\r\n وبعض الدول ترى أن السكرتير العام للأمم المتحدة يجب أن يكون رجلاً شجاعاً ومبادراً، وهناك دول أخرى ترى أنه يجب أن يكون مجرد موظف إداري يؤدي عمله بهدوء، وبعيداً عن الضوء ويقتصر دوره على التأكد من أن المنظمة تسير بسلاسة. \r\n \r\n ولذلك، فإنه عندما تم فتح باب التنافس أمام الأشخاص الراغبين في خلافة عنان، فإن الكثيرين توقعوا أن تشهد هذه العملية الكثير من المنازعات والعراك، بل وخشي البعض أن يتسبب الهجوم الكلامي الذي يشنه كل من الرئيس الفنزويلي \"هوجو شافيز\" والإيراني محمود أحمدي نجاد أمام الجمعية العامة إلى تسميم جو المداولات الخاصة بانتخاب خليفة للسكرتير العام الحالي. في الوقت ذاته طلب كُتاب الافتتاحيات في معظم صحف العالم بتعيين سكرتير عام يكون بمثابة نجم سياسي إعلامي كي يكون قادراً على لفت الانتباه، وعلى احتلال واجهة وسائل الإعلام المختلفة. \r\n \r\n ولكن مجلس الأمن الدولي كانت لديه أفكار أخرى حيث رشح بالإجماع \"بان كي مون\" وزير الشؤون الخارجية والتجارة الكوري الجنوبي الذي سيقوم أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصديق على ترشيحه خلال أسبوع أو اثنين. \r\n \r\n وباستقراره على ترشيح \"بان كي مون\"، فإن مجلس الأمن يكون قد فضل الكفاءة على الكاريزما، والأداء على الوع،د وهو ما يمكن تبينه إذا ما عرفنا أن \"بان\" كان قد أثبت كفاءته الدبلوماسية في المحادثات السداسية التي كانت تدور حول الطموحات النووية لكوريا الشمالية. وقد حظيت حملة \"بان\" بدفعة قوية من خلال حقيقة أن ثلاثة من أعضاء مجلس الأمن الدائمين وهم الصين وروسيا والولاياتالمتحدة ودولة واسعة النفوذ مثل اليابان من غير الدول دائمة العضوية كانوا شركاء له في المفاوضات سداسية الأطراف بشأن الملف النووي الكوري الشمالي. \r\n \r\n وتبدو أهمية هذه النقطة إذا ما تذكرنا أن مؤسسي الأممالمتحدة قد قرروا عام 1945 أن مجلس الأمن هو الجهة التي يجب أن تقوم بتعيين السكرتير العام حتى يكون محلاً لثقة القوى العظمى في العالم. وقد أثبتت كافة المحاولات التي قام بها كل من شغلوا منصب السكرتير العام للأمم المتحدة من قبل، لتكوين كتلة تقف ضد الهيمنة الأميركية فشلها، وكان آخرها في عهد عنان ومن قبله عهد سلفه بطرس بطرس غالي. وفي الحقيقة أن السكرتير العام يبلغ أقصى درجات الفعالية عندما يقوم بشكل هادئ بنزع فتيل الأزمات الإقليمية التي يتدخل فيها، وعندما يتقرب من الدول الأعضاء، بل ويداهنهم أحياناً من أجل مساعدته على تحديث جهاز الأممالمتحدة الذي يعاني أحياناً كثيرة من صعوبة الحركة والفساد. \r\n \r\n وإذا لم يتم النظر إلى \"بان\" على أنه وسيط نزيه من قبل جميع الأطراف، فإنه لن تكون لديه فرص كبيرة لتحريك أجندة إصلاح الأممالمتحدة قدماً إلى الأمام. \r\n \r\n يذكر أن السفير الأميركي لدى الأممالمتحدة\" جون بولتون\" طالب في وقت سابق من هذا العام بانتخاب \"سكرتير عام بروليتاري\"، أي سكرتير عام يلتزم بأجندة الإصلاحات الداخلية في المنظمة الدولية، ولا تتجاوز صلاحياته صلاحيات كبير المديرين الإداريين التنفيذيين، وهي الصفة التي وردت في ميثاق الأممالمتحدة فيما يتعلق بوظيفة السكرتير العام. \r\n \r\n والحقيقة أن هذا وصف ضيق للغاية لمهام وظيفة السكرتير العام للأمم المتحدة، فقيادة السكرتارية العامة للأمم المتحدة، والتعامل مع مندوبي الدول الأعضاء البالغ عددهم 192 مندوباً يتطلب شخصاً يتمتع بمواهب سياسية فطرية، وقدرة على القيادة الصلبة والعادلة والمنفتحة في الآن ذاته. \r\n \r\n فالسكرتير العام للأمم المتحدة وكما يؤكد الجنرال \"برايان أوركهارت\" في مقالته المنشورة في العدد الحالي من مجلة \"فورين أفيرز\" تحت عنوان: \"السكرتير العام للأمم المتحدة وكيف تشغل وظيفة لا وصف لها\" كتب يقول: \"لقد أثبت التاريخ أن السكرتير العام للأمم المتحدة عندما يكون عظيماً، فإن ذلك لا يعد مهماً للأمم المتحدة فقط ولكنه يعد ميزة عالية القيمة للعالم بأسره\". \r\n \r\n هناك سيرتان ذاتيتان بقلم اثنين ممن شغلوا المنصب من قبل وهما \"بيريز دي. كويلار\" و\"بطرس بطرس غالي\" تقولان لنا الكثير عن هذه الوظيفة. و بالنسبة لسيرة \"دي كويلار\" المعنونة: \"الحج للسلام: ذكريات سكرتير عام للأمم المتحدة\"، يمكن القول إنها متسقة ويمكن الاعتماد عليها وإن كانت مُملة. أما سيرة بطرس غالي المعنونة \"لا يقهر: ملحمة الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة\" فهي غير مُملة ولكنها تميل إلى الأنانية. \r\n \r\n من المنتظر أن نعرف المزيد عن وظيفة السكرتير العام للأمم المتحدة بعد رحيل عنان في الحادي والثلاثين من ديسمبر القادم، فهناك كتابان واعدان في هذا الشأن هما كتاب جيمس تراوب المعنون: \"أفضل النوايا: كوفي عنان والأممالمتحدة في عصر القوة الأميركية\" والذي سيصدر خلال هذا الشهر.. أما الآخر فهو كتاب ستانلي ميزلر المعنون: \"كوفي عنان: رجل سلام في عالم حرب\" الذي سيصدر في ديسمبر المقبل. \r\n \r\n وإذا ما استمر القراء الذين سيطلعون على هذين الكتابين في النظر إلى الأممالمتحدة وأعلى وظيفة فيها على أنهما تمثلان ألغازاً بعد قراءتهما، فإننا يجب أن نلتمس العذر لهم في ذلك. \r\n \r\n \r\n إدوارد سي. لاك \r\n \r\n أستاذ بكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا ومؤلف كتاب: \"السكرتير العام للأمم المتحدة في السياسة الدولية\" الذي سينشر الربيع القادم. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n