\r\n \r\n \r\n \r\n ما السبب في ذلك؟ السبب أن روسيا تعتبر نموذجاً كلاسيكياً على ما أسميه \"القانون الأول للعبة السياسية النفطية\" الذي يعني أن سعر النفط ووتيرة الحرية يرتبطان مع بعضهما بعضاً بعلاقة عكسية في الدول النفطية ذات المؤسسات الضعيفة والاعتماد الكبير على النفط في ناتجها القومي الإجمالي. وهناك قاعدة وهي أنه عندما يرتفع سعر النفط، فإن وتيرة الحرية تنخفض (والعكس صحيح بالطبع). الدليل على ذلك هو أننا نجد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المنتشي بارتفاع أسعار النفط وأرباح الغاز، يقوم في الوقت الراهن بسحق معارضيه الداخليين، وإعادة تأميم مشروعات الطاقة الكبرى، وطرد جماعات حقوق الإنسان، والعمل على تحويل نفسه إلى الرجل القوي في الساحة الأوروبية. \r\n \r\n \r\n وعندما يقول الأوروبيون إنهم يخشون من \"حرب باردة\" جديدة، فإنهم يتكلمون في هذه الحالة فعلاً عن الحرارة والخوف من أن تتمكن روسيا إذا ما قامت بإغلاق صمامات الغاز من جعل أوروبا \"باردة\" جداً، خصوصاً أن دول أوروبا تستورد 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا في الوقت الراهن. \r\n \r\n وقد ساعد ارتفاع أسعار النفط على تحول روسيا من \"رجل أوروبا المريض\" إلى \"رجل أوروبا الزعيم\". فاليوم نجد أن روسيا \"تمتلك نفوذاً على أوروبا الغربية من خلال خطوط أنابيبها، يفوق ذلك النفوذ الذي كانت تتمتع به عن طريق صواريخها النووية بعيدة المدى من طراز إس. إس- 20\"، كما لاحظ \"جوزيف جوف\"، خبير السياسة الخارجية الألماني ومؤلف كتاب:\"القوة الكبرى: الإغراء الإمبراطوري لأميركا\". وهو يقول في هذا الكتاب: \"إن القوة تأتي في صور وأشكال مختلفة. وأكثر هذه الصور انتشاراً في عالم اليوم هي صورة النفط والغاز\". \r\n \r\n وداعاً \"للناتو\".. وأهلا ب\"سيتجو\" (شركة نفط كبرى مقرها هيوستن ومملوكة من قبل شركة النفط الوطنية الفنزويلية)\". \r\n \r\n منذ أيام نقلت \"بي.بي.سي\" عن مسؤول مطلع في الاتحاد الأوروبي قوله في وصف الزعماء الأوروبيين \"هل تعرفون ما يحدث عندما يتواجد هؤلاء الزعماء في غرفة واحدة مع فلاديمير بوتين؟ إنهم ينبطحون أرضاً\". وكانت \"بي بي سي\"، تغطي اجتماع قمة متوتراً تم الجمعة الماضي في مدينة \"لاهتي\" الفنلندية، وجاء في تقرير \"بي.بي.سي\" أن الزعماء الأوروبيين المشاركين في هذا الاجتماع ناشدوا بوتين الوفاء بالعقود التي أبرمتها بلاده مع الشركات الأوروبية وتخفيف وطأة الإجراءات الصارمة التي يقوم بها ضد حرية الصحافة وضد جماعات الحقوق المدنية في روسيا وجورجيا، والتحقيق في مقتل الصحفية الروسية المعارضة \"آنا بوليتوكوفسكايا\". \r\n \r\n والذي يريده الاتحاد الأوروبي من ذلك حسب التفسير الذي قدمه مسؤول ألماني، هو أن يصبح أكثر قدرة على الاستثمار في المزيد من مشروعات التنقيب عن النفط والغاز الروسية وخطوط الأنابيب قرب منابع الإنتاج بحيث تتداخل مصالح الطاقة الأوروبية مع روسيا إلى درجة تحول دون قيام موسكو بالتفكير في إغلاق صمامات الغاز. أما بوتين، فهو يريد من شركة \"غازبروم\" عملاق صناعة الغاز الروسية أن تكون قادرة على الاستثمار في المزيد من العمليات الاستهلاكية في أوروبا قرب منافذ التوزيع. وبهذه الطريقة، فإن روسيا تغدو قادرة على التحكم في الصناعة من حقول النفط وحتى عدادات الغاز في برلين وبروكسل. في الوقت الراهن، يقف الطرفان عاجزين عن التوصل لاتفاق إلى درجة دفعت \"خوسيه مانويل باروسو\" رئيس الاتحاد الأوروبي، للقول في تصريح أدلى به لصحيفة \"الفاينانشيال تايمز\": \"لا نستطيع أن نسمح للطاقة بتقسيم أوروبا على النحو الذي فعلته الشيوعية\"، ولكن هذا هو الذي يحدث بالفعل الآن. \r\n \r\n إنصافاً ل\"بوتين\"، يجب أن نقر أنه مُحق في تغيير اتجاهه؛ فبعد أن سقط الاتحاد السوفييتي، وتم إضعاف روسيا، فإن الاتحاد الأوروبي تم توسيعه شرقاً رغم أنف موسكو. وبوتين الآن يقوم باستخدام قواعد اللعبة النفطية للرد على ذلك. خصوصاً وأن روسيا، كما يقول \"كليمنس فيرجين\"، كاتب الافتتاحيات في صحيفة \"در شبيجل\" الألمانية اليومية \"تختلف عن فنزويلا وعن المملكة العربية السعودية\"، فهي تمتلك النفط والغاز وتمتلك في نفس الوقت الأسلحة النووية، وبالتالي فإنها تتمتع بالقدرة على لعب دور جيوبوليتيكي أكبر نفوذاً في أوروبا. \r\n \r\n والمسؤولون الألمان لا يعتقدون أن روسيا ستقوم بالفعل بإغلاق صنابير الغاز إذا لم تتمكن من تحقيق ما تريده في هذا الشأن. فعلى الرغم من كل شيء، فإنها لم تفعل ذلك في سنوات الحرب الباردة وبالتالي فإنه ليس متوقعاً أن تفعله اليوم وقد أصبحت أكثر اعتماداً على الأسواق الغربية. \r\n \r\n مع ذلك فإن قروناً من العلاقات القلقة بين أوروبا وروسيا كانت كفيلة بجعل الخبراء الألمان متوترين بشأن الطريقة التي أصبحوا بها أكثر اعتماداً على الكرملين فيما يتعلق بتدفئة منازلهم ومكاتبهم. \r\n \r\n وسواء كانوا يشعرون بالتوتر أو خلافة.. فإن هناك شيئاً يعرفه هؤلاء المسؤولون حق المعرفة وهو أن روسيا قد عادت.. وأن رجل الغاز قد جاء. \r\n \r\n \r\n توماس فريدمان \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n