\r\n \r\n فلا العراق ولا أفغانستان تمضيان باتجاه الدولة المستقرة المزدهرة ذات الولاء للديمقراطية الغربية, على ذلك النحو الواهم الذي تصورته واشنطن لحظة غزوها للدولتين. بل وعلى نقيض ذلك تماماً, فقد انزلق العراق بعيداً إلى دوامة فوضى العنف, التي لم تترك وراءها نفوذاً يذكر للحكومة العراقية القائمة, خارج حدود المنطقة الخضراء, شديدة التحصين والحراسة الأمنية, في قلب العاصمة بغداد. أما في أفغانستان, فقد شددت قوات \"طالبان\" العائدة, حملة مواجهتها وتحديها السافر لقوات حلف \"الناتو\" في جنوبي البلاد, بينما تواصل استعداداتها فيما يبدو, لشن هجوم كبير شرس على العاصمة كابول نفسها, بحلول ربيع العام المقبل. وبكلمة واحدة, فقد أصبح كل من نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي, ونظيره الرئيس الأفغاني حامد قرضاي, في مواجهة مصير عاصف ومضطرب, باعتبارهما حليفين للولايات المتحدةالأمريكية في كلا البلدين المذكورين. فلم يعد في مقدور أي منهما البقاء دون دعم عسكري أمريكي, بدا واضحاً أنه يتراجع الآن. \r\n \r\n ففي العراق, تأمل إدارة بوش في خفض عدد قواتها خلال العام المقبل, وذلك عن طريق رفع مساعداتها التدريبية العسكرية, وتوفيرها للمزيد من الأسلحة والعتاد الحربي لقوات الجيش الوطني العراقي الجديد. غير أن المعضلة الحقيقية التي تواجه هذا المسعى, هو أنه لن يكون في مقدور الجيش العراقي, مهما توفر له من دعم وسند أمريكي, كسر شوكة التمرد, ولا كبح جماح العنف الطائفي وإخضاع مليشياته الكاسرة. \r\n \r\n أما في جنوبي أفغانستان, فتواجه قوات حلف \"الناتو\", المؤلفة بشكل رئيسي حتى الآن, من الجنود البريطانيين والكنديين والهولنديين, مصاعب جمة في إقناع بقية الدول الأعضاء في الحلف, بالانضمام إلى عملياتها هناك, على الرغم من الضغوط المتصاعدة التي تمارسها عليها قوات التمرد \"الطالباني\". وكما هو معلوم, فإن لكل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا قوات طوارئ منتشرة في المناطق التي تتسم بدرجة من الهدوء النسبي, في شمالي وغربي أفغانستان, إضافة إلى المناطق المحيطة بالعاصمة كابول. غير أن هذه الدول عبرت بوضوح, خلال قمة حلف \"الناتو\" التي عقدت الأسبوع الماضي في العاصمة اللاتفية ريجا, عن ترددها إزاء نشر قواتها في المناطق الجنوبية الأشد خطراً في أفغانستان. ومن الناحية السياسية, فإنه يتعذر إن لم يكن مستحيلاً, أن يلتزم قادة الدول الغربية بنشر قواتهم والمخاطرة بها في حرب, بات يعتقد الكثير من المراقبين والمعلقين, استحالة تحقيق نصر عسكري فيها. \r\n \r\n أما العقبة الرئيسية التي تواجهها كل من الولاياتالمتحدة وقوات حلف \"الناتو\", فتتمثل في استفادة قوات \"طالبان\" في جنوبي وشرقي أفغانستان, من \"العمق الاستراتيجي\" الذي توفره لها منطقة القبائل الباكستانية الحدودية, وهي المنطقة التي تحكم فيها القبائل الموالية ل\"طالبان\", قبضتها وسيطرتها, نظراً لصعوبة اجتياحها أو كسر شوكتها عسكرياً. وإذا ما تحدثنا عن وزيرستان الجنوبية والشمالية على وجه الخصوص, فهي منطقة جبلية وعرة, توفر ل\"طالبان\" ملاذاً آمناً, إلى جانب ما توفره لها من احتياطي المجندين والمقاتلين الجدد الذين لا حصر لهم ولا عدد. \r\n \r\n وبعد, فما هي العواقب المرجحة لهزيمة أمريكا في كل من العراق وأفغانستان? بالنظر إلى العراق, فإن نشوب الحرب الطائفية الشاملة بين المسلمين السُّنة والشيعة, تشيع مخاوف انتشارها إلى خارج حدود العراق, وصولاً إلى دول الجوار الخليجي, المهددة أمنياً. وربما يثير هذا بدوره التوترات ما بين كل من المملكة العربية السعودية وإيران, بما يدفع كلتيهما للتدخل, كل إلى جانب الطرف الآخر من النزاع الطائفي. كما يمكن أن يؤدي هذا الفشل الأمريكي الكارثي, إلى توفر محور انطلاق جديد لتنظيم \"القاعدة\", يمكنه من تصعيد نشاطه الإرهابي المدمر, ليس ضد المصالح الأمريكية وحدها في المنطقة, وإنما كذلك ضد الأنظمة الحاكمة في كل من الرياض وعمّان والقاهرة. \r\n \r\n أما العواقب التي يمكن أن يسفر عنها انتصار \"طالبان\", فليس أقلها إشعال فتيل نزاع إقليمي هادف إلى فرض السيطرة على أفغانستان بين كل من باكستان والهند من جهة, وروسيا وإيران من جهة أخرى. وبما أن هذين الطرفين الإقليميين, يستخدمان وكلاء لهما داخل أفغانستان, فإنه ليس مستبعداً اشتعال حرب أهلية بين قبائل البشتون في جنوبي أفغانستان, والطاجيك والأوزبك في شمالها. \r\n \r\n وبهذا نصل إلى العاقبة الرابعة الأشد خطراً على الإطلاق, بالنسبة ل\"الناتو\" وللولايات المتحدة الأميركية, من ناحية فقدان كليهما لمصداقيته وهيبته الدولية. وعلى الولاياتالمتحدة بصفة خاصة, البحث عن حل سياسي, وليس عسكرياً, لمأزقها في العراق وأفغانستان. ويتضمن هذا الحل, استعداد الولاياتالمتحدة للتفاوض مع كل من سوريا وإيران, اللتين تعمل حتى الآن على عزلهما وإبعادهما عن أي دور لهما في العراق. ولكن ما السبيل إجمالاً لتفادي هذه العواقب الوخيمة الأربع المذكورة آنفاً? أجيب من وجهة نظري الشخصية, بأن على دول الجوار الإقليمي, المحيطة بكل من العراق وأفغانستان, السعي لخدمة مصالحها, بدلاً من اعتمادها على القوة الغربية, لاسيما العسكرية منها. وبالنظر إلى الوجود العسكري الغربي في كلا البلدين, فإن من المرجح أن يكون استمرار هذا الوجود, مصدراً لتفاقم وسوء الأوضاع فيهما, بدلاً من أن يساعد على تحسنها. فهو يصب الزيت في نار النزاع, بدلاً من إطفائه للهيب, وحفزه للاستقرار الأمني فيهما كما يفترض. \r\n \r\n وقد بات واضحاً أن حل المأزق العراقي, بحاجة إلى تسوية إقليمية, تشارك فيها كافة دول الجوار: تركيا, إيران, الكويت, السعودية, وسوريا والأردن, بحيث تبذل كل واحدة منها, قصارى جهدها في تحقيق مصلحتها جميعاً في عراق مستقر سلمي موحد. ويتطلب الحل, إطلاق مبادرة دبلوماسية, ربما تتخذ شكل انعقاد مؤتمر إقليمي -بعيداً عن أي تدخل أجنبي- يتم فيه التوصل إلى صيغة لاقتسام السلطة في العراق, على أن تسعى الدول المشاركة في المؤتمر, لإقناع أطراف النزاع العراقي بقبولها. وليس ذلك فحسب, بل يتعين على الدول الخليجية وإيران, إبرام اتفاق أمني خليجي فيما بينها, بغية حماية أمنها مما قد يحدق بها من خطر قادم عليها من العراق. وبينما تضافرت جهود كل من المملكة العربية السعودية وباكستان, في تعبئة المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان, في عقد الثمانينيات, فإن عليهما اليوم استخدام العزم والموارد ذاتها, في كبح جماح \"طالبان\". وبكلمة واحدة أخيرة: فإن على القوى الإقليمية, لعب دور أكبر في الحفاظ على أمنها الإقليمي, بحيث تسمح للقوات الأمريكية بالعودة إلى ثكناتها وبلادها. \r\n \r\n عن \"الاتحاد\" الإماراتية \r\n