الواقع أن بريق الصين الاقتصادي قد حال دون دعم أستراليا للجهود الأميركية المحذرة من حجم الإنفاق العسكري الصيني الذي رفعته بكين بنسبة 14 في المئة. ومن المتوقع أن هذا الموضوع شغل حيزا مهماً من المحادثات الأمنية الثلاثية يوم السبت بين الولاياتالمتحدةواليابان وأستراليا في سيدني. \r\n \r\n وفي وقت يميل فيه اقتصاد أستراليا أكثر في اتجاه الاندماج مع آسيا، أضحت السياسات الخارجية لواشنطن وكانبيرا، والتي كانت تتميز إلى عهد قريب بالتقارب والانسجام، تنحو كل واحدة منها في اتجاهات مختلفة. وفي هذا السياق يقول ألان دوبونت، الخبير في الشؤون الصينية بمعهد \"ذي لاوي إينستيتيوت\" بسيدني: \"أستراليا بلد متوسط الحجم له مصالح سياسية واستراتيجية وتجارية مع الصين، ومن مصلحة أستراليا ألا تورط نفسها في خلاف بين القوتين العظميين\". \r\n \r\n والحقيقة أن كلا البلدين يشكلان بالنسبة لأستراليا أكبر شريكين تجاريين كبيرين، وهو ما يتيح لكانبيرا تفادي المراهنة على جهة واحدة. أما أهمية الصين بالنسبة لأستراليا فقد زادت كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية من حيث انخفاض أسعار المنتوجات الصينية. وبالمقابل، تزخر أستراليا بكميات وافرة من الموارد التي تحتاجها الصين، ومنها على سبيل المثال ثلاثون في المئة من احتياطات العالم المعروفة من اليورانيوم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفاوضات تدور بين البلدين حاليا لتزويد الصين باليورانيوم من أجل استعماله لأغراض الطاقة المدنية. \r\n \r\n هذا ويتوقع أن تكون الاختلافات في وجهات النظر تجاه موضوع الصين قد ظهرت الخميس، خلال أول يوم من أول زيارة لكوندوليزا رايس إلى أستراليا، والتي سبق أن أرجأت مرتين خلال الأشهر الأخيرة بسبب التزامات عاجلة وملحة. وقد أعربت \"رايس\" في ختام محادثات خاصة مع نظيرها الأسترالي \"ألكسندر داونر\" عن قلق واشنطن إزاء الصين خلال مؤتمر صحافي، قائلة: \"يساورنا قلق إزاء زيادة قدرات الصين العسكرية، وقد طلبنا من الصينيين أن يتحلوا بالشفافية\". إلا أن \"داونر\" سرعان ما أوضح أن لأستراليا سياستها الخاصة تجاه الصين، والتي تختلف عن سياسة الولاياتالمتحدة، قائلا \"علاقتنا لها ديناميكيتها الخاصة بها\". هذا وكان \"داونر\" قد صرح في وقت سابق في حوار مع قناة \"سكاي نيوز\" بأنه يعتقد بأن \"سياسة احتواء الصين ستكون خطأ فادحا\". \r\n \r\n ويرى عدد من المحللين بأن هدف هذه التصريحات وغيرها هو تهدئة بكين وطمأنتها، وهي التي تراقب التطورات التي تشهدها المنطقة بغير قليل من الريبة والتوجس. ولعل أحد أسباب هذا القلق- يقول دوبونت- هو رفع هذه المحادثات الأمنية إلى مستوى وزاري، معتبراً أن بكين تخشى إنشاء نوع جديد من التحالف الذي يهدف إلى وضعها تحت المراقبة والحيلولة دون تطورها وزيادة قوتها. ويعتقد بعض المحللين بأن تضافر جهود الولاياتالمتحدةواليابان، التي شهدت علاقاتها مع الصين مؤخراً توتراً على خلفية زيارات رئيس الوزراء الياباني المتكررة إلى النصب التذكاري بمنطقة \"ياسوكوني\"، هي التي أقنعت أستراليا برفع اللقاء الثلاثي إلى مستوى الوزراء. \r\n \r\n وإلى ذلك، يمكن القول إنه بتبنيه موقفا قوياً وإيجابياً إزاء الصين، يكون رئيس الوزراء الأسترالي جون هاورد قد بدأ تدريجياً في الابتعاد عن لعب دور نائب وزارة الخارجية الأميركية في المنطقة، ليقترب أكثر نحو القيام بدور المخطط الاستراتيجي المستقل في المنطقة الآسيوية. ويرى \"هيو وايت\"، أستاذ الشؤون الاستراتيجية بالجامعة القومية الأسترالية بكانبيرا، أنها \"لحظة بالغة الأهمية تلك التي تأتي فيها اليابانوالولاياتالمتحدة، اللذان يعدان شريكينا التجاريين المهمين، بهدف تغيير موقفنا إزاء الصين. وإنصافا لهاورد، يمكن القول إن حكومته تؤيد الصين، وهو أمر يصب بطبيعة الحال في مصلحتنا\". \r\n \r\n ويرى \"وايت\" أن مواصلة الحفاظ على تلك المصلحة تمثل لحظة مهمة في علاقاتنا مع أميركا، معتبرا أن \"هذا هو أكبر اختلاف في وجهات النظر يحدث بيننا والولاياتالمتحدة منذ أن أصبحنا حلفاء. وفي حين قد أرى خطر تزايد قوة الصين بعيدا في الأفق، يبدو أن الولاياتالمتحدة تراه خطراً قريباً ووشيكا جداً\". \r\n \r\n وإذا كان \"ألان دوبونت\" متفقا على أن ثمة مجموعة من المؤشرات التي تملي ضرورة فتح نقاش حول موضوع الصين باعتبارها تهديدا ممكنا في المستقبل، إلا أنه يبدي معارضته لموقف واشنطن إزاء دول المنطقة حول الطريقة المثلى التي ينبغي التعامل بها مع الصين. وحسب \"دوبونت\": \"أن تختار \"رايس\" أن تجعل التعامل مع الصين مشكلة حتى قبل أن تصل إلى أستراليا، فذلك يؤكد أن المحادثات الثلاثية شهدت اختلافات في وجهات النظر حتى قبل أن تبدأ\". \r\n \r\n \r\n جاناكي كريمار \r\n \r\n مراسلة \"كريستيان ساينس مونيتور\" في سيدني \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"