وبنزاهة تامة وبالطابع البشري الذي يكون في الغالب في مثل هذا القضايا كان يستطيع بوش ان يفند ويدحض خطاب تشيني فقرة فقرة في كل القضايا التي اثارها.ومن ذلك النفاق في التنديد بروسيا بشان الديمقراطية والتوجه مباشرة الى المديح المسرف لديكاتاتوريات كازخستان واذربيجان الغنيتين بالنفط وحديث تشيني الغريب عن حقوق الانسان بوجه عام وغطرس ادارة بوش-تشيني في الشرق الاوسط والجرأة على المطالبة بتاييد روسي تلقائي ضد إيران تحت مسمى المجتمع الدولي...الخ. فلو ان بوتين عرض مثل هذا الرد في خطابه عن حالة الاتحاد مؤخرا لكان قد حظي بقبول الغالبية المطلقة من الروس في الوقت الذي كان عمله هذا من شأنه ان يلحق مزيدا من الضرر بالعلاقات الاميركية-الروسية.فمن الصعب تخيل ان يضيع رئيسا اميركيا مناسبة سياسية محلية مثل هذه مهما كان اثرها المحتمل على مصالح بلده.لكن وبغض النظر عن تعليقين متعقلين وغير مباشرين فان بوتين لم يذكر اي من هذه الامور.بل انه ركز على القضية التي تمثل في الواقع التهديد الاكبر للدولة الروسية وهي على وجه التحديد انخفاض سكان روسيا. ربما ان رد بوتين الهادئ على تشيني يضرب بجذوره الى حد ما في الثقة الجديدة بقوة روسيا لاسيما عندما يتعلق الامر بالنفوذ داخل الاتحاد السوفيتي السابق.ولعل احدى سمات رجل الدولة التي يتسم بها بوتين هو انه مع بعض الاستثناءات (بشكل رئيسي فيما يتعلق باوكرانيا التي ينحو فيها الروس الى ان يكونوا لاعقلانيين) قد اظهر احساسا دقيقا بالقوة الحقيقية والضعف الحقيقي لروسيا.ولنضرب مثال واحد على ذلك وهو ان بوتين سحب في العام الماضي القواعد العسكرية الروسية المتبقية في صميم جورجيا حيث كانت تتعرض للاستفزاز ولم تكن محصنة في الوقت الذي استمر فيه الوجود العسكري الروسي في المناطق الجورجية الساعية الى الانفصال في ابخازيا واوسيتيا الجنوبية حيث تتمتع هناك بتاييد محلي جارف.وفي القضايا الحساسة مثل الحرب على العراق والبرنامج النووي الإيراني يحاول بوتين مقاومة الضغط الاميركي في الوقت الذي يحتفظ فيه بان تسير روسيا في نفس النهج مع الصين واوروبا الغربية ايضا اينما امكن.وهذا هو فن قيادة الدولة اذ ربما يكون شكوكيا لكنه لايزال رجل دولة.وعلى العكس فان ادارة بوش-تشيني تتمتع بسجل من التقدير المبالغ فيه كثيرا للقوة الاميركية.وحكما على ذلك من خلال خطاب تشيني في ليتوانيا فانه ربما يكون تكرارا لنفس الاخطاء الكارثية فيما يتعلق بالسياسة الاميركية حيال روسيا وفي الاتحاد السوفيتي السابق.فاذا كان الهدف الرئيسي لواشنطن هو تدمير النفوذ الروسي في هذه المنطقة واستبداله بالنفوذ الاميركي فانه يجب عليها ان تتذكر انه مهما كان ضعفها على الساحة الدولية فان روسيا تتمتع في ساحتها الخلفية روسيا بشئ ما.واذا كان من جهة اخرى ان العامل الاكثر اهمية وراء هجوم تشيني هو دور روسيا في النزاع الاميركي مع إيران عندئذ فان تهجمه على روسيا في ليتوانيا يثير احتمالين احدهما الضغط والاخر ينذر بكارثة.الاول هو ان تشيني ومسئولين اميركيين اخرين بارزين يعتقدون بشكل كبير ان الولاياتالمتحدة يمكن ان تكسب دعما لسياستها من خلال التطاول وتهديد دول اخرى رئيسية.واذا كان الامر كذلك فان ذلك لايعكس فقط مقاربة سكان الكهوف فيما يتعلق بالدبلوماسية بل العجز عن ادراك مدى الضرر الذي لحق بالقوة الاميركية من المستنقع العراقي والقوة والثقة المتزايدتين في روسيا و الصين وبلدان اخرى. الاحتمالية الاخرى هي ان تشيني لايبالي كثيرا بالتوصل الى تسوية عبر التفاوض مع إيران كما كان عليه حاله فيما يتعلق بصفقة تمنع حرب العراق وانه من خلال دفع روسيا الى احضان إيران يامل في الاطاحة باي احتمالية للتوصل الى مثل هذه التسوية وترك العمل العسكري ضد إيران يظهر على انه الخيار الاميركي الوحيد.واذا كان الامر كذلك عندئذ وبالتسليم بالمضامين ذات العواقب الكارثية المحتملة لهجوم اميركي على إيران فانه ليس الروس فقط بل العالم عموما يمكن ان يكون ممنونا لرد بوتين كرجل دولة وسوف يحدوهم الامل بان يستمر هذا النهج الروسي. \r\n \r\n اناتول ليفين \r\n باحث بارز في نيو اميركان فونديشين في واشنطن.ومشارك في تاليف كتاب \"الواقعية الاخلاقية والسياسة الخارجية الاميركية\"مع جون هولسمان الذي سينشر في اكتوبر المقبل.خدمة\"انترناشيونال هيرالد تريبيون-نيويورك تايمز خاص ب(الوطن).