ويتشابه هذا النموذج مع النموذج الذي ثبت نفسه في روسيا إبان فترة حكم الرئيس فلاديمير بوتين. ولا يهمنا هنا التركيز على ماهية المعلم والمتعلم، ولكن المهم هو التأكيد على أن الأوضاع الدولية لروسيا والصين متشابهة من حيث تنامي قوة الدولتين وسعيهما لفرض سياساتها المستقلة. لذا، فإن تشابه الأنماط السياسية التي تطبقها كلتا الدولتين لا تعد مفاجأة، بغض النظر عن تشابه آرائهما بشأن التطورات الدولية. \r\n ولكن ما هي النتائج التي أنجزها الرئيس الصيني بتبنيه لهذا النموذج؟ \r\n يعتقد الخبراء الأميركيون أن الرئيس بوش ونظيره الصيني هو جنتاو لم يقولا أي شىء جديد عن القضايا الأساسية في علاقاتهما الثنائية بخصوص تايوان وإيران، فقد تراجع بوش عن التزامه بسياسة الصين القديمة عندما قال: نحن نعارض إجراء تغييرات أحادية الجانب على الوضع الراهن في مضيق تايوان من قبل الطرف الآخر، ونحث كل الأطراف المعنية بتجنب أعمال المواجهة والتصرفات الاستفزازية. ونعتقد بأن مستقبل تايوان يجب أن يحل بطريقة سلمية. ولم يتناول الرئيس بوش السياسات الأميركية-اليابانية الجديدة في منطقة المحيط الهادىء التي جذبت اليابان بالفعل إلى قضية تايوان كحليف إستراتيجي لها. \r\n ولم تغير الصين موقفها، بشأن الأوضاع المتدهورة في إقليم دارفور وأزمة طهران النووية. وفي كلتا القضيتين، تعارض الصين فرض عقوبات على السودان وإيران أو استخدام القوة ضدهما، فضلاً عن معارضتها لأي تدخل عسكري أميركي. وتلتزم الصين أيضا بالتوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية الكورية. \r\n وعشية زيارة هو جنتاو للولايات المتحدة الأميركية، ناقشت وسائل الإعلام الروسية الفكرة التي طرحها صحفيون أميركيون بتخلي بكين عن موقفها الداعم لإيران في مقابل تساهل الإدارة الأميركية معها بشأن أزمة تايوان. وبأسلوب آخر، طالب هؤلاء الصحفيون الصين بتأييد السياسة الأميركية التي تقضي بالضغط على إيران أو قبول الخيار العسكري في مقابل تقديم الولاياتالمتحدة لتنازلات فيما يتعلق بموقفها تجاه تايوان. \r\n ولكن من الصعب توقع ماهية التنازلات التي يمكن أن تقدمها الولاياتالمتحدة بشأن تايوان. وفيما يتعلق بأزمة إيران النووية ، يمكن القول بأن المشكلة شائكة جداً بدرجة يصعب معها تقديم تنازلات، إضافة إلى أن هذه القضية تتعلق بمستقبل الاقتصاد الصيني. \r\n وقد ركزت مباحثات الرئيس الصيني في جولته، فيما عدا زيارته الخاطفة إلى كينيا، على تأمين مصادر الطاقة للصين. وتعتبر السعودية ونيجيريا من أكبر الدول التي تزود الصين بالنفط، ولكن الولاياتالمتحدة تمتلك مواقع قوية في كلتا الدولتين. وتوفر إيران والسودان اللذان يتعرضان حالياً لضغوط أميركية حوالي 20% من واردات النفط الصينية. وترتبط طهرانوبكين باتفاقية طويلة الأمد بشأن صادرات الغاز. وقد توصلت الصين مؤخراً إلى اتفاقية من تركمانستان، تلك الدولة المجاورة لإيران، تقضي باستيراد كمية تتراوح بين 30 : 30 مليار متر مكعب سنويا من الغاز التركماني عبر آسيا الوسطى إلى غرب الصين. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يتم مد خط أنابيب من إيران يصل إلى شمال بحر قزوين، وسوف يتدفق النفط الإيراني إلى الأراضي الصينية قريباً عبر خط أنابيب جينيانغ- كازاخستان. \r\n وقد تتعرض كل هذه المشاريع للخطر أو تخضع لسيطرة الولاياتالمتحدة إذا نجحت سياساتها في المنطقة، نتيجة للعمل العسكري على وجه الخصوص. ومن الواضح أن الصين لن تقدم تنازلات في هذا السياق. \r\n وفي ضوء هذه الظروف، فإن الإمدادات الكبرى من مصادر الطاقة الروسية إلى الصين سوف تكون الخيار المناسب. وبإمكان الدولتين تعويض أي تعطيل لإمدادات النفط الإيرانية إلى الصين ، ولو بشكل جزئي، نتيجة للضربة العسكرية الأميركية المحتملة على إيران وما قد يصاحب هذه الخطوة من عدم استقرار في المنطقة. \r\n وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد زار بكين قبل زيارة هو جنتاو للولايات المتحدة. وخلال هذه الزيارة، وقع أليكس ميلر، مدير شركة غازبروم الروسية وتشين تشنغ مدير الشركة الوطنية الصينية للنفط على بروتوكول يقضي بزيادة إمدادات الغاز الروسية للصين. وبمقتضى هذا البروتوكول، سوف تستقبل الصين الغاز الروسي القادم من سهول سيبيريا مع بداية عام 2011. \r\n ومن المتوقع أن تستقبل الصين، في المرحلة الأولى، حوالي 80 مليار متر مكعب من الغاز. وإليكم بعض الأرقام لمقارنة الوضع الحالي بالأوضاع السابقة: أنتجت شركة غازبروم خلال العام الماضي 547.2 مليار متر مكعب من الغاز صدرت 121 مليون متر مكعب منه. وتتجاوز حصة الصين من إمدادات الغاز الطبيعي الروسية نصف إجمالي صادرات الغاز الروسية. \r\n وسوف يكون من السيىء جداً للصين أن تفقد مواقعها القديمة في سبيل اكتساب أو تدعيم مواقع جديدة. لذا، لم يهدف الرئيس الصيني هو جنتاو من زيارته إلى الولاياتالمتحدة إلى تحقيق تقدم مفاجىء على العلاقات المعقدة مع الولاياتالمتحدة بقدر تركيزه على إبقاء هذه العلاقات على المستوى المقبول. \r\n وكان هوجنتاو يرغب في أن ينأى بالعلاقات الاقتصادية الصينية مع الولاياتالمتحدة بعيداً عن الخلافات بين الدولتين بشأن إيران وبعض المشاكل الأخرى. \r\n وحظيت الخطة الخمسية المقبلة في الصين والتي ترتكز على تطوير العلاقات مع بعض الدول الأفريقية المنتجة للنفط بإهتمام خاص. وقد أعلن هو جنتاو عن هذا الأمر صراحة في العاصمة النيجيرية أبوجا. ومن الواضح أنه في حال إذا ما زادت بكين من حجم تبادلها التجاري مع الدول الأفريقية، فإن هذه الدول قد تولي إهتماماً أكبر بالمصالح الصينية بما في ذلك وارداتها من مصادر الطاقة بغض النظر عن الضغوط التي قد تتعرض لها تلك الدول من بعض الكيانات الدولية. \r\n وقد حقق الرئيس الصيني هدفه على طول الخط. وتتفق المصادر الصينية مع هذا الرأي؛ حيث كتب موقع رينمين ريباو قائلاً بأن الزعيم الصيني نجح في إقناع الرئيس الأميركي بقبول المسئولية المتبادلة من كلتا الدولتين فيما يتعلق بإستقرار علاقاتهما الاقتصادية وتجنب النزاعات والخلافات على الرغم من الشخصية الصعبة الموروثة للعلاقات الأميركية- الصينية. وقد نجح كلا الجانبان في إعطاء الأولوية للتعاون البناء واتخاذ موقف واقعي مع المتناقضات والقيام بخطوات إيجابية إزاء تطوير العلاقات بين البلدين. \r\n وهذا تقييم واضح وخصوصاً إذا ما نظرنا بعين الاعتبار إلى العرض الذي تقدمت به واشنطن للصين والذي يقضي بتوفير فرص جديدة للتعاون في مجال أبحاث إستكشاف الفضاء المشتركة والتبادل العسكري. ولكن ما هو شكل العلاقات المتوقع بين الولاياتالمتحدة والصين بعد زيارة الرئيس الصيني إلى واشنطن؟ \r\n من المستبعد ان تتخلى واشنطن عن خططها لإستخدام القوة مع إيران وكوريا الشمالية والسودان لمجرد أنها لن تحصل على أي دعم من الصين. وصحيح أنه في حال حدوث فوضى في هذه الدول، فسوف تتوصل واشنطنوبكين إلى طريقة لتجنب حدوث أزمة في العلاقات بين البلدين وهو أمر جيد. ولكن الأمر السىء هو أن هذه السياسة سوف تأتي بنتائج سلبية على المصالح الحيوية الصينية في كل الأحوال، وسوف تثير حتماً بعض التوترات الثنائية حتى إذا حاول كلا الجانبين الاحتفاظ بالأوضاع تحت السيطرة. \r\n \r\n ديمتري كويسريف \r\n معلق سياسي بوكالة نوفوتسي الروسية للأنباء والمعلومات \r\n خدمة كيه . آر. تي خاص ب (الوطن)