وقد أدى تصويت كل من فرنسا وهولندا بالرفض للدستور الأوروبي إلى جعل الحكومة البريطانية بمنأى عن أي لوم على الأقل في الوقت الراهن، حيث تم تأجيل استفتاء بريطانيا على الدستور. وبالطبع أدى هذا التأجيل إلى تنفس توني بلير الصعداء وإبعاد الانتقادات عن حكومته بالنظر إلى ما تكنه الطبقة الوسطى البريطانية من سخط على السياسات الأوروبية. ويبقى السؤال المطروح هو كيف ستحل أوروبا أزمة هويتها؟ وما الدور الذي سيلعبه الشعور القومي في إعاقة بناء كيان أوروبي وتبوئه مركزا عالميا قويا، لا سيما في مجال السياسة الخارجية؟ \r\n غير أن مشكلات الهوية الاجتماعية والقومية ليست مقتصرة فقط على أوروبا. فقد أثارت أصوات مؤثرة في الولاياتالمتحدة مخاوف من فقدان الهوية الأميركية التي ارتبطت تاريخيا بما يعرف \"ببوتقة الانصهار\". فما زال يحتفظ اليوم العديد من المهاجرين بجنسية مزدوجة، حيث غالبا ما يزورون بلدانهم الأصلية بفضل تيسر وسائل المواصلات. وفي بعض الأحيان، يمكن للمهاجرين الذين أصبحوا مواطنين أميركيين أن يصوتوا في بلدان منشئهم. وقد أدت مسألة الجنسية المزدوجة إلى إثارة قضية \"الولاءات المزدوجة\". ولكم أن تتصوروا كيف يمكن للفريق القومي الأميركي لكرة القدم أن يتعرض للاستهزاء من قبل الأميركيين من أصل مكسيكي وأن يثير ذلك الكثير من تعليقات المحافظين الأميركيين ويتهمون هؤلاء الأميركيين بعدم الإخلاص والولاء لعلم بلدهم أميركا. \r\n وفي الشرق الأوسط الكبير تلعب التحديات المرتبطة بالهوية أثرا بالغا في الجغرافية السياسية للمنطقة. وفي هذا السياق، أدى استخدام أميركا للقوة العسكرية للإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق إلى تنامي قوى وهويات جديدة كانت مقموعة في الماضي. وربما يكون أكبر تحد يعترض وحدة واستقرار أفغانستان هو شعور العزلة المتنامي وسط سكان الباشتون والدعم الكبير الذي يتلقونه من قبل أشقائهم في باكستان. كما أن تمكين الشيعة والأكراد في العراق أثار مخاوف بشأن مستقبل العراق ووحدة أراضيه، حيث لا يخفي الأكراد رغبتهم في الاستقلال والتوحد مع أبناء جلدتهم في سوريا وتركيا وإيران. بالإضافة إلى أن شيعة العراق لديهم علاقات قوية مع الشيعة في إيران والسعودية والبحرين. ولطالما أبدت السعودية قلقها من تنامي قوة سكانها من الشيعة الذين يقيمون في المناطق الشرقية الغنية بالنفط. هذا فضلا عن معارضة السكان في منطقة الحجاز والقلاقل التي تثيرها الطائفة الزيدية على الحدود اليمنية. \r\n وليس من الواقعية في شيء أن نتوقع من جيران العراق وأفغانستانكإيران مثلا أن يرفعوا أيديهم عن التطورات الجارية في تلك الدول في ظل وجود علاقات وروابط شخصية بين الجماعات السكانية المختلفة. ولن يحل الاستقرار في المنطقة إلا إذا أدركت دولها أن التعاون السلمي بينها هو الأفضل بالنسبة لمصالحها. ويجب الاعتراف أن الديمقراطية لن تفيد كثيرا في حل المشكلات المتعلقة بسياسات الهوية والقومية. وكما تظهر ذلك التجربة الأوروبية فإن حتى أقوى الأنظمة الديمقراطية يواجه قادتها المنتخبين تحديات تقف في وجه رغباتهم، فما بالك برغبات حكام الشرق الأوسط الذين يريدون الحفاظ على وحدة بلدانهم ودفع الفتنة عنها. ويذكر أن التطورات الجارية في الشرق الأوسط الكبير والمخاوف المتصلة بالانقسام وبروز قوميات جديدة لم تكن متوقعا قبل 11 سبتمبر. \r\n