\r\n والحفاظ على هذه الروابط لا يتحقق من تلقائه. فالدول – الأمم عولت، منذ زمن، على وهن روابط تتعداها ولا تتقيد بحدودها. وفكرة «قدر الانصهار»، شأن «مبدأ الاندماج»، معناهما أن المهاجرين لا بد ذائبون في المجتمعات المضيفة، عاجلاً أم آجلاً. فهم لن يلبثوا أن يقطعوا صلاتهم بوطنهم الأم. وتؤاتي الفضاءات الاجتماعية القائمة على ملابسة أمم ودول كثيرة، ظروف مناسبة. فتكنولوجيا الاتصالات وتكلفة التنقل المتدنية، تيسّران تفاعل الأشخاص المنتمين الى مجتمعات متقطعة، وتعالقهم. ويشفع نازع السياسات الليبرالية الى تقديم حقوق الإثنيات، ومكافحة التمييز العرقي والعنصري، بالحفاظ على تعدد الهويات. ويشفع به كذلك التمييز الثقافي، والاستبعاد الاجتماعي – الاقتصادي. فهما يؤديان الى انكفاء المهاجرين على روابطهم التقليدية والثابتة. ومنذ عقود، تضطلع حكومات بلدان الهجرة بتيسير تحويل الأموال وتشجيع الاستثمار، وتساند مهاجريها المقيمين بالخارج. فتقوي هذه السياسة تماسكهم الأهلي والقومي الأصلي. \r\n \r\n وتصاحب الهجرة «الأممية» سنن وعادات ثقافية جامعة (موسيقية أو لغوية). وتنجم عنها هويات هجينة (ألمان – أتراك أو جزائريون – فرنسيون، على سبيل المثال). فالفضاءات الاجتماعية «الأممية» جسور ثقافية «يعبر» عليها أشخاص ورموز وشعائر ونصوص مختلطة. فانتشرت في ثنايا المجتمعات المضيفة مثالات اجتماعية، مثل علاقات الجوار والمحلة و «أخوة» الدين، غريبة، وحملها معهم المهاجرون، ويحتكمون اليها في مهاجرهم و «بلدانهم» الجديدة. \r\n \r\n والردود على الانتشار الثقافي هذا، تتباين وتختلف. فالاستيعاب يشترط انصهار الأقليات في الأغلبية الثقافية السائدة في البلد المضيف. وينجم عن هذا إضعاف ثقافات الأقليات. والى وقت قريب، قدمت الدول – الأمم التي تعتبر التجانس الثقافي شرطاً من شروط تماسكها، هذه المعالجة. والتعددية الثقافية رد ثان. فتحافظ الأقليات الثقافية على ثقافتها الخاصة، وتغرسها في مهاجرها، وترعى سمات أساسية من الثقافة والهوية الأصليتين. وعلى هذا، «تساكن» الثقافة الغالبة عدداً من الثقافات «الثانوية». وتدوم بلورة هذه من طريق التواصل الدائم مع بلد المنشأ أو مجتمع الشتات. \r\n \r\n وتلد الحال المركبة هذه توليفات تحظى بمديح النخب الثقافية وإكبارها، مثل موسيقى «هيب هوب» و «الراي»، وبعض صور التهجين الديني المتخلف عن ارساء التدين على علاقة الفرد بالدين. وشهدت العقود الأخيرة تساهل الدول في اكتساب الجنسية المزدوجة (أو حتى المتعددة). واستفاد من شيوع التساهل كثير من المهاجرين، وبلدان منشئهم معهم. ورعت السلطات في بعض الدول دوام روابط قوية بمواطنيها الأصليين. فانقلب لا مبالاة الدولة المكسيكية بمهاجريها الى الولاياتالمتحدة، الى رعاية قريبة وحارة. وعندما مالت العلاقات الاقتصادية بالولاياتالمتحدة الى الضعف نشط النفوذ السياسي الذي تتمتع به الهيئات المكسيكية – الأميركية. ول «الوطنية عبر الأمم» تأثيرات اقتصادية وسياسية لا يسع أحداً تجاهلها. وهي تؤثر آثاراً ايجابية كثيرة في المهاجرين، وتطور العلاقات بين الشمال والجنوب. ولكنها تنذر بأخطار كثيرة. وتفوق المنافع الضرر اذا انخرط المهاجرون «الأمميون» في أنشطة اقتصادية وسياسية وثقافية لا تدور على بلد المنشأ وحده، ولا تقتصر عليه، بل تتعهد جانبي الحدود أو جوانبها المتكاثرة. \r\n \r\n (أستاذ علم اجتماع في جامعة بيليفلد الألمانية)، «سيانس أومان» الفرنسية، 7/2006. \r\n