وما هذا إلا قلب للحقائق. لقد حول عرفات منظمة التحرير الفلسطينية من منظمة «إرهابية» مسلحة هدفها تدمير إسرائيل إلى منظمة تشارك في نضال سياسي ودبلوماسي من أجل تأسيس دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل. في حين أن شارون اشترك في جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل وكان المهندس الرئيسي لسياستها الاستيطانية. \r\n \r\n \r\n واقترن اسمه أيضا بالعديد من المجازر. وغالبا ما تذكر وسائل الإعلام مذبحة صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها الميليشيات اللبنانية في 1982 بالاشتراك مع شارون نفسه ولكنها نادرا ما تذكر تلك المذابح التي ارتكبها وحده بمشاركة حصرية من جانب القوات الإسرائيلية مثل مذبحة قيبيا في1956 ومذبحة ممر ميتلا في 1956 ومذبحة قطاع غزة في 1971 وأخيرا احتلاله الدموي للضفة الغربية. \r\n \r\n \r\n النهج الحالي الذي يتبعه حزب شارون يقول إن قرار الانسحاب الأحادي الجانب من غزة جاء نتيجة تحول شارون الفجائي إلى منهج التهدئة. غير أن المؤرخ الإسرائيلي توم سيجيب يرى الأمر بشكل مختلف: »إن فكرة أن شارون قد تحوّل في نهاية حياته إلى شخص آخر يصنع السلام هي مجرد وهم. \r\n \r\n \r\n أرييل شارون يظل كما هو بلا أي تغيير. فهو جنرال يراقب الفلسطينيين من خلال فوهة بندقية ويعتبرهم أعداءه وليس شركاءه». وتقول السفيرة الإسرائيلية السابقة في باريس إيلي بارنابي: «التحول الرائع في آراء المحللين له علاقة بخطورة وجدية اتجاه معين في الصحافة أكثر من كونه تحولا إيجابيا في شخصية شارون». \r\n \r\n \r\n لقد وصف الخبير العسكري الشهير كارك فون كلوزويتس الحرب بأنها تواصل لمناهج السياسة ولكن بطريقة مختلفة. بيد أن شارون الذي هو وريث دافيد بن غوريون غيّر في هذا القول المأثور. ففي وقت انتخابه في 2001، كان شارون لا يزال متمسكا باعتقاده الذي يفيد بأن »حرب الاستقلال في 1948 لم تنته بعد». وقضى العامين التاليين يعمل من منطلق استعادة السيطرة على الضفة الغربية. \r\n \r\n \r\n ولكن هذا لم يكن كافيا. فقد واجه تحديين آخرين: الأول هيكلي والآخر متعلق بالظروف المحيطة. كان خبراء علم إحصاء السكان قد توقعوا أن غالبية السكان في إسرائيل سيكونون من العرب، ما يعني مشكلة كبيرة لتلك الدولة التي سماها دستورها الرئيسي دولة عبرية ديمقراطية. \r\n \r\n \r\n فهي إما أن تكون قد احترمت الديمقراطية على حساب الهوية اليهودية أو أنها ضحت بالديمقراطية من أجل الحفاظ على تلك الهوية. وبدا أن هناك حلين فقط للمشكلة: إما السماح بإنشاء دولة فلسطينية حقيقية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل أو طرد الشعب الفلسطيني. ورفض شارون الحل الأول واعترف أن الحل الثاني غير عملي في الوقت الحالي. \r\n \r\n \r\n ولذا جاء بحل ثالث في 1998 تمثل في إقامة كانتونات فلسطينية في قطاع غزة وفي جزء من الضفة يحيطها جدار فاصل، وهو الحل الذي يرى شارون أنه يسمح لإسرائيل بضم النصف الباقي من الضفة الغربية لاسيما الكتل التي يعيش بها 80% من المستوطنين. \r\n \r\n \r\n إن الانسحاب الأحادي من غزة كان خطوة في اتجاه تكوين شكل جديد من أشكال الهيمنة الإسرائيلية على فلسطين. وعلى الرغم من كونها خطوة إستراتيجية في الأساس، إلا أنها تنطوي على فائدة تكتيكية. لقد بدأ شارون الانسحاب لأنه شعر بالعزلة. فعلى المستوى الداخلي كان الشعب قد سأم من الصراعات. \r\n \r\n \r\n وعلى المستوى الدولي أعلنت محكمة العدل الدولية في يوليو 2004 عدم قانونية الجدار العازل وأمرت بهدمه، وهو المطلب الذي أيدته بعد ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية أصوات بلغت 150 مقابل ستة أصوات في حين امتنع عشرة أعضاء عن التصويت. \r\n \r\n \r\n وجاء تصويت بلدان الاتحاد الأوروبي ضد بناء الجدار العازل انطلاقا من حقيقة مفادها أن 59% من مواطني تلك الدول قد وضعت إسرائيل على قائمة البلدان التي تهدد السلام العالمي. بل أن شارون خشي مواجهة ضغوط في هذا الصدد من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية. \r\n \r\n \r\n ودعت كل من الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وروسيا، أو ما يسمى باللجنة الرباعية، إسرائيل إلى الالتزام بخارطة الطريق والاستجابة إلى هدنة الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن طريق وقف بناء الجدار. \r\n \r\n \r\n يقول دوف فايسلاف المستشار الأقرب لشارون: «أهمية خطة فك الارتباط تكمن في أنها تتسبب في تجميد عملية السلام. وعندما تجمد تلك العملية فأنت تمنع تأسيس دولة فلسطينية وتمنع مناقشة قضايا عودة اللاجئين والحدود والقدس». \r\n \r\n \r\n وبعد مرور 16 شهرا على ذلك القول، يتبين كيف كان فايسلاف بالفعل محقا في توقعه لما سيحدث. فاللجنة الرباعية التزمت الصمت ووأد الاتحاد الأوروبي تقريره الخاص بضم القدسالشرقية. وأحدٌ لا يزعج إسرائيل الآن بقصة خارطة الطريق. \r\n \r\n \r\n لقد كان نقل 8000 مستوطن من قطاع غزة بمثابة لعبة سحرية رائعة نوّم شارون بها العالم مغناطيسيا. لا أحد يبدو أنه يهتم بأي شكل من الأشكال الآن بمصير الفلسطينيين. وعلى الرغم من ذلك وبحسب تقارير حركة «السلام الآن»، زاد عدد المستوطنين ب 6100 فرد مقارنة بالعام الماضي ليصل العدد الإجمالي إلى 000,250 في الضفة الغربية. \r\n \r\n \r\n كما أنه تسارعت وتيرة بناء الجدار العازل.، إذ اكتمل بناء نصفه الآن، أو يمكن القول إنه بطريقه إلى الاكتمال. ويقوم الجيش الإسرائيلي بمزيد من أعمال القتل والتفجير وإغلاق المناطق وإهانة المسافرين من خلال أكثر من 750 نقطة تفتيش. وعلى الرغم من ذلك لا أحد ينبس ببنت شفة. \r\n \r\n \r\n لقد أعمانا وهم السلام عن القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة وهدف إقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس. طوال أعوام كثيرة كانت فرنسا تؤيد إسرائيل. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق ديغول هو من غيّر السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط. \r\n \r\n \r\n \r\n وبعد ستة أشهر من حرب 1967 توقع أن احتلال إسرائيل للأراضي التي غزتها لا يمكن أن يأتي من دون قهر وطرد للسكان الأصليين وأن هذا القهر سيقابله مقاومة ستصفها إسرائيل ب «الإرهاب». واستمر خلفاؤه على هذا النهج: جورج بومبيدو وفاليري جيسكارد ديستان وبحكم العادة فرانسوا ميتران. فقد كان كل هؤلاء على قناعة بأن حق تقرير المصير الفلسطيني هو وحده الذي يمكن أن يحقق السلام. \r\n \r\n \r\n وأثناء العقد الأول من رئاسته، التزم جاك شيراك بهذا الخط. ولكنه في يوليو الماضي بسط السجاد الأحمر لشارون الذي لم يعد، بشكل مفاجئ، شخصا غير مرغوب به في فرنسا. ولم يكن شيراك في حاجة إلى استخدام مرض شارون كذريعة ليمنحه صفة «رجل سلام» وذلك حتى على الرغم من أن بوش قد سبقه إلى الوصف ذاته. \r\n \r\n \r\n وبعيدا عن النفاق الملحوظ الذي ينطوي عليه الموقف الفرنسي، فإن ما يُلاحظ بشدة في هذا الصدد هو التضارب بين الصمت المطبق الذي تلتزمه فرنسا حيال الظلم والاضطهاد الذي يحدث في فلسطين وبين تعاونها المستمر والمتنامي مع الحكومة الإسرائيلية، وهو التعاون الذي يظهر من خلال الزيارات المتبادلة بين الوزراء. \r\n \r\n \r\n هناك تناقض واضح ينم عنه اشتراك شركتين فرنسيتين، وهما شركتا ألستوم وكونيكس، في بناء خط مطار يربط بين القدس ومستوطنتي بيسجات زئيف والتل الفرنسية، وهما المستوطنتان اللتان أدانت فرنسا بناءهما باعتبارهما غير قانونيتين. \r\n \r\n \r\n وفي أعقاب أعمال الشغب التي وقعت في فرنسا في أكتوبر ونوفمبر الماضيين، دعا وزير الداخلية الفرنسي وزير الأمن العام الإسرائيلي وقائد الشرطة الإسرائيلي إلى زيارة باريس. وبحسب صحيفة «هآرتس» فإن الغرض من الزيارة كان أن يقوم المسؤولان بشرح الدروس التي تعلماها أثناء عمليات مكافحة أعمال الشغب التي تقع في أراضيهما». \r\n \r\n \r\n وأضافت الصحيفة بكل خبث أن الفرنسيين «كانوا مهتمين بالخبرة والقدرات الإسرائيلية في هذا الصدد». الأمر هنا يتعلق بأكثر من مجرد منطقة الشرق الأوسط. ففي 2004، قاد شيراك المعارضة الدولية لمغامرات بوش. وفي 2005 أصبح صديقا لبوش. \r\n \r\n \r\n وابتداءً من قضية أفغانستان وانتهاءً بالقضية الإيرانية يتبع شيراك الخط الأميركي بل إنه يأخذ بزمام المبادرة فيما يتعلق بسوريا ولبنان. ويمكن القول بكل تأكيد إن تغير موقفه حيال إسرائيل والفلسطينيين هو أمر له دوافع سياسية. فمع اقتراب الانتخابات يخضع القادة الفرنسيون إلى محاولات الابتزاز التي ظلت طوال خمسة أعوام تصف أي طرف ينتقد السياسة الإسرائيلية بأنه معاد للسامية. \r\n \r\n