اندلع العنف في القرية على الفور, واطلقت رصاصات تحذيرية على جمع من الاطفال الذين راحوا يرمون القادمين بالحجارة استجابة لاوامر شيوخ القبيلة الذين استدعوهم من المدارس خصيصا للقيام بذلك العمل حسب ما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الداخلية الاسرائيلية, اما نايف ابو سبيت, عضو جمعية المقيمين في القرية, فيقول ان سبب العنف هو قيام احد افراد الشرطة الاسرائيلية بضرب عمه احمد الذي كان يحاول التوسع بين قوة من 65 شرطيا يضعون الخوذات ويحملون دروع الوقاية وحوالي 200 شخص من ابناء القرية الغاضبين. ويضيف نايف ابو سبيت بأن الشرطة الاسرائيلية اعتقلت 16 شخصا من ابناء القرية, واصابت 18 شخصا آخرين من ضمنهم تسع نساء بالضرر نتيجة عملية الضرب بالهراوات. \r\n تقول فاطمة ابو سبيت, احدى الجدات المعمرات في القرية والتي تبلغ الثالثة والتسعين من العمر, انها هي الاخرى قد تلقت الضرب من هراوات الشرطة الاسرائيلية. لكن ذلك لم يمنعها من ان تتذكر بالحنين الزمن القديم عندما كان بوسع البدو الانتقال بحرية في عموم فلسطين وراء الكلأ والمرعى من ايام الانتداب البريطاني. تقول الجدة فاطمة: »كانت الحياة على ايام البريطانيين افضل, اذ كانت لنا حرية الانتقال الى حيث نشاء«. والواقع ان البريطانيين, برغم كل ما فعلوه لاثارة نقمة اليهود والعرب معا ايام الانتداب, كانوا قد اقروا بحق البدو في ملكية الارض التي نزلوا بها منذ 400 عام خلت يوم قدموا الى فلسطين من شبه الجزيرة العربية. وفي السجلات البريطانية الرسمية سجل يعود تاريخه الى عام 1923 ويحمل اسم »تقارير قانونية عن فلسطين« ينص على ان »وزير المستعمرات البريطانية السير وينستون تشرتشل قد اكد بحضور المندوب السامي هربرت صموئيل بأن ملكية الارض في بئر السبع التي تحدد بموجب القانون العرفي معترف بها من قبل الحكومة البريطانية«. \r\n لكن اسرائيل قد رصدت منذ زمن طويل الكثير من اراضي النقب لغرض تطويرها لصالح المهاجرين اليوم ومن قبلهم. وقد اوجز القائد العسكري والزعيم السياسي الاسرائيلي موشي دايان قبل اكثر من اربعين عاما بوضوح تام خطة »التحول الحاد« التي وضعها للنقب قائلا: »علينا ان نحول البدو الى عمال حضريين.. الامر الذي يعني ان البدوي لن يعيش بعد الآن في ارضه مع ماشيته واغنامه, بل سيتحول الى حضري يعود الى منزله من العمل عصرا ويخلع حذاءه ويرتدي النعل في المنزل. وسوف يعتاد ابنه على صورة الاب الذي لا يتحزم بالخنجر ولا يستخرج القمل من رأسه امام الآخرين. انما سيتعودون رؤيته وهو يرتدي البنطال. كما سيتعودون هم على الذهاب الى المدرسة وقد سرحوا شعرهم وفرقوه. ستكون تلك ثورة. لكنها ستحتاج الى جيلين كي تتحقق, ليس بالاكراه ولكن بتوجيه من الدولة, وسيكون على هذا الواقع المسمى بالبدوي ان يزول«. \r\n قرية بير المشاش واحدة من 37 قرية غير معترف بها في اسرائيل تريد الحكومة الاسرائيلية ان تنقل سكانها الى قرى وبلدات مخصصة لهم. وعلى الرغم من ان البدو ينتقلون سنويا الى المراعي الصيفية القريبة عليهم, فانهم لم يعودوا يعيشون الحياة البدوية القديمة حيث يستقرون الآن في قرى تتوزع على امتداد الصحراء. \r\n هذه القرى لا تظهر في الخرائط الاسرائيلية ولا في بطاقات الهوية التي يحملها سكانها. كما لا توجد علامات طريق تدل عليها. والدليل الوحيد على وجودها هي تلك اللافتات الصفراء التي تنتصب على الطريق الخارجي والتي تحمل عبارة تقول: »احذر الجمال على الطريق«. ليس في هذه القرى ماء جار, كما انها ليست مربوطة بالشبكة الكهربائية. . وفي تناقض صارخ بينها وبين اصغر الكيبوتسات في اسرائيل فإنها جميعا, باستثناء ثمانية فقط, تفتقر الى اي نوع من العيادات الطبية. الطرق التي تقود اليها طرق ترابية في اغلب الاحوال. وما دامت القرى غير مسجلة رسميا في اسرائيل فإن جميع منازلها لا تملك ترخيصا الامر الذي يمكن وزارة الداخلية من هدمها متى شاءت. \r\n في الدعاوى القضائية التي رفعها ابناء تلك القرى رأت المحكمة العسكرية العليا في اسرائيل في حالتين مثبتتين ان الحكومة الاسرائيلية تنظر الى الظروف المتردية في تلك القرى كدافع اضافي يساهم في حمل البدو على تركها. في الحالة الاولى نظرت المحكمة العليا في طلب تقدمت به منظمتان غير حكوميتين هما اطباء لحقوق الانسان وجمعية الحقوق المدنية يخص حالة الطفلة ايناس الاطرش البالغة من العمر ثلاث سنوات والتي تعيش مع اهلها في قرية »ساوة« وهي احدى قرى البدو في النقب. تعاني ايناس من سرطان الصدر وتحتاج الى ادوية تحتاج الى الحفظ في الثلاجة. لكن والدها, وهو نفسه طبيب في وزارة الصحة الاسرائيلية, لا يستطيع تحمل كامل كلفة المشاركة في المولد الكهربائي الذي يشغل لمدة 4 ساعات في اليوم. وقد طالبت المنظمتان المذكورتان بربط منزل العائلة بالشبكة الكهربائية وقالتا ان اضطرار الطفلة ايناس الى ان تدفع من صحتها ثمن السياسة التمييزية التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية في التعامل مع قرى البدو يعتبر انتهاكا لحقوقها المدنية وحقها في الحصول على الرعاية الصحية. لكن الرد الرسمي للمحكمة كما ثبته القاضي ادموند ليفي كان: »ليس بوسع المرء ان يتجاهل كون اسرة المريضة هي التي اختارت السكن في قرية غير معترف بها مع علمهم بأن النتيجة ستكون عدم قدرتهم على الحصول على الخدمات الاساسية«. \r\n في الحالة الثانية تقدمت مجموعة من المنظمات, بضمنها منظمة اطباء لحقوق الانسان, بطلب ضد قيام ادارة الاراضي الاسرائيلية برش المحاصيل العائدة للبدو بمبيدات شديدة السمية للقضاء على الادغال, وجاء في ذلك الطلب ان ادارة الاراضي ترمي من وراء ذلك الى منع البدو من زراعة محاصيل ثابتة يمكن ان تعزز مطالبتهم بحق تملك تلك الاراضي. لكن محامي الحكومة الاسرائيلية دافع بقوة عن ممارسات ادارة الاراضي باعتبارها واحدة من افضل الطرق لفرض القانون ومنع تفشي »الفوضى« في استخدام الاراضي. \r\n لكن البدو لا يريدون الرحيل عن تلك القرى, ويشير ممثلوهم الى ان الارض التي يمتلكها البدو لا تتجاوز, حسب تقديرات مراقب الحسابات العام في اسرائيل, مساحة 87.5 الف ايكر من اراضي النقب, وان ما يشغله البدو فعلا في تلك الاراضي هي بحدود 60 الف ايكر فقط وان القرى غير المسجلة لا تشغل سوى 45 الف اكُر اي حوالي 1.3 بالمئة من كامل مساحة النقب. وهم يجادلون بأن الاعتراف بقراهم وتحسين اوضاعهم لن يحول دون بقاء مساحات واسعة من ارض النقب لتطوير ما يسمى بالزراعة اليهودية. \r\n يتعارض الواقع المعاشي للبدو مع حقيقة كونهم, من الناحية الرسمية, مواطنين اسرائيليين. وفي اسر مثل اسرة ابو سبيت, على سبيل المثال, يوجد الكثير من المتطوعين في الجيش الاسرائيلي, حيث يقدم البدو خدمات متميزة في مجال تتبع الاثر الذي يعتبر من مهاراتهم التقليدية الموروثة.. وغالبا ما كانوا يرسلون الى المواقع الخطرة مثل حدود اسرائيل الجنوبية مع غزة. يقول احمد ابو سبيت: »اريد ان اقول لحكومة اسرائيل اننا جزء من دولتهم, لكنهم يرفضوننا. قبل 1948 كنا فلسطينيين. وعندما جاء الاسرائيليون الغوا هويتنا الفلسطينية. وانا احمل هوية اسرائيلية وانا مواطن اسرائيلي, لكني مواطن من الدرجة الثانية«. \r\n يخشى البدوي الانتقال الى اي من البلدات السبع التي اقامتها لهم الدولة في اواخر الستينات والتي تفتقر بدورها لكل شيء باستثناء الحد الادنى من الخدمات. يقول سليمان ابو ستيت البالغ من العمر 46 عاما: »هنا, انا بين اخواني, اما هناك فلا اعرف احدا. لا يهمني ان انام في خيمة او في العراء. فأنا لست بذاهب الى هناك«. يضع سليمان اصبعه على قضية حساسة جدا. ففي القرى البدوية الحالية تخصص كل قرية لسكن ابناء العائلة الكبيرة الواحدة. وهو امر لا يمنع حدوث الشقاق بين كل السكان فحسب, انما يسمح للنساء بالتنقل بحرية داخل القرية لعدم وجود الغرباء. \r\n لكن كلينتون بيلي, الخبير الاسرائيلي لشؤون البدو الذي قاد حملات لمناصرتهم في مطلع التسعينات, يعتقد ان قدر البدو هو الاستقرار اخيرا في تلك البلدات. وقد حملته نشاطاته المتعددة في الترافع لصالح البدو مع الحكومة الاسرائيلية الى ان جميع المسؤولين يساندون مشروع دايان بمن فيهم اريئيل شارون الذي هاجم المشروع في حينه والذي بات اليوم يعتقد بأن الجزرة والعصا يحب ان تستخدما معا لاجلاء البدو من اراضيهم. ويرى بيلي ان حوالي ملياري دولار من اصل 17 مليار دولار رصدها شارون وشمعون بيريز لمشروع تنموي ضخم يوفر المزيد من المساكن والمشاريع الصناعية والزراعية لليهود في النقب سوف تصرف لتسهيل ترحيل البدو عن القرى غير المعترف بها. \r\n اورلي آلمي, العضو في منظمة اطباء لحقوق الانسان في اسرائيل, ترى ان »الحكومة الاسرائيلية تستخدم المزيد من القوة وتصدر المزيد من اوامر هدم البيوت. وسوف تستأنف عملية رش المحاصيل البدوية بالسموم اذا لم يصدر امر من المحكمة بحظر ذلك. هناك خطة اكبر لزرع اليهود في النقب«. وتضيف آلمي: »ليس هناك ما يمنع قيام مجتمعات يهودية الى جانب القرى البدوية. لكن الامر يبدو مستحيلا في اسرائيل«.