وكان من نتائج ذلك كله أن تخلى الرئيس كلينتون عن الصومال، فتم نسيانه إلى أن أعاد فيلم \"إسقاط طائرة بلاك هوك\" سرد القصة المأساوية. \r\n واليوم يوشك الصومال أن يصبح الجبهة الرابعة في الحرب التي تخوضها واشنطن على الإرهاب. حيث تعقد الولاياتالمتحدة، على غرار ما يحدث في أفغانستان والعراق ولبنان، تحالفات ضد الأصوليين الإسلاميين المتشددين. \r\n لقد تغلب \"اتحاد المحاكم الإسلامية\"، وهو تحالف يضم نشطاء إسلاميين، مؤخراً على أمراء الحرب المدعومين من قبل الولاياتالمتحدة وبسط سيطرته على مقديشو. واليوم يسعى هذا الاتحاد إلى تنحية الحكومة الفدرالية المؤقتة، التي تحظى بتأييد الاتحاد الأفريقي وتتخذ من مدينة بيداوا عاصمة مؤقتة لها. أما على الخطوط الجانبية، فيوجد النظام المدعوم من قبل الولاياتالمتحدة في إثيوبيا التي تتطلع إلى قيادة المعركة ضد الإسلاميين الذين يشتبه في أن لهم علاقات مع تنظيم \"القاعدة\". وهكذا فمن الممكن أن تنتشر الحرب بسرعة في منطقة القرن الأفريقي وتحصد أرواحاً بشرية كثيرة مثلما حدث في النزاع بين إسرائيل و\"حزب الله\". \r\n تمثل جبهة الصومال في الحرب على الإرهاب ذروة نحو 30 سنة من توالي الأخطاء والإهمال في السياسة التي تنتهجها واشنطن تجاه منطقة القرن الأفريقي. ونتيجة لذلك، لم يترك هذا السجل للولايات المتحدة خيارات كثيرة تجاه وضعية ما فتئت تزداد تدهوراً. \r\n وتعود أخطاء الولاياتالمتحدة في المنطقة إلى عام 1977 عندما شجع صناع السياسة الأميركيون ضمنيا- وبحماقة- الصومال على اغتنام فرصة انعدام الاستقرار السياسي في العاصمة الإثيوبية للسيطرة على منطقة \"أوغادين\" التي يقطنها صوماليون. غير أن الخطوة أتت بغير ما كان مؤملاً منها، حيث تدخلت قوات سوفييتية وكوبية للدفاع عن النظام الماركسي في أديس أبابا، محولة بذلك إثيوبيا إلى أوثق حليف لموسكو في أفريقيا. ورداً على ذلك، قامت واشنطن بدعم نظام محمد سياد بري في الصومال بالمال والسلاح. \r\n وعندما انتهت الحرب الباردة، انتقلت سياسة الولاياتالمتحدة تجاه الصومال من المشاركة القوية إلى اللامبالاة. فانقطعت المساعدات، وتم إسقاط بري، وبدأت البلاد انزلاقها إلى الفوضى. وفي عام 1992، نشرت صحيفة \"نيويورك تايمز\" صوراً لأطفال يموتون جوعاً في بيداوا، فبعث الرئيس جورج بوش الأب قوات أميركية إلى مقديشو تحت رعاية الأممالمتحدة لتوزيع الأغذية والمساعدات. والحق أنها كانت لفتة إنسانية، غير أنها لم تكن موفقة. فقد عارض معظم الخبراء التدخل الأميركي في الصومال على اعتبار أن المجاعة كانت توشك على الانتهاء وأن حضور الجنود الأميركيين لن يزيد النزاع بين أمراء الحرب المتنافسين إلا تفاقماً وتعقيداً، وهو ما سيعيق جهود الإغاثة. والواقع أنهم كانوا على حق. فبعدما اشتد وطيس الاقتتال بين أمراء الحرب الصوماليين، بدأت إدارة كلينتون والأممالمتحدة الحديث عن إعمار البلاد. والواقع أنه لم يكن معروفاً الطرف الذي كان سيُعهد إليه بمهمة إعادة النظام. وهكذا قطع حادث إسقاط \"البلاك هوك\" الحديث عن إعمار البلاد على نحو مفاجئ، وتم نسيان الصومال من جديد. \r\n في غضون ذلك، تبنى كلينتون حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي باعتباره شرطي المنطقة، والذي كان ينظر إليه باعتباره إصلاحياً صارماً يمكنه أن يقوم، إلى جانب \"الزعماء الأفارقة الجدد\" الآخرين، بدور نموذجي في قارة تعاني من متاعب عديدة. كما تعهد ميليس بمساعدة الجهود الرامية إلى القضاء على خلايا تنظيم \"القاعدة\" التي تنشط بالمنطقة، وهو ما كان على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لواشنطن على إثر التفجيرات التي استهدفت سفارتي الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998. \r\n وهكذا زُرعت بذور النزاع الدائر حالياً في منطقة القرن الأفريقي. فسمحت الفوضى في الصومال، والتي حدثت نتيجة لسنوات من الاهتمام وأخرى من الإهمال من قبل السياسة الأميركية، للنشطاء الإسلاميين باكتساب زخم في بلد تقدمت فيه الانتماءات القبلية دائماً على ما سواها. والواقع أن تبني كلينتون لميليس- وتعزيز جورج بوش الابن للعلاقات مع إثيوبيا عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر- دفعا رئيس الوزراء الإثيوبي إلى الاعتقاد بأنه يستطيع إملاء مستقبل الصومال السياسي. \r\n لو أن اثيوبيا، والتي تضم عدداً كبيراً من المسلمين المعتدلين، دولة ديمقراطية مستقرة ملتزمة بمد يد العون للصومال، لكانت استراتيجية كلينتون- بوش صائبة ومنطقية. والحال أنها ليست كذلك، فكما أعلنت منظمة \"هيومان رايتس ووتش\" عشية الانتخابات البرلمانية العام الماضي، فقد عمد نظام ميليس إلى قمع المعارضة في منطقة \"أوروميا\" من أجل الحفاظ على السلطة، كما سجن العديد من معارضيه الذين فازوا بمقاعد في البرلمان. \r\n وفي ظل ازدياد احتمال اندلاع حرب في منطقة \"القرن الأفريقي\"، يمكن القول إنه ليس أمام بوش هامشُ مناورة كبير؛ إذ يمكنه أن يقبل ظهور صومال إسلامي مناوئ للولايات المتحدة. أو يمكنه أن يدعم تدخل إثيوبيا لصالح الحكومة الانتقالية في بيداوا، وهو ما سيؤدي إلى حرب مدمرة لا محالة. أو يمكنه أن يحاول إقناع حكومة أفريقية أخرى بدعم الحكومة الانتقالية عسكرياً. والواقع أن جميع هذه الخيارات ليست جذابة، حتى عندما تبدو عملية. ولهذه الأسباب كلها، يبدو أن الصومال لن يرحل عن مسرح الأحداث الدولية هذه المرة. \r\n \r\n مايك كلاو \r\n مدير برنامج أفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية من 9987 إلى 1996 \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n