\r\n ومعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت بهؤلاء الأشخاص إلى الانتحار صعبة على ضوء السرية البالغة المفروضة على المعتقل. وعلى الرغم من طابع السرية فإن هناك معلومات تسربت في مرات سابقة ببطء من معتقل جوانتانامو عبر مصادر عديدة. كما دبج اتحاد الحريات المدنية الأميركي آلاف الوثائق المتعلقة بوقائع سوء معاملة وتعذيب السجناء في معتقل جوانتانامو. \r\n \r\n وفي الواقع أن فكرة معتقل جوانتانامو تتصادم تصادماً مباشراً مع القيم والمبادئ الأميركية. فالولاياتالمتحدة كانت تتمتع بسمعة عالمية طيبة باعتبارها دولة عظمى راعية لحقوق الإنسان. وهذه السمعة اكتسبتها أميركا من نضالها ضد العبودية، ومن حركة الحقوق المدنية التي كانت تهدف في الأساس لحماية الأفراد من الأنظمة التي تنتهك حقوقهم وتسيء معاملتهم. \r\n \r\n وفي الحقيقة أن هذه القيم والمبادئ الأميركية لها جذور عميقة في التاريخ إذ ترجع إلى أفكار التنوير التي وفرت الضمانات الأساسية لحماية الحقوق الفردية والتي ضمِّنت في الدستور الأميركي. \r\n \r\n لقد أخذ جورج واشنطن ورفاقه تلك المبادئ على محمل الجد وهو ما تبدى في معاملة جورج واشنطن للجنود البريطانيين الأسرى أثناء حرب الاستقلال باللين والعطف على الرغم من قيام البريطانيين بتعذيب الجنود الأميركيين الجرحى ووضعهم في السجن مع المجرمين العاديين. \r\n \r\n وفي الحقيقة أن المعاملة الحسنة للأسرى البريطانيين في حرب الاستقلال لم تكن ترجع إلى سمو أخلاق الآباء المؤسسين لأميركا بل إنها كانت ترجع أيضاً لأسباب براجماتية بحتة. فهؤلاء الآباء كانوا يدركون أن تلك المعاملة ستعود بالفائدة على قضية الاستقلال، كما كانوا يعرفون أنهم يخوضون حرباً ضد عدو وأنهم معرضون للأسر وأن هذه المعاملة الحسنة لجنود عدوهم يمكن أن تكون سبباً في إنقاذ رؤوسهم. \r\n \r\n لقد تغيرت الظروف الآن بالطبع وأصبحت الولاياتالمتحدة هي صاحبة اليد العليا من المنظور العسكري ولم يعد زعماء الولاياتالمتحدة الحاليون يخافون الوقوع في أيدي العدو والتعرض للعقاب إذا ما قاموا بمعاملة أسرى الحرب بقسوة، ولذلك فهم يشعرون الآن بالحرية في إصدار الأوامر إلى جنودهم باتخاذ إجراءات قاسية وغير مألوفة أثناء التحقيق مع السجناء، وهو ما قاد إلى انتحارات جوانتانامو. ولكن الشيء الذي غفل عنه الزعماء الأميركيون الجدد هو أن المنظومة الأخلاقية مازالت موجودة، وأنها بانتظار من يتمسك بها. وطالما ظلت فضائح معسكر أبوغريب ومعتقل جوانتانامو متداولة في القاموس الدولي فإن الطغاة حول العالم سيسخرون من الانتقادات التي توجه لأفعالهم وممارساتهم من جانب الزعماء الأميركيين. \r\n \r\n سنجد من الأميركيين من يقول إن الجنود البريطانيين في الماضي كانوا ضمن قوات جيش نظامي في حين أن معتقلي جوانتانامو كانوا من الإرهابيين المتخفين. ربما يمكن قبول هذه المقولة لو كانت هناك أدلة مؤكدة على أن المسجونين في جوانتانامو هم إرهابيون فعلاً. فوفقاً للوثائق التي تم رفع السرية عنها فإن معظم هؤلاء السجناء كانوا مجرد أشخاص تواجدوا بالصدفة في المكان الخطأ والزمان الخطأ. \r\n \r\n وليس هناك ما يستدعي أن يكون المرء مؤرخاً أو عالماً سياسياً كي يدرك أن الوقت قد حان كي تعود الولاياتالمتحدة إلى المبادئ المؤسِّسة لأميركا وتغلق معتقل جوانتانامو، وتعوض من تم حبستهم ظلماً، وتعاقب المسؤولين الذين انتهكوا حقوقهم، فهذه هي الطريقة المتحضرة التي يتعين على أميركا أن تنتهجها. \r\n \r\n جيمس نورتون \r\n \r\n محرر سابق لشؤون الشرق الأوسط بصحيفة \"كريستيان ساينس مونيتور\" ومؤلف كتاب: \"إنقاذ الجنرال واشنطن: هجوم الجناح اليميني على المبادئ المؤسِّسة لأميركا\". \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n