وعلى الرغم من التقدم الذي شهدته مؤخرا ثلاث قارات إلا ان عددا قليلا هم الذين أولوا الموضوع ما يستحقه من الاهتمام.وفي كل مثال نجد اشخاصا عاديين بيد أنهم يتمتعون بشجاعة غير عادية حملتهم على الذهاب إلى أبواب المحاكم وطرقها بقوة في محاولة لتقويم اعوجاج وظلم من قبل الحكومات.وفي كل مرة جاءت استجابة القضاء سواء في أفريقيا أو أوروبا أو أميركا اللاتينية لتثبت أن الحكمة والمنطق والإنسانية لم تفارق بعد عالمنا المعاصر وكانت الأحكام داعمة لإرساء مبادئ حقوق الإنسان كما كانت علامة على أن المحاكم المستقلة يمكنها أن تقف في صف العدل دون تحيز او محاباة. \r\n والواقعة الاولى تأتينا من جمهورية الدومينيكان حيث ترفض الحكومة هناك منذ عقود منح عشرات الآلاف من الأشخاص الذين ولدوا على أراضي الدومينيكان غير أن أصولهم من هاييتي غالبا ما تكون بشرتهم أكثر ميلا الى السواد - ترفض منحهم الجنسية وما يرتبط بها من حقوق المواطنة وذلك على الرغم من الوعود التي ينص عليها الدستور من منح الأشخاص الذين يولدون على أراضي الدومينيكان جنسية الدولة.وفي السابع من اكتوبر الماضي جاء الحكم من محكمة حقوق الإنسان داخل أميركا - وهي محكمة إقليمية تتولى الفصل في المنازعات القضائية في قارتي أميركا الشمالية والجنوبية- حيث قضت للمرة الأولى بأن الحكومات عليها أن تمتنع عن التمييز بين الأشخاص في منح الجنسية على أسس عرقية. وجاء في حيثيات الحكم أن سياسات التفرقة العنصرية يتمخض عنها وجود آلاف الأشخاص دون جنسية وهو ما يمثل خرقا لقواعد القانون الدولي.وقد أصدرت المحكمة أوامرها للحكومة الدومينيكية أن تصلح نظام تسجيل المواليد وأن تفتح أبواب المدارس أمام جميع الأطفال دون تمييز ومن بينهم ذوي الاصول الهاييتية وأن تقوم بدفع تعويضات مالية.ولم تمض سوى ثلاثة أسابيع حتى رددت محكمة أخرى في العاصمة البلغارية صوفيا أصداء محكمة الدومينيكان وكذا قرار المحكمة الأميركية العليا حيث أصدرت محكمة صوفيا حكما يقضي بعدم شرعية قوانين التفرقة العنصرية في نظام التعليم. والقضية التي أثيرت في بلغاريا وحركت تلك الدعوة تتعلق بالمدرسة رقم 103 التي تقع في فيليبوفتسي حيث تعيش الأقلية الرومانية،ومثلها مثل باقي مدارس الأقليات في بلغاريا فهذه المدرسة لا يلتحق بها سوى الطلاب الرومان وهي مدرسة تعاني من ظروف مادية قاسية كما أن الأداء التعليمي بها دون المستوى. وقد ذكرت المحكمة أن أساليب التفرقة العنصرية التي تنهجها المدرسة تمثل خرقا للقوانين الجديدة التي سنتها بلغاريا والتي تحظر التفرقة.وقد جاءت تلك القوانين لتتماشى مع المتطلبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي على الدول الأعضاء حيث تسعى بلغاريا الى الانضمام الى قافلة دول الاتحاد. وقرار المحكمة الأخير لا يقتصر بالطبع على المدرسة 103 بل يطول آلاف الأطفال الرومان المنتشرين في ربوع أوروبا في مدارس من الدرجة الثانية حيث لا تتاح لهم فرص تعليم جيدة.وأخيرا قبل عدة أيام تبنى أحد القضاة في المحكمة العليا في نيجيريا دعوى لرفع اللجوء السياسي الذي منحته بلاده لحاكم ليبيريا السابق الذي يعد أحد امراء الحرب وهو تشارلز تايلور . ففي مارس 2003 أدين تايلور من قبل المحكمة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والخاصة بسيراليون وذلك لتورطه في جرائم قتل واغتصاب وتشويه خلال الحرب الأهلية التي استمرت قرابة عقد من الزمن في سيراليون . وعقب فترة وجيزة منح تايلور حق اللجوء السياسي من قبل الرئيس النيجيري أوباسانجو ومنذ ذلك الحين وهو يعيش في مسكن خاص بمدينة كالابار.وفي مايو 2004 تقدم مواطنان نيجيريان الى محكمة نيجيريا العليا بطلب لنزع حق اللجوء السياسي الممنوح لتايلور وانتهى أمر الرجلين بقطع ذراعيهما على أيدي جنود تابعين للجبهة المتحدة الثورية المؤيدة لتايلور. وكان المواطنان قد دعيا بدلا من منح تايلور اللجوء السياسي إلى مثوله امام القضاء . وجاء قرار المحكمة العليا برفض اعتراضات الحكومة وأن المدعيان لهما الحق في رفع دعواهم طالما أن تايلور ما يزال يتمتع باللجوء السياسي .ومهما يكن الأمر فقرار المحكمة يمثل وقفة مستقلة للقضاء في وجه تيارات سياسية قوية. فماذا عسانا أن نقرأ من تلك الوقائع التي عرضنا لها ؟ أولا في عصر بات خيار اللجوء الى القوة لإنها النزاعات يحتل قائمة الخيارات المطروحة بيد أن تلك النماذج تثبت أن القانون كما طبقه بعض القضاة الشرفاء ما يزال يحتفظ بمكانته. الأمر الثاني علينا ألا نجحف قدرات المجتمع المدني فجميع الأمثلة التي سقناها كانت وراءها قوى من المجتمع المدني ثابرت للوصول الى هدفها المنشود سواء أفراد أو مجموعات خاصة تبذل المساعدات أو محامون يعملون مقابل دخل محدود ويتعرضون لأخطار جمة.وتبقى الأسئلة الآن : هل ستضع بلغاريا حدا للعزل العرقي في نظامها التعليمي ؟ وهل ستمنح جمهورية الدومينيكان الجنسية للأقلية التي تعيش على أرضها من أصل هاييتي؟ وهل ستقدم نيجيريا تايلور للمثول أمام المحكمة الخاصة بسيراليون؟ فلننتظر ما ستكشف عنه الأيام ومعنا مؤيدي سيادة القانون. \r\n جيمس غولدستون \r\n المدير التنفيذي لمبادرة عدل المجتمع المفتوح التي تدعم اصلاح القانون على أسس حقوق الإنسان \r\n خدمة انترناشونال هيرالد تربيون خاص ب(الوطن)