لكن عندما بدأت القوات الأميركية تواجه مقاومة شرسة راح رجال البنتاجون يقبلون على مشاهدة فيلم \"معركة الجزائر\" الذي يصور مقاومة الجزائريين للاستعمار الفرنسي. غير أن المقارنة مع الجزائر أصبحت أولى ضحايا الحرب بعدما تبين أن المقاومة العراقية محصورة بشكل أساسي في الأقلية السنية التي فقدت سيطرتها على الحكم في العراق. \r\n \r\n واليوم بعدما أصبح العراق على شفا حرب أهلية بين السنة والشيعة في ظل عجز الأميركيين على التحرك واقتصار مهمتهم على حفظ السلام بعدما كانت في البداية نشر الديمقراطية بدأت تروج مقارنة أخرى في دهاليز السياسة الأميركية تشبه الحرب في العراق بالحرب الأهلية اللبنانية. فعلى غرار لبنان يعتبر العراق بلدا متنوعا إلى حد كبير ويمتاز بفسيفسائه الدينية والعرقية التي جمعها تحت سماء واحدة الاستعمار البريطاني. كما أن الجماعات العراقية المختلفة رغم تعايشها السلمي في السابق بدأت تتجه مثل نظيرتها في لبنان إلى التجاذب الطائفي حارمة البلد من وجود مركز قوي. يضاف إلى ذلك أنه في العراق كما في لبنان سابقا أدى الفراغ السياسي الذي أعقب سقوط الديكتاتورية في بغداد إلى بروز ميلشيات طائفية لملء الفراغ وتوفير الحماية للعراقيين المرعوبين، وسرعان ما تحولت الاختلافات الدينية إلى سلاح سياسي يستخدم لحشد التأييد الشعبي. ويزداد التشابه وضوحا إذا عرفنا أن الميلشيات العراقية مثل نظيرتها اللبنانية تتلقى دعما ورعاية من جهات خارجية (الأميركيين والإيرانيين والجهاديين)، وهي الجهات التي تستشعر عن حق بأن مستقبل المنطقة يواجه مخاضا عسيرا. \r\n \r\n ويذكرنا العنف المتفاقم في العراق بأيام بيروت الأليمة حيث التفجيرات الانتحارية التي تستهدف الأسواق العامة وأماكن العبادة، فضلا عن القتل المتبادل بين الميلشيات الطائفية والاختطافات، وإعدام الصحفيين الغربيين. بيد أن التشابه بين الحالتين لا يلغي خصوصياتهما. ففي لبنان على سبيل المثال تعتبر الطائفية أمرا متجذرا في التقاليد السياسية للبلد، بينما في العراق تعد حديثة التشكل، ولم تبرز إلى السطح إلا بعدما رسخ حزب البعث البائد الهيمنة السنية تحت غطاء القومية العربية. بالإضافة طبعا إلى القرارات الخاطئة التي اتخذتها سلطات الاحتلال الأميركي مثل سياسة اجتثاث البعث غير الضرورية والتي أصبحت في عيون السنة لا تختلف كثيرا عن اجتثاثهم هم أنفسهم من السلطة. ويظهر الخلاف أيضا في طبيعة القوى المتصارعة، حيث كان القتال في لبنان يدور بين المسلمين والمسيحيين، بينما في العراق يتقاتل المسلمون السنة مع المسلمين الشيعة. \r\n \r\n كما أن لبنان الذي كان يمتلك واجهة جيدة على البحر دون أن يتوفر على النفط، يختلف عن العراق القابع فوق بحيرة من النفط، لكن دون منفذ بحري جيد. وفي الأخيرة لا ننسى أن الصراع في العراق، كما الاحتلال الأميركي نفسه، إنما يهدف في الأساس إلى السيطرة على احتياطيات النفط الهائلة التي يزخر بها. ومع ذلك تظل جوانب الشبه قائمة بين لبنان والعراق، خصوصا فيما يتعلق بتعزيز دور الشيعة في الحياة السياسية بعد فترة طويلة من التهميش. فقد عرف لبنان أيضا بروزا لدور الطائفة الشيعية بعد سلسلة من التدخلات الأجنبية بدءا من الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 وانتهاء بعمليات حفظ السلام الأميركية والفرنسية التي أيقظت الجماهير الشيعية في لبنان من خلال تشكيل \"حزب الله\" بدعم من إيران وسوريا. وقد تمكن \"حزب الله\" عبر سلسلة من التفجيرات الانتحارية من إخراج القوات الأميركية والفرنسية من لبنان، ثم لاحقا دحر الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. \r\n \r\n \r\n آدم شاتز \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي متخصص في الشرق الأوسط \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"