لكنه في اليابان وحدها, التي تطمح صراحة الى التمتع بمكانة اكبر في الشؤون الدولية, تتعقد الحسابات بفضل سياسة خارجية, وهوية ذاتية, التحمت مع بعضها على اساس من المعارضة الاخلاقية لانتشار الاسلحة النووية. \r\n تحتل اليابان موقعا متفردا بين الامم في هذا الخصوص, لكنها الدولة الوحيدة في العالم التي عانت من هجوم نووي, وذلك بقصف الولاياتالمتحدة به كلا من هيروشيما وناكازاكي خلال الحرب العالمية الثانية. وقد اشتعلت, في السنوات الاخيرة, الذاكرة الجماعية للمعاناة, من ظهور تهديد نووي من كوريا الشمالية, التي تتفاخر قيادتها بمخزونها الذري, وتعلن عن استعدادها لان تفعل باليابان ما هددت به ايران لاسرائىل: اي محوها من على الخارطة. \r\n في هذا الشأن, يقول تسوتومو تويتشي, المدير الاداري لمعهد اقتصاديات الطاقة الياباني, »انها معضلة بالغة الصعوبة بالنسبة لليابان, وذات حساسية كبيرة داخل الحكومة«. ويضيف تويتشي ويقول بان وصول سعر برميل النفط الى 70 دولارا, يشق على العديدين من اليابانيين. ومع ذلك, فهذه بلاد يظل احتراق هيروشيما وناكازاكي فيها, وقتل ما يزيد على ربع مليون انسان, ذا تأثير قوي في الرأي العام. وقال »ما يزال الجمهور العام الياباني قلقا تماما من تطوير وانتاج الاسلحة النووية, خاصة من الخطر الحقيقي الاتي من كوريا الشمالية«. \r\n انه تصادم المصالح الوطنية الذي ترك الحكومة اليابانية عاجزة عن القيام باكثر من الحذو حذو الاخرين الذين اخذوا موقع القيادة, معبرة بكياسة عن املها بان تتراجع ايران عن خططها, وإلا لن تؤخذ هذه الحكومة على محمل الجد كلاعب رئيسي على الساحة الدولية. \r\n ويوم الثلاثاء الماضي, ابلغ رئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي الصحافيين في مقر اقامته الرسمي, وفي اول تعليق له هذا العام على الازمة الايرانية, بانه »من الاهمية بمكان ان تجيب ايران بصدق وامانة عن برامج التطوير النووي المشتبه بها لديها. وستتعاون اليابان مع المجتمع الدولي في اقناعه بالتعاطي السليم مع شكوكه النووية«. \r\n وتتماشى محاذير كويزومي مع محاذير حكومته, اذ اوحى وزير خارجيته تارو آسو, الاسبوع الماضي, بان الاحالة على مجلس الامن لن تؤدي على الارجح الى فرض عقوبات اقتصادية على ايران على المدى القريب. غير ان الكثير من المسؤولين في مجالي التجارة والطاقة في طوكيو قلقون من ان الازمة النووية الايرانية تضع تزوّد ايران بالمحروقات في حال المجازفة والخطر. ذلك ان اليابان تستورد كل مواد الطاقة فيها -حتى ان صناعة الطاقة النووية الهائلة فيها تدار باليورانيوم المستورد- وتتبارى مع منافسيها, بخاصة مع الصين, للحصول على موارد جديدة لها. \r\n وايران هي ثالث اكبر مورّد للنفط الى اليابان, وبما يساوي 16 بالمئة من احتياجاتها. ومن المتوقع لهذه الكمية ان تزداد على نحو بارز, عندما يبدأ الحفر في مشروع ضخم لتطوير حقل »أزاديجان« النفطي المتعدّد. \r\n يعتبر حقل أزاديجان احد اكبر الحقول الحاوي لاحتياط (مخزون) نفطي لم يتمّ ضخّه بعد. ويقدّر مخزونه بحوالي 26 مليار برميل. وكانت اليابان تأمل بأن يبدأ الحفر في الموقع هذا العام, وبالرغم من ان تعليق المشروع قد جرى بسبب الخلاف حول تنظيف المنطقة من الألغام الارضية, بقايا الحرب مع العراق في الثمانينيات. \r\n على ان مجموعة متنفّذة من المسؤولين في قطاعي التجارة والطاقة في طوكيو تُقرّ بأن مشروع أزاديجان قد يقلّص اعتماد اليابان على نفط دول الخليج, التي تزّود اليابان بأكثر من نصف وارداته منه. وكان هؤلاء المسؤولون قد بدأوا مفاوضات تطوير الموقع منذ اكتشافه قبل ست سنوات تقريبا, معارضين بذلك الضغوط الامريكية الداعية الى تجنّب العمل مع طهران. وفي عام ,2004 عقدوا اتفاقية تخوّل شركة »انبيكس« النفطية اليابانية, التي تملك الحكومة حصة كبيرة من اسهمها, حوالي 75 بالمئة من حقوق تطوير الحقل. \r\n ويلاحظ النقّاد ان معارضة واشنطن للمشروع تبدّدت في عام ,2004 وفي تزامن تقريبي مع ارسال اليابان فرقة من جنودها للمساعدة في اعادة اعمار العراق. ومع هذا, فإن حكومة كويزومي كانت راغبة عن الانضمام الى الولاياتالمتحدة في تهجمّها العلني على ايران. وفي هذا الصدّد, قال أكيرا تشيبا, المتحدث باسم وزارة الخارجية اليابانية, »نريد للايرانيين ان يتراجعوا, واليابان ملتزمة 100 بالمئة بحظر انتشار الاسلحة النووية. لكن المسألة تكمن في كيف يتمّ ذلك. اما توجيه ضربة لايران في الوجه, فلا تميل وجهة نظرنا في »كيف يتمّ ذلك«. \r\n ان هذا التقرّب الحذر فسّر عدم تعليق كويزومي, في الشهر الفائت, على استئناف ايران لبعض نشاطاتها النووية. ولم يُقْدمْ أي من كبار الزعماء اليابانيين على ادانة تصريحات الرئيس الايراني, محمود احمدي نجاد, في العام المنصرم, بأن الهولوكوست كان »خرافة«, وانه يجب »محو اسرائيل من الخارطة«. اما اشارة الاحتجاج الياباني الوحيدة, فطرحت في لقاء خاص مع السفير الايراني في طوكيو, الذي كان قد استدعي للقاء بعض المسؤولين في وزارة الخارجية. \r\n على ان الصمّت الياباني لم يسكت عنه الاسرائيليون, الذين برمجوا لطرحه على كويزومي اثناء زيارته, التي كانت مقرّرة, للشرق الاوسط في شهر كانون الثاني, ثم الغيت بعد اصابة رئيس الحكومة الاسرائيلية أرييئل شارون بجلطة دماغية. \r\n ويقول ديبلوماسيون ليس مهمّاً مستوى الفتور الذي تحاول طوكيو به الابقاء على ديبلوماسيتها متواصلة. اذ من غير المتوقع ان تنجو اليابان من اي ارتجاع ان حاولت طهران استعمال سلاحها النفطي عقابا للذين يعارضونها. فقال تويتشي, »انهم قلقون من الطريقة التي ستردّ بها ايران عليهم. اما الحكومة اليابانية, فتبذل كلّ ما بوسعها لإقناع الايرانيين سرّاً بالتراجع. لكنني لست متأكداً من درجة الجدّية التي ستأخذ بها ايران هذه المجازفات«.