فإسرائيل تتمتع اليوم بإجماع عريض جدا باتجاه الوسط - ربما للمرة الاولى منذ ان كان ديفيد بن غوريون رئيسا للوزراء - ويبدو الرأي العام مستعدا لفك الارتباط مع الفلسطينيين ، والانسحاب بكثافة من الضفة الغربية ، ونفض اليد عن التدخل في شئون الفلسطينيين ؛ وقد يكون ارييل شارون هو من شكل هذا الاجماع ، او ربما ادرك انه موجود ، وبحاجة الى زعيم ليرشده ويبدو خليفته الطبيعي ، ايهود اولمرت ، عازما على السير على نهجه . \r\n على النقيض ، صوت الفلسطينيون لصالح اعادة صياغة السلطة الفلسطينية بانتخاب حماس ، تلك الحركة التي ترفض مفهوم السلام في حد ذاته مع الاسرائيليين - او حتى طلاقيا تفاوضيا من الاسرائيليين ، والذي تدور حوله خطة فك الارتباط اصلا . \r\n وإذ عبر 77% من الإسرائيليين في استطلاع رأي عن اعتقادهم بأنه قبل الانتخابات الفلسطينية كان هناك شريك سلام فلسطيني ، ربما جاء فوز حماس المفاجئ فقط ليعزز من الرغبة الاسرائيلية نحو الفصل احادي الجانب ؛ والمشكلة بالطبع هي ان هذا الفصل ، او فك الارتباط ، ليس طرحا بسيطا ، خاصة فيما يتعلق بالضفة الغربية فعلى العكس من غزة ، حيث المسافات بعيدة عن المدن الاسرائيلية الرئيسية الكبرى ، تعتبر الضفة الغربية قريبة للغاية بحيث انها تشكل هواجس امنية جدية للاسرائيليين فهل تضمن اسرائيل ان صواريخ القسام قصيرة المدى لن تطلق من الضفة الغربية على مدنها وتجمعاتها ؟ هل ستحتفظ اسرائيل ، حتى لو اتخذت الخطوة المؤلمة بإخلاء المستوطنات من جزء كبير من الضفة الغربية ، بوجود عسكري او جاهزية للتدخل السريع لاجهاض هجمات ارهابية من المناطق الفلسطينية ؟ \r\n برغم اعترافهم بتعقيد الاجابة على تلك الاسئلة ، سيواصل الاسرائيليون على الارجح طريقهم على اي حال ، بالنظر الى الرغبة الشعبية لحسم المشاكل الديموغرافية ووضع حدودها وتحديد مستقبلها بدون ان يكونوا رهينة بيد العجز او الرفض الفلسطيني الصريح . \r\n واذا كانت حماس بغريزتها تفضل تفادي التعاون من اسرائيل ، فإنها ستجد ان الحكم يشكل لها عددا من المعضلات ، حيث ان اسرائيل هي التي تمد الفلسطينيين بالكهرباء والمياه وهي التي تجمع الضرائب وعائدات الجمارك التي توفر معظم الاموال المطلوبة للصرف على الجهاز الاداري الفلسطيني ، واسرائيل هل التي تتحكم تقريبا في منافذ الدخول من والى الاراضي الفلسطينية. \r\n هذا ويتوجب على حماس ان تواجه حقيقة واحدة اخرى وهي انها ترشحت وفازت على اساس برنامج للاصلاح وتوفير حياة افضل للفلسطينيين ، ولكن الحياة لن تتحسن على الارجح ما لم تحصل حماس على الهدوء الذي تحتاجه لاعادة بناء المجتمع - وهو الامر الذي سيتطلب التعامل مع الفساد المزمن وغياب القانون ، وتوفير خدمات اجتماعية وتطوير اقتصاد يوفر فرص عمل ويعد بمستقبل افضل وحين يعلن قادتها أن حماس ستضع سياسة اجتماعية جديدة ، وسياسة صحية جديدة ، وسياسة اقتصادية وصناعية جديدة ، فإنهم بذلك يرفعون من سقف التوقعات , فهل بوسعهم ان يوفروا كل ذلك اذا كانوا في حالة حرب مع اسرائيل ؟ \r\n ان قادة حماس الخارجيين ، مثل خالد مشعل المقيم بدمشق ، سيضغطون من اجل العودة الى السلاح قريبا ، لاسيما وأن من يساندونهم في ايران يحضون على انتهاج هذه المسار وربما يربطون زيادة التمويل بذلك ؛ وأما القادة المحليون مثل محمود الزهار واسماعيل هنية ، الذين يعيشون في غزة ويتوجب عليهم التعامل مع حقائق الحياة اليومية ، فربما يكون لهم اولويات اخرى وإذ يتشاركون في رفض اسرائيل ، فإنهم قد يسعون على الاقل لاجراء حوار غير مباشر مع الاسرائيليين للحفاظ على الهدوء ، والنظر فيما يمكن ان تقدمه اسرائيل لهم وقد قال الزهار بالفعل: انه اذا كان لدى اسرائيل شيء تعطيه للشعب الفلسطيني ، فسوف ندرسه ، ولكننا لن نعطيها اي شيء مجانا . \r\n ان الموقف الاسرائيلي (وموقف المجتمع الدولي ايضا) ينبغي ان يكون عكسا لهذه المقولة ، بمعنى ان حماس لن تحصل على شيء بالمجان ؛ عليها ان تثبت انها ستتغير ؛ وقد ترغب في الهدوء حسب احتياجاتها الخاصة ، لكنها ستحاول استغلال هذا الهدوء الضروري للحصول على الاعتراف من الخارج والبضائع من الاسرائيليين . \r\n قد تجد كل من حماس والاسرائيليين علاقة الامر الواقع مفيدة فإسرائيل ستكسب الهدوء وتستمر في استكمال جدار الفصل ، وحماس تحصل على الحرية للتركيز على اعادة البناء الداخلي يبدو ذلك منطقيا ، لكنه لن يدوم الا اذا كفت حماس عن بناء وتكديس صواريخ القسام والقنابل ، ومنعت الهجمات الارهابية من جانب الجهاد الاسلامي وكتائب شهداء الاقصى ، واوقفت تهريب الاسلحة الجديدة والمحسنة الى غزة والضفة الغربية اسرائيل لن ترضى بهدوء يعطي حماس كل الفوائد وفي الوقت نفسه من دون اي مقابل فالهدوء الذي تخترقه اعمال العنف (وبناء قدرة على القيام بأعمال إرهابية أكبر لاحقا) ليس هدوءا بالنسبة للإسرائيليين ؛ هم سيعملون على اجهاض الهجمات واي بناء لبنية أساسية ارهابية في الوقت نفسه ، يمكن افتراض ان حماس لن تسعى الى تقديم القليل وتحصل على الكثير. \r\n بيد انه لا يجب اعفاءها من المسئولية ؛ لا يمكن السماح لحماس بالتهرب من عمل اختيارات ؛ فأى أمل في رؤية هذه الحركة الفلسطينية تتحول بفعل حقائق وصولها الى الحكم سوف يذهب ادراج الرياح لو ان منظريها أظهروا أن ذلك التغير غير ضروري وفي وقت ما ، قد تسمح اسرائيل لبعض الفلسطينيين غير المنتمين لحماس بالوساطة لبحث امكانية وجود علاقة بحكم الواقع ، ولكن شروط اسرائيل ستكون واضحة ، خاصة في الناحية الامنية . \r\n أما الولاياتالمتحدة فيجب الا تكون اقل وضوحا فيما يتعين على حماس فعله اذا كانت تريد ان تقيم علاقة مع المجتمع الدولي فحماس ستسعى لهذه العلاقة من جانبين: اقامة علاقات مع العالم الاوسع وفي الوقت نفسه تحتفظ بمبدأها الأساسي لرفض إسرائيل وتأييد العنف ؛ لكن الحلول النصفية والصيغ الغامضة غير مقبولة على حماس ان تعترف بحق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية ، وتنبذ العنف ، وتلتزم بوقف كافة اشكال الارهاب ويتعين ان يركز الدور الاميركي على صياغة اجماع حول هذه الشروط ، ويضمن عدم تآكلها بمرور الزمن في النهاية ، فإن ما سيحدث في الواقع بين إسرائيل وحماس شيء ، لكن ما يؤكد عليه المجتمع الدولي يجب أن يكون شيئا آخر. \r\n دينيس روس \r\n مستشار معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومؤلف كتاب (السلام الضائع) ومنسق سابق للسلام في الشرق الأوسط \r\n خدمة لوس انجلوس وواشنطن بوست - خاص بالوطن