\r\n في الولاياتالمتحدة نشأت قاعدة سائدة بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 وازمة الرهائن التي احتجز فيها الحرس الثوري الايراني الدبلوماسيين الامريكيين العاملين في السفارة الامريكية في طهران - تلك القاعدة تقول: »الشيعة سيئون والسنة جيدون« فعندها كان الشيعة هم الثوريون المعادون لامريكا في المنطقة. \r\n \r\n بعد ظهور منظمة القاعدة وهجمات الحادي عشر من ايلول وانفجار التمرد السني ضد قوات الاحتلال الامريكية في العراق, والذي تزامن مع التزام الشيعة لجانب الهدوء, تغيرت القاعدة السائدة في واشنطن لتصبح »السنة سيئون والشيعة جيدون« وها قد جاء اليوم الذي بات من الصعب فيه تحديد من هو جيد ومن هو سيئ. \r\n \r\n عشية الحرب في العراق, كان هناك امر لا لبس فيه فالشيعة سوف يرحبون بالاطاحة بصدام حسين ويتقبلون احتلالا امريكيا قصير الاجل في حالة تقديم وعد من واشنطن بتسليم السلطة الى الاغلبية الشيعية عبر صناديق الاقتراع. \r\n \r\n وقد تحقق كل ذلك. وبقدر تعلق الامر بغالبية الشيعة فان الولاياتالمتحدة قد انجزت مهمتها وعليها الان ان تقفل عائدة الى بلادها. \r\n \r\n تكتيكيا ينقسم الشيعة فيها بينهم حول الموعد الذي ينبغي للولايات المتحدة فيه ان تغادر العراق, فالبعض منهم ما يزال يرغب في بقاء الامريكيين لفترة اخرى من اجل المساعدة في اخماد التمرد وتهدئة البلاد, الامر الذي سوف يجعل حكم الشيعة اكثر استقرارا. البعض الآخر, ولعلهم قد اصبحوا اغلبية الان, يخشون من ان يضر اعتمادهم على السيف الامريكي بشرعية الحكم الشيعي, لان السنة في هده الحالة, سيكونون في وضع يسمح لهم بالادعاء بانهم »القوة الوحيدة التي وقفت بوجه الاحتلال الامريكي«. \r\n \r\n وهكذا تجد غالبية الشيعة ان اسرع الطرق للفوز بالشرعية الوطنية والحصول على الرصيد القومي هي في الانضمام الى المناداة بانهاء الاحتلال. \r\n \r\n استطاع رجل الدين الشيعي المندفع مقتدى الصدر ان يلتقط هذه الحقيقة منذ وقت طويل, وهو يحاول الان اقامة تحالف شيعي - سني يرتكز الى المصلحة المشتركة للطرفين في انهاء فوري للاحتلال. \r\n \r\n والان, وبعد ان ابلغ السفير الامريكي في بغداد زالماي خليل زاد رسالة الرئيس الامريكي القاطعة بان رئيس الوزراء العراقي الحالي ابراهيم الجعفري غير مقبول لدى واشنطن وان عليه ان لا يحصل على ولاية ثانية, فان الفجوة بين الشيعة وواشنطن قد باتت قريبة. \r\n \r\n لا يرغب جميع الشيعة بابراهيم الجعفري رئيسا للوزراء لكن الولاياتالمتحدة في نظرهم باتت تصدر الاملاءات الصريحة حول من يجب ومن لا يجب ان يدير حكومتهم التي تتمتع باستقلال ظاهري, ولا شك ان الضغوط التي تمارسها الولاياتالمتحدة على الشيعة للتخلي عن وزارات مهمة مثل وزارة الامن ووزارة الداخلية لا تساهم في تحسين الاحوال, فالشيعة لم ينتظروا قرابة نصف قرن لكي يحصلوا على السلطة ثم يتنازلوا عن هذه الوظائف الامنية الحيوية لمنافسيهم الحاليين ومضطهديهم التاريخيين, ولسوف يبذل اية الله علي السيستاني كل ما يقدر عليه من جهد ليضمن ان الشيعة لن ينقسموا على انفسهم بسبب هذه القضايا. \r\n \r\n من الممكن ان يستبدل الائتلاف الشيعي مرشحه لمنصب رئاسة الوزراء, ولو من اجل المحافظة على وحدة صفوفه. لكن اي مرشح جديد يمكن ان تتم تسميته ضمن اتفاق شيعي يصوغه السيستاني, لا بد له ان يرضي الكثير من العناصر الشيعية التي تلتزم بموقف عدائي او فاتر من الولاياتالمتحدة من امثال الجعفري والصدر والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الموالي لايران. \r\n \r\n ربما كان من الحكمة ان تساعد الولاياتالمتحدة السنة في التغلب على مخاوفهم واسباب تذمرهم عن طريق مساندة مطالبهم بالحصول على المزيد من النفوذ. لكن الهيمنة الشيعية الحالية تتمتع بالشرعية باستنادها الى دستور ساهمت الولاياتالمتحدة في صياغته. وهي تمثل الاغلبية السكانية المطلقة. \r\n \r\n وفي الوقت الحالي على الاقل, تشكل الولاءات الطائفية العملة الاساسية في التداول السياسي اليومي في العراق والمصدر الرئيسي لامن المواطن الشخصي, وهذا واقع لا يترك مجالا واسعا للتراضي او لحلول الوسط. \r\n \r\n حتى لو شاءت واشنطن ان تميل الان لصالح السنة, فان السنة لن يقدموا الكثير للتخفيف من مأزق بوش. \r\n \r\n فالسنة يتفوقون على الشيعة في معاداتهم للولايات المتحدة وفي انحيازهم للمواقف القومية العربية, وهم يصرون على انهاء الاحتلال باقرب وقت ممكن, ورجال الدين السنة معادون متشددون للولايات المتحدة ولا ينافسهم في عدائهم لامريكا الا البعثيون العلمانيون. وهكذا فان استرضاء السنة الان لن يؤدي الا الى التعجيل بانشقاق الشيعة العلني عن واشنطن. وهو في الوقت نفسه لن يخفف من حدة التمرد الهادف الى طرد الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n وبغض النظر عن ذكاء المساعي التي يبذلها السفير خليل زاد في تطبيق مبدأ »فرق تسد« فان قلة من الخيارات المتوفرة لديه تعتبر صالحة والحقيقة المؤلمة التي ينبغي لامريكا ان تواجهها هي ان السنة والشيعة قد وصلوا الى مرحلة التنافس فيما بينهم على العمل من اجل طرد الامريكيين, ولم يعد بالامكان الاعتماد على اي من طرفي التقسيم القديم لمن هو جيد ومن هو سيئ. \r\n