\r\n فمنذ أن أصدرت \"الوكالة الدولية للطاقة الذرية\" تقريرها الخميس الماضي، يشدد المسؤولون الأميركيون على أنه يدعم أطروحتهم؛ قائلين إن إيران رفضت مطلب مجلس الأمن الدولي القاضي بوقف تخصيب اليورانيوم. وفي هذا السياق، قال نيكولاس بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية المكلف بالشؤون السياسية: \"في النهاية، تلك هي الخلاصة: إنهم يتحدُّون المجلس\". \r\n \r\n وقد فاجأ التقرير الخبراء بإماطته اللثام عن دليل جديد؛ حيث قال المفتشون إنهم وجدوا آثاراً لليورانيوم عالي التخصيب، الذي يمكن أن يستعمل في صنع قنابل نووية. وحتى الآن، لم يقدم الإيرانيون تفسيراً بخصوص الكيفية التي وصلت بها تلك الآثار إلى هناك، وهو ما يقوي شكوك الولاياتالمتحدة وأوروبا اللتين تعتقدان أن السلطات الإيرانية لا تُري المفتشين الدوليين سوى جزء من برنامجها النووي، وأنه قد جرى إخفاء بعض المنشآت السرية. \r\n \r\n والحال أن التقرير يشير في الوقت نفسه إلى أن طهران لم تحرز تقدماً كبيراً في ما يخص إقامة معدات جديدة بموقعها النووي الرئيسي في \"ناتانز\" من أجل تخصيب اليورانيوم. وقد حرص دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي وروسيا على الإشارة إلى هذا الاكتشاف في الأيام القليلة الماضية دعماً لموقفهم القائل بأنه لا يوجد ثمة ما يدعو إلى الاستعجال وأنه ليست هناك أية أزمة –وأنه على إدارة بوش التراجع لإفساح المجال للجهود الدبلوماسية. \r\n \r\n والواقع أن هذين الرأيين يضعان إدارة بوش والأممالمتحدة في وضع شبيه بالوضع الذي كان سائداً حول العراق قبل نحو أربعة أعوام من الآن، خلال الفترة التي قادت إلى الحرب. ففي سبتمبر 2002، ألقى بوش خطاباً في الأممالمتحدة، مطالباً صدام حسين بالسماح للمفتشين الدوليين بدخول العراق. وقد أشار المسؤولون الأوروبيون والروس إلى هذا المثال كثيراً في الأسابيع الأخيرة من أجل الإقناع بأن فرض العقوبات من شأنه أن يؤدي إلى تحدٍّ إيراني لا محالة، وأن التحدي قد يتحول إلى المواجهة. \r\n \r\n وبدا أمين عام الأممالمتحدة خلال نهاية الأسبوع مؤيداً لهذا الرأي، إذ قال كوفي عنان لصحيفة \"لوموند\" الفرنسية في طريقه إلى إيران: \"لا أعتقد أن العقوبات هي الحل الأمثل لكل الأمور. وثمة أوقات يكون فيه الصبر أكثر نفعاً وفعالية. وأعتقد أنها خصلة علينا أن نتحلى بها\". وأضاف عنان قائلاً إنه يمكن لإيران أن تثبت أن برنامجها سلمي \"عبر منح المفتشين الأمميين حق الوصول إلى جميع منشآتها\". \r\n \r\n والواقع أن الرئيس بوش نفسه أقرَّ مرة، خلال مؤتمر صحافي في ديسمبر الماضي، أن فشل الاستخبارات بخصوص معرفة ما إن كان العراق كان يمتلك أسلحة غير تقليدية يجعل من الصعب عليه الدفع بأطروحة قوية وذات مصداقية ضد إيران. واليوم يقول خبراء أجانب إنه بدأ في دفع الثمن. إذ يقول \"غراهام أليسون\"، مدير \"مركز بلفور للعلوم والشؤون الدولية\" بجامعة هارفارد، إن ما يبدو دلائل متناقضة وردت في تقرير وكالة الطاقة الذرية قد يكون مؤشراً بكل بساطة على أن برنامج إيران المعلن أقل تقدماً من جهودها السرية الرامية إلى إجادة أصول وقواعد للأسلحة النووية. وقال \"أليسون\" في حوار معه يوم الاثنين \"إن ذلك جد وارد\"، مضيفاً: \"إن مقاربة أميركية حذرة يجب أن تضع في الحسبان إمكانية أن تكون المفاوضات حول المسار الإيراني المعلن هي في المقام الأول محاولةٌ من الساحر لصرف انتباهنا عبر التركيز على اليد التي تتحرك في وقت يضع فيه بيده الأخرى أرنباً داخل القبعة\". \r\n \r\n يُذكر أن اليورانيوم المخصب بدرجات متدنية يمكنه أن يُشغل مفاعلات نووية، وهو ما تقول إيران إنها ترمي إليه. غير أن مهندسين مهرة يمكنهم تطويره إلى يورانيوم عالي التخصيب قصد استعماله في صنع أسلحة نووية، وهو ما تشدد الولاياتالمتحدة على أنه هدف طهران الحقيقي. \r\n \r\n أما \"ديفيد أولبرايت\" و\"جاكلين شور\" من \"معهد العلوم والأمن الدولي\"، وهو منظمة أبحاث بواشنطن تتابع البرنامج الإيراني، فقد خلصا في تقرير صدر مؤخراً إلى أن: \"إيران إما أنها تقصد إبطاء وتيرة أنشطتها لفسح المجال للجهود الدبلوماسية، أو أنها تواجه مشكلات تقنية\". وفي حين يعتبر بعض الدبلوماسيين الأوروبيين التأخر سبباً وجيهاً لضرورة عدم التسرع، يرى آخرون أن طهران تتعمد الإبطاء لتقليص حظوظ صدور إدانة دولية لها، وإحداث انقسامات أكبر في صفوف الحلفاء الساعين إلى كبح الطموحات النووية وفرض عقوبات. \r\n \r\n وبموازاة مع صورة التأخر النووي الإيراني، قدم برنامج وكالة الطاقة الذرية دليلاً مذهلاً على إحراز تقدم على مستوى التخصيب؛ حيث جاء في تقرير الوكالة الدولية أن المفتشين عثروا على آثار جديدة لليورانيوم عالي التخصيب بمنشأة إيرانية -وهو الاكتشاف الثالث من نوعه في ظرف ثلاث سنوات. ومما يذكر هنا أن الوكالة خلصت في الحالات السابقة إلى أن بعض تلك الآثار على الأقل أتت من معدات مشعة حصلت عليها إيران من باكستان. \r\n \r\n أما في هذه الحالة –يقول مسؤول مطلع على عمليات التفتيش- فإن \"البصمات\" النووية للجزيئات لم تكن مطابقة للعينات الأخرى، وهو ما يثير أسئلة عديدة بخصوص أصل الجزيئات. وإضافة إلى ذلك، فقد اكتشفت الوكالة خلال ثلاث سنوات من عمليات التفتيش أكثر من اثني عشر مؤشراً عرضياً يفيد بأن لإيران طموحات نووية سرية. ولعل أهم هذه المؤشرات إعلان الرئيس محمود أحمدي نجاد مفتخراً بأن بلاده تجري أبحاثاً بخصوص جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لتخصيب اليورانيوم. والحال أن المفتشين لم يروا أبداً هذه الأجهزة. \r\n \r\n \r\n \r\n ديفيد ستنغر وويليام برود \r\n \r\n محررا قسم الشؤون الخارجية ب\"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n