\r\n ومن جهة أخرى، فإن خوفَهم من التعرض لهجوم، حتى في مواجهة أشد الرؤساء الأميركيين مثل ريجان، كان يقابله إيمانُهم بالمنطق السليم للولايات المتحدة؛ حيث لسان حالهم يقول: لماذا ستجر أغنى دولة في العالم الدمار على نفسها من دون سبب منطقي وقوي؟ \r\n \r\n أما اليوم، فلم أعد صاحب هذا القدر من التفاؤل لأن موقف واشنطن غير المبرر من التفوق النووي العالمي -وهو أهم ما يميز \"الاستراتيجية الأمنية القومية\" للإدارة الأميركية الحالية منذ البداية- اتخذ منعطفاً خطيراً. ثم إن الروس -الذين مازالوا قادرين على إلحاق الدمار بالولاياتالمتحدة عبر توجيه ضربة نووية- قلقين للغاية. \r\n \r\n أما مرد القلق، فيعزى إلى مخطط تقوم إدارة بوش ببحثه ودراسته حالياً، ويدعو إلى تسخير بعض أنظمة التوصيل الاستراتيجية، التي كانت وُضعت من قبل من أجل حرب نووية فقط، واستعمالها مع رؤوس حربية تقليدية. ولهذا الغرض، تم رصد 50 مليون دولار لإنجاز ثلاث دراسات حول إمكانية تزويد الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات بأسلحة تقليدية. \r\n \r\n قد يتساءل متسائل: من يأبه لعدم وجود تكنولوجيا يمكنها أن تحدد نوع الرؤوس الحربية التي يتم إطلاقها؟ سيتعين على روسيا أن تثق بواشنطن وتصدق أنها ليست هدفاً لهجوم نووي. أما الفكرة، فتعود إلى مقال نُشر في وقت سابق من هذا العام في دورية \"فورين أفيرز\" الأميركية المتخصصة تحت عنوان \"ازدياد التفوق النووي للولايات المتحدة\"، وضم العبارات التالية: \r\n \r\n \"يبدو أن القوة النووية الحالية والمستقبلية للولايات المتحدة تهدف إلى القيام بضربة استباقية ضد روسيا أو الصين\" و\"من المرجح أن يصبح من الممكن قريباً بالنسبة للولايات المتحدة أن تدمر الأسلحة النووية طويلة المدى التي تمتلكها روسيا أو الصين عبر ضربة أولى\". \"وفي حال قامت غواصات أميركية بإطلاق صواريخ من مناطق في المحيط الهادئ، فمن المحتمل ألا يعلم الزعماء الروس بأمر الهجوم قبل انفجار الرؤوس الحربية\". \r\n \r\n والواقع أنه إذا قرأ الزعماء الروس هذه العبارات ورأوا فيها تعبيراً عن سياسة الإدارة الأميركية، فربما كانوا سيتوصلون إلى بعض الخلاصات غير الطيبة. \r\n \r\n لقد أثارت رغبة واشنطن في شرعنة استعمال أنظمة التوصيل الاستراتيجية المخصصة لتنفيذ الضربة الأولى، دون توقع تحرك انتقامي من قبل روسيا، العقيد \"فيكتور ليتوفكين\" ودفعته ليكتب لوكالة الأنباء الروسية \"نوفوستي\" (عاكساً رأي موسكو الرسمي) ما نصه: \"إن أي قوة نووية ستميل إلى حد كبير نحو شن ضربة انتقامية بعد رصدها لصواريخ باليستية استراتيجية قادمة. ويبدو أن ضربة نووية انتقامية هي الطريقة الوحيدة لوقف هجوم شامل بصواريخ باليستية تحمل رؤوساً حربية نووية وتقليدية\". \r\n \r\n وكان وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد، ألمح خلال لقائه في أغسطس المنصرم مع نظيره الروسي \"سيرجي إيفانوف\" إلى أن روسيا تستطيع أن تقوم بالشيء نفسه. فرد \"إيفانوف\" قائلاً: \"إن لروسيا بعض المخاوف من مخططات أولية من هذا القبيل\"، مضيفاً \"ولست مستعداً للقول إن روسيا متفقة على الانضمام إلى هذه المبادرة\". \r\n \r\n الواقع أن هذا الكلام لا يشير بأي حال من الأحوال إلى تردد روسيا وعدم حسمها في الموضوع. وإنما يعكس موقفاً تقليدياً يعود إلى العهد السوفييتي ويقوم على أن أي رفض واضح للشروط الأميركية من قبل روسيا قد يساء فهمه وينظر إليه على أنه مؤشر على الخوف والضعف. والحال أن رامسفيلد وقتها فسّر هذه الكلمات انسجاماً مع ما تأمله واشنطن، حيث قال في مؤتمر صحافي إن وزير الدفاع الروسي سيتصل به على الأرجح من موسكو ويصف له المقترح الأميركي بالفكرة الحسنة. \r\n \r\n والواقع أنه إذا مضت واشنطن قدماً بشكل أحادي في تنفيذ هذا المخطط المجنون، وتم لاحقاً إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات -سواء كان موجهاً ضد إيران أو أي بلد آخر- فإن ضربة نووية انتقامية روسية ضد الولاياتالمتحدة قد تلي ذلك، إيذاناً ببدء ما لا تحمد عقباه. \r\n \r\n إن الولاياتالمتحدة تواجه خطراً واضحاً وحقيقياً، لا يعادله في خطورته حتى أسوأ كوابيس \"الحرب على الإرهاب\". ولذلك يمكن القول إن الوقت قد حان للبدء في الانتباه. \r\n \r\n \r\n ألكسندر أرتم ساخاروف \r\n \r\n زميل سابق لمعهد \"دراسات الولاياتالمتحدة وكندا\"- موسكو \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n