إثيوبيا .. حصان طروادة الأميركي في القرن الإفريقي أحمد جهاد لقد كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن غزو اثيوبيا للصومال، وبات البعض يتحدث عنه وكأنه حدث جديد في السياسة الخارجية الاثيوبية التي عودت شعوب القرن الافريقي والرأي العام الدولي بتدخلاتها في شؤون جيرانها الداخلية، وحروبها المدمرة واللامبررة ضدهم، والتآمر على وحدتهم، وانتهاك سيادتهم. والجدير بالملاحظة، هذه ليست المرة الاولى التي تخرق فيها الحكومة الاثيوبية السيادة الوطنية الصومالية، فمنذ عام 1992 وهي تعتدي على السيادة الصومالية خلف ذريعة محاربة الارهاب. ويذكر ان رئيس الحكومة الصومالية الانتقالية السابقة، عبد القاسم صلاد حسن، اعرب عن استعداده لمحاربة الارهاب في الصومال اذا كان حقا موجودا، ومع ذلك تدخلت اثيوبيا في شؤون الصومال الداخلية بدعمها العسكري والمالي لامراء الحرب بغية احباط مشروع الحكومة الصومالية الانتقالية الرامي لجمع شمل كل الاطراف الصومالية المتصارعة تحت سقف سياسي واحد في عهد عبدالقاسم صلاد حسن. المبررات الواهية التي تطرحها الحكومة الإثيوبية فيما يتعلق بتدخلها في الصومال تتلخص فيما يلي: 1 اثيوبيا تجد نفسها في موقع الدفاع عن استقرار منطقة القرن الافريقي. 2 تمارس اثيوبيا حقها في الدفاع عن الذات، لان شرارة الحاكم الاسلامية تهدد وبصورة مباشرة وخطيرة امنها الوطني. 3 توجد في الصومال عناصر ارهابية ينبغي محاربتها. 4 تحالف المحاكم الاسلامية تقوده عناصر ارهابية، ولا يجب السماح له بالتمدد في سائر أرجاء الصومال. والمبررات الإثيوبية لا تصمد في وجه أي قراءة متأنية أو تحليل جاد بدليل: 1 ان احدا لم يكلف اثيوبيا للدفاع عن امن واستقرار منطقة القرن، وان الحكومة الاثيوبية الاستعمارية غير مؤهلة للدفاع عن هذه المنطقة التي تتآمر على بلدانها وشعوبها. وان دول المنطقة لقادرة على حماية نفسها وليست بحاجة الى اثيوبيا للدفاع عن نفسها او حماية أمنها. 2 لم يحدث أي اعتداء قادم من الصومال على اثيوبيا لكي تزعم بأنها تمارس حق الدفاع عن ذاتها. 3 لم يهدد الصومال إثيوبيا أو أي دولة من دول الجوار، وان الاتهامات الاثيوبية مفتعلة بغية تبرير او تغطية الغزو الاثيوبي السافر للصومال. 4 تدعي اثيوبيا بانها تحارب عناصر ارهابية في الصومال بيد انها غير قادرة على تقديم أي دليل مادي ملموس على اتهاماتها البالونية كما يرى بعض المراقبين والباطلة كما نرى نحن. 5 الشعب الصومالي حر في اختيار النظام السياسي الذي يريده، وهذا الخيار لا يعني اثيوبيا سواء من قريب او من بعيد. وان الصومال بلد مستقل وشعب حر ولا يوجد ولا يمكن ان يوجد في أي يوم من الأيام تحت وصاية اثيوبية أو غير اثيوبية، وهذه حقيقة تاريخية يعرفها الجميع لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائما هو: ماذا تريد إثيوبيا من الصومال؟ في حقيقة الأمر هناك مخاوف ومطامع في الصومال يمكن ايجازها على الوجه الاتي: 1 مخاوف مطالبة الصومال باقليم اوغادين الذي ضم الى اثيوبيا عبر تواطؤ بريطاني، ولا سيما في عام 1949، مع ان الصومال يمكن ان يطوي هذه الصفحة المؤلمة من خلال المفاوضات والمحادثات المباشرة. 2 خروج الصومال من أزماته الراهنة وتبوؤه مكانته التاريخية الطبيعية في القرن الافريقي يتعارض صورة وجوهرا مع الاجندة الحقيقية الاثيوبية للصومال خاصة ولمنطقة القرن الافريقي عامة، والتي تريد اثيوبيا تمزيقها بغية الحكم عليها عبر عملائها. 3 الحيلولة دون قيام حكومة وطنية مركزية قوية تؤهل الصومال على النهوض بدوره التاريخي والسياسي المعهودين. 4 مواصلة دعم وتدريب وتسليح أمراء الحرب لكي يستمروا في عملهم السياسي التخريبي، أي نشر الفوضى المطلقة في ربوع الصومال. 5 هناك أطماع اثيوبية في كل الموانئ الصومالية سواء كانت جنوبية او شمالية من كيسمايو في اقصى الجنوب الشرقي الى زيلع في اقصى الشمال الغربي، مرورا بمركا ومقديشو وبوصاصو وبربرة. 6 تمزيق الصومال على هيئة كانتونات. ففي الوثيقة الاثيوبية المنشورة في 7 يونيو 2000 في جريدة «ريبورتر» بلورت اجندتها للصومال المقسم والممزق الذي تريده، وهو على الشكل التالي: أولا الدولة المركزية الصومالية لم يعد يتحمس لها سوى قلة قليلة من الصوماليين العاديين. ثانيا تكمن أولويات السياسة الاثيوبية الصومالية في تأسيس: 1 دولة أرض الصومال في الشمال. 2 دولة البونت لاند في شمال شرق البلاد. 3 دولة الهوية لاند في الشرق. 4 دولة الرحناوين في الوسط. 5 دولة الاوغادين في الجنوب. ومهما كان الأمر، فان التدخل العسكري الاثيوبي في الصومال يشكل خرقا فادحا لكل المنظمات الاقليمية والقارية والدولية الاتية وكذلك الدستور الاثيوبي: 1 الدستور الاثيوبي. 2 ميثاق الايغاد. 3 ميثاق الاتحاد الافريقي. 4 ميثاق جامعة الدول العربية. 5 ميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي. 6 ميثاق مجموعة دول عدم الانحياز. 7 ميثاق منظمة الاممالمتحدة. وعليه، يجب على المجتمع الدولي ممثلا في جميع هذه المنظمات ان يدين حكومة اثيوبيا لكي تلتزم بالمواثيق والاعراف والقوانين الاقليمية والقارية والدولية، ولكي لا تكون نموذجا سلبيا يحتذى، وحتى تصبح عبرة لمن يعتبر. إثيوبيا حصان طروادة للسياسة الأميركية في القرن الإفريقي كما يراه البعض منذ نهاية الحرب الكونية الثانية وحتى الساعة، فان الإدارات الأميركية المتعاقبة على مقاليد الحكم في واشنطن بداية بالرئيس فرانكلين روزفلت ونهاية بالرئيس جورج دبليو بوش، اعتمدت على الأنظمة السياسية الاثيوبية التي توالت على سدة الحكم في اديس ابابا من الامبراطور هيلي سلاسي الى ملس زيناوي مرورا بالكولونيل منغستو هيلي ماريام لتنفيذ اجندتها في القرن الافريقي. ولم يقع الخيار على اثيوبيا لكي تلعب هذا الدور السياسي القذر صدفة، بقدر ما هو وليد دراسة: 1 العقلية التوسعية المتجذرة والمتأصلة في الحكام الذين ابتلت بهم اثيوبيا. ويفهم من ذلك ان هؤلاء الحكام يرون انهم و بتنفيذ مخططات الإدارات الأميركية، فانهم ينفذون بطريقة أو أخرى مخططاتهم الخاصة. والمدهش والخطير في الامر ان تلك الادارات الأميركية تعتمد والى حد كبير على المعلومات التي تستقيها من حكام اديس ابابا دون الأخذ في الاعتبار الأجندة الأثيوبية الخاصة في المنطقة. ويذكر ان السفير الأميركي السابق في اثيوبيا، ديفيد شين، تدارك ذلك بعد نهاية مهمته، حيث نبه الادارة الأميركية ألا تنجرف وراء «المعلومات» التي تحصل عليها عن وجود الارهابيين في الصومال وسبل محاربتهم، بحكم ان لاثيوبيا على حد قول السفير ديفيد شين اجندة خاصة بها في الصومال، وحث على الادارة الأميركية ان تستقي المعلومات الصحيحة بنفسها ومن مصادرها الاصلية والأولية وليس الثانوية. 2 استعداد هؤلاء الحكام الاثيوبيين للتآمر على دول وشعوب المنطقة دون تردد، وبلا وازع اخلاقي أو ضميري. 3 هشاشة الأنظمة المتعاقبة في حكم اثيوبيا، وعدم وطنيتها وشرعيتها ، واعتمادها على دعم خارجي وبشكل اساسي، يعتبر عاملا مهما في توظيف اثيوبيا للنهوض بهذا الدور السياسي القذر، لانها تعودت واستحلت الحياة تحت رحمة فتات المساعدات المالية والتغطية السياسية التي تحصل عليها من قبل الولاياتالمتحدة الاميركية، ومن الاتحاد السوفياتي السابق ابان عهد الدرق البائد. 4 تعتبر الادارة الأميركية الحالية ان اثيوبيا هى القوى الاقليمية الكبرى في شرق افريقيا من ناحية، ومن ناحية اخرى وفي سياق سياستها الخارجية التي بلورتها في وثيقة نشرتها في سبتمبر 2002، تحت عنوان «استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية» ورد فيها ان الحكومة الاثيوبية حليف استراتيجي لها في القرن الإفريقي. ودور الحليف الاثيوبي لا يعدو ان يكون تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في هذا الجزء من إفريقيا. الوطن القطرية 14/6/2007