\r\n وخلال هذا الصيف جرى نشر قوة قوامها 6 آلاف جندي تابعة لحلف \"الناتو\", بقيادة الجنرال البريطاني \"ديفيد رتشاردز\" في المنطقة والمحافظات المذكورة, على أمل دحر التمرد واستعادة استتباب الأمن فيها. غير أن من المؤكد أنها ستتلقى هجمات من قبل قوات \"طالبان\" والمقاتلين الانتحاريين, إلى جانب استنزافها بعمليات قنابل الطرق العامة والكمائن العسكرية المضادة. بل ربما تعين عليها خوض معارك ومناوشات متفرقة على شاكلة حرب العصابات, مع قوات \"طالبان\" جيدة التسليح والعازمة على القتال. والأكثر ضرراً وإثارة لقلق واشنطن هناك, انقشاع الغشاوة عن عيون الأفغان وصحوتهم على سراب وعود حكومة حامد قرضاي وحلفائها الغربيين. فحتى في العاصمة كابول نفسها –التي تعد المدينة الأكثر أمناً في البلاد كلها- تشير المظاهرات وأحداث العنف التي شهدتها مؤخراً, إلى انحسار التأييد الأفغاني لحكومة الرئيس حامد قرضاي المدعومة أميركياً. \r\n ومما يثير حنق المواطنين وتبرمهم, أن أموال العون الغربي المهولة التي ضخت على بلادهم, لم يروا منها ما انعكس على حياتهم خيراً ومنافع ومكاسب ملموسة, أسهمت في تحسين مستوى معيشتهم وحياتهم. بل لا تزال الغالبية تعاني من ويلات الفقر والعوز, ولا يزال الفساد وسوء الحكم ضارباً بأطنابه, بينما تواصل البطالة تفشيها وتأثيرها السلبي على حياة غالبيتهم. وفي العام الماضي قتلت قوات \"طالبان\" ما يزيد على 300 جندي من قوات الجيش الحكومي والتحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. أما خلال العام الحالي, فيرجح ارتفاع العدد إلى أكثر من ذلك بكثير. \r\n إلى ذلك يبدو أن الصومال ستشكل تحدياً أكبر من ذلك الذي تمثله أفغانستان حالياً لأميركا. فقد جرى هناك طرد \"التحالف من أجل استعادة السلم ومكافحة الإرهاب\" من العاصمة مقديشو خلال الأسبوع الماضي, من قبل المليشيا المسلحة الموالية لاتحاد المحاكم الإسلامية. هذا ويتألف التحالف المذكور من لوردات الحرب, ويحظى بتمويل ودعم أميركيين. والمشكلة التي يعانيها التحالف أنه لم يطرد من العاصمة الصومالية فحسب, بل ربما يخسر آخر معاقله وحصونه العسكرية المقامة في ضاحية جهوار, الواقعة على بعد 100 كيلومتر تقريباً في أقصى الشمال الصومالي. وما هذه الانتصارات التي حققتها المليشيا الإسلامية مؤخراً, سوى تتويج للمعارك التي ظلت تخوضها ضد التحالف, على امتداد الأربعة شهور الماضية. وقد وعدت هذه المليشيات بإحلال السلام واستعادة أمن البلاد لأول مرة منذ اندلاع النزاعات والمواجهات العسكرية فيها, منذ نحو خمسة عشر عاماً. وكانت الحرب الأهلية قد اندلعت هناك في شهر نوفمبر من عام 1991, أي بعد بضعة أشهر فحسب من الإطاحة بنظام الرئيس محمد سياد بري, الذي كان طاغية دموياً, أمسك الصومال بقبضته الحديدية وحكمها منذ عام 1969. ومن يومها باءت بالفشل التام جهود عديدة متلاحقة بذلها المجتمع الدولي لوضع حد للاقتتال والحرب الأهلية. \r\n وفي عام 1994, سارعت الولاياتالمتحدة إلى سحب جنودها, على إثر انتهاء مساعيها الرامية لإلقاء القبض على زعيم الحرب محمد فارح عيديد, إلى كارثة بالغة, أسفرت عن مصرع 18 من جنودها هناك. وفي العام نفسه فشلت الحكومة الفيدرالية المؤقتة التي جرى تشكليها, في تثبيت قدميها والاستمرار في حكم البلاد. واعتباراً من العام الماضي, بدأت الولاياتالمتحدة بإرسال مئات الآلاف من الدولارات إلى لوردات الحرب الصوماليين –عبر محطة وكالة \"سي آي إيه\" في العاصمة الكينية نيروبي- على أمل تمكن هؤلاء اللوردات من قتل أو إلقاء القبض على عناصر وأعضاء تنظيم \"القاعدة\" المحليين, إضافة إلى تجنيب الصومال أن تتحول إلى ملاذ آمن للإرهابيين من تنظيم \"القاعدة\" وحركة \"طالبان\". ومنذ تفجير سفارتي أميركا في كل من كينيا وتنزانيا في عام 1998, واصلت وكالات وأجهزة المخابرات الأميركية مساعيها الرامية إلى تدمير خلايا تنظيم \"القاعدة\" الناشطة في منطقة شرقي أفريقيا. غير أن تلك المساعي لم تحقق إلا قدراً ضئيلاً جداً من النجاح حتى الآن. وفي شهر فبراير من العام الجاري, بادر أحد عشر زعيماً من زعماء الحرب الصوماليين, إلى تشكيل ما عرف ب\"التحالف من أجل استعادة السلم ومكافحة الإرهاب\" بتشجيع وتمويل أميركيين. والهدف الرئيسي لهذا التحالف هو مكافحة النفوذ المتنامي للجماعات الإسلاموية في البلاد. \r\n لكن على أية حال, فإن هناك من المراقبين والمحللين من يرى أن في التدخل الأميركي وانحياز واشنطن إلى جانب لوردات الحرب, ما أثار حفيظة الإسلامويين –لاسيما تحالف المحاكم الإسلامية- ودفع بهم إلى تشكيل وتسليح وتوسيع نفوذ قواتهم الخاصة. ويقدر عدد مقاتلي هذه المليشيا حالياً بنحو 300. إلى ذلك تشير الإحصاءات والتقارير إلى أن كلا الجانبين –التحالف والمليشيا الإسلامية- أنفقا ما تصل جملته إلى حوالى 45 مليون دولار في التسليح لكل طرف, خلال الأشهر القليلة الماضية. وفي أعقاب هجوم وقع قبل أقل من أربعة أشهر, تمكنت مليشيا \"اتحاد المحاكم الإسلامية\", من إحكام قبضتها على العاصمة مقديشو في الخامس من شهر يونيو الجاري, إثر معركة قتل فيها نحو 350 مسلحاً, وأصيب فيها حوالى 1500 آخرين. وفي المقابل فقد لاذ بالفرار لوردات الحرب وشركاؤهم \"الاستثماريون\". \r\n \"اتحاد المحاكم\" يرأسه الشيخ شريف أحمد, وهو مدرس سابق في مدارس القرآن. وفي تصريح أخير له, أشار هذا الزعيم إلى احتمال إنشاء نظام حكم إسلامي في الصومال. إلا أنه أردف ذلك بالقول إنه لن يتم إلا وفقاً لإرادة ورغبة الشعب الصومالي. ومن المؤكد أن ما شهده الصومال من تنامٍ لنفوذ الحركات الإسلامية المتشددة, ستكون له تداعياته المشابهة في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط معاً. فانظرْ أية انتكاسة لحقت بسياسة مكافحة الإرهاب في شرق أفريقيا وما وراءه! \r\n \r\n