فيما يتصل بسوق العمالة وإدارة النقد. \r\n في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كانت مواجهات فيلبس مع أمارتيا سِن، وجون راولز، وكينيث آرو في ستانفورد سبباً في إعادة خطه الفلسفي إلى الحياة. لقد دخل في حوارات فكرية بالغة القيمة مع راولز. ولقد حفزته هذه الحوارات إلى كتابة العديد من المقالات حول نظرية العدالة الاقتصادية ونشر كتاباً عن هذا الموضوع في عام 1974 - وهو الكتاب الذي ما زال يستخدم حتى الآن. \r\n كان فيلبس وراء التنقيح الحديث للأعمال الخاصة بالاقتصاد الشامل - والاقتصاد متناهي الصغر أيضاً كما أكد صامويلسون. وكان برنامجه البحثي يتألف من إدخال عنصر نقص المعلومات والمعرفة إلى النظرية الاقتصادية، وهو ما أعاد صياغته بعد ذلك مانحاً قدراً عظيماً من الاهتمام للتوقعات الخاصة بالعوامل المختلفة. وفي مؤلفه »أسس الاقتصاد الشامل في نظرية تشغيل العمالة والتضخم«، وهو العمل الشهير الذي نشره وقدم من خلاله ثلاثة إسهامات كبرى، مهد فيلبس الطريق إلى ما سيشكل بعد ذلك أعظم ثورة تشهدها النظرية الاقتصادية خلال الخمسين عاماً الماضية. \r\n نحن مدينون لهذا الرجل بنظرية معدل البطالة الطبيعي - حجر الأساس بالنسبة لنظرية الاقتصاد الشامل الحديثة، والسياسة الاقتصادية التي أعاد ميلتون فريدمان اكتشافها بعد ذلك بعام واحد. كان فيلبس أيضاً هو من قص علينا »رواية الجزيرة الرمزية«، والتي ساعدت في تفسير الأسباب التي تجعل للسياسة النقدية تأثيرات حقيقية مؤقتة نتيجة للمعلومات المنقوصة. \r\n تتألف أغلب أعمال فيلبس الحالية من محاولة جديدة لإعادة تنقيح النظرية البنيوية، في إطار الجهد الرامي إلى إبراز الكيفية التي يؤدي بها التغيير في أسعار الفائدة وأسعار الأصول إلى التأثير على معدل البطالة المتوازن على الأمد المتوسط. وتقدم نظرية فيلبس الجديدة خلفية منطقية نستطيع بالاستعانة بها تقييم العواقب المترتبة على تقلب أسعار الأسهم، وأسعار الصرف، وعلى نحو أكثر عموماً، قيمة الأصول المادية ورأس المال البشري، في ظل التأثير الواضح للتقنيات الحديثة والإبداعات الجديدة. \r\n وهذه بطبيعة الحال هي الظواهر الرئيسية التي تناضل النظرية الاقتصادية من أجل تفسيرها اليوم. وعلى هذا فمن السهل أن نفهم السبب الذي يجعل فيلبس يتقدم المسيرة الاقتصادية حتى اليوم. بل ونستطيع أن نتوقع أن يتحول إطاره النظري الجديد إلى نقطة مرجعية خلال عقد أو عقدين من الزمان. \r\n في خطاب توصيه كتبه لودفيج ويتجينستاين لتعيين عالم رياضيات هندي في كلية هارفارد قال: »عادة ما يأتي عباقرة العلم بفكرة عظيمة واحدة طيلة حياتهم؛ أما هو فقد أتى باثنتين«. إذا كان هذا هو ما قيل عن ذلك العالم الهندي فماذا نستطيع أن نقول عن فيلبس؟ \r\n