ولكن فحوى القرارات التي أعلنت نهاية أكتوبر الماضي، يتجاوز بكثير ما تم عام 1996 حين قام البلدان باتخاذ إجراءات تصب في إطار تعزيز التحالف العسكري القائم بينهما. ومن الواضح - من خلال القراءة الدقيقة لما بين السطور- أن الطرفين قاما بوضع تلك الخطط، وعيونهما مركزة على صعود الصين كقوة عالمية والزيادة المطردة في قدراتها العسكرية. وإذا ما أخذنا مظاهر التوتر المتزايد بين الصين واليابان في الآونة الأخيرة في الحسبان - على الرغم من زيادة العلاقات الاقتصادية والتجارية وزيادة الاستثمارات- فإن بوسعنا القول إن خطط الولاياتالمتحدةواليابان الجديدة لن تؤدي إلى مناخ أمني أفضل في آسيا. \r\n ويذكر في هذا السياق أن اليابان قد تقوم بتوسيع دورها السياسي في العالم بحذر بالغ، خوفا من إثارة ردود فعل مناوئه في آسيا والعالم الذي لم ينس ولا يريد لليابان أن تنسى ما قامت به في الحرب العالمية الثانية. والصينيون بشكل خاص أحسوا باستياء شديد بسبب الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء الياباني إلى مزار ''ياسوكوني'' في العاصمة طوكيو، حيث يقوم اليابانيون بالاحتفال بذكرى أبطالهم وقتلاهم في الحرب. وفي سبتمبر الماضي نظم الصينيون عدة مظاهرات عامة ضد زيارة رئيس الوزراء الياباني ''كويزومي'' لذلك المزار، وإن كانوا قد حرصوا على أن تظل تلك المظاهرات محدودة (ولكن في أماكن بارزة في العاصمة) كي يراها رجال الأعمال اليابانيون ويقوموا بتوصيل الرسالة إلى بلدهم. وفي النهاية قامت الصين بتأجيل مباحثات على مستوى عال كان مزمعا إجراؤها مع اليابانيين، بعد أن عاود كويزومي زيارة ذلك المزار، على الرغم من الإشارات التي أرسلتها الصين. \r\n ومن المعروف أن اليابان المقيدة ببنود دستورها السلمي، قد قامت بالفعل بنشر قواتها العسكرية في بلاد أجنبية - تضم العراق- لأغراض حفظ السلام، ولأسباب إنسانية، وأخرى تتعلق بإعادة الإعمار، أو من أجل تقديم الدعم اللوجستي في المهام المناهضة للإرهاب. غير أن شطب الفقرة القديمة الواردة في ميثاق الأممالمتحدة، والتي تطلق على اليابان مسمى ''دولة معادية'' سوف يساعد اليابان على المضي قدما على هذا الطريق. وهذا الشيء تحديدا هو ما تسعى بكين في الوقت الراهن لتأجيله - إن لم يكن إيقافه نهائيا- في الوقت الذي تدفع فيه الولاياتالمتحدةاليابان للاتجاه الآخر أي إلى التحول إلى دولة غير معادية. ومن بين المشكلات التي ستترتب على ذلك بالنسبة للدول الأخرى هي اضطرار تلك الدول للاختيار بين الولاياتالمتحدةواليابان من جانب، والصين من جانب آخر في المستقبل، خصوصا إذا ما ازدادت درجة الاستقطاب الآخذ في البروز حاليا. \r\n والتغييرات الرئيسية التي تمت في الاتفاقية الأميركية- اليابانية الأخيرة تشتمل على قبول اليابان بتمركز حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية تعمل بالطاقة النووية من طراز (نيميتز) في اليابان بحلول عام .2008 ويتعين النظر إلى ذلك في إطار المشاعر اليابانية القوية وسياساتها المتبعة ضد الأسلحة النووية، والسفن التي تعمل بالطاقة النووية، حتى في حالة زيارتها لموانئها ناهيك عن تمركزها ونشرها هناك، باعتبار أن اليابانيين هم الضحية الوحيدة للأسلحة النووية في العالم. وعلاوة على ذلك، اتفقت اليابانوالولاياتالمتحدة على نشر رادارات من نوع dnab -X لتعقب واعتراض الصواريخ البالستية، ونشر صواريخ باتريوت من نوع 3-CAP وصواريخ 3-MS المستخدمة في المنظومات الدفاعية. وقد اتفق الطرفان على زيادة حجم اقتسام المعلومات الاستخبارية وتوسيع نطاق التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة بينهما. \r\n والنقطة الجوهرية في المنطق الذي استندت عليه الدولتان في إعادة توجيه مسار التعاون والتحالف العسكري بينهما، هي من دون أدنى شك قلق الدولتين من تزايد القدرات العسكرية الصينية، وهو ما تعبر عنه، وإن بشكل ضمني، الوثيقة الثنائية التي اتفقت عليها الدولتان في التاسع والعشرين من أكتوبر المنصرم. فهذه الوثيقة التي تطلق على التحالف الأميركي الياباني وصف''حجر الأساس'' في الأمن الإقليمي، تعلن أيضا أن التعاون العسكري ''ضروري'' للحيلولة بقدر الإمكان دون الحشد العسكري الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار (في إشارة واضحة إلى الصين)، ولردع العدوان، وللاستجابة للتحديات الأمنية المختلفة. وفي هذا الخصوص، فإن تلك الوثيقة تمضي إلى ما هو أبعد بكثير من التعاون في مجال الحرب العالمية ضد الإرهاب، والتي أصبحت هي الموضة السائدة منذ الحادي عشر من سبتمبر .2001 ويشار إلى أن التقارير التي كان يقدمها ''البنتاغون'' إلى الكونجرس سنويا، قد سلطت الضوء على توسيع وتحديث القدرات العسكرية الصينية بمعدل يتزايد بشكل مطرد. وفي الوقت الذي كانت فيه الصين تصف تلك التقارير بأنها غير صحيحة، فإن ما يعرف ب''ورقة الدفاع البيضاء'' الصادرة عن وزارة الدفاع الصينية في ديسمبر ،2004 كانت تحمل معلومات شديدة الوضوح لقارئيها، كونها تفيد بأن الميزانية العسكرية الصينية - حسب الأرقام الرسمية المعلنة- قد نمت بمعدل 14 في المئة سنويا في المتوسط خلال الثماني سنوات الماضية. \r\n في الوقت نفسه يجب أن نضع في اعتبارنا أن الصين وروسيا تعملان سوياً مع دول آسيا الوسطى تحت مظلة ''منظمة شنغهاي للتعاون''. ويذكر في هذا السياق أن ضابطا صينيا كبيرا برتبة لواء قد هدد الولاياتالمتحدة علنا بتوجيه ضربة بالأسلحة النووية. علاوة على ذلك أوضحت الصين بجلاء أنها تعارض انضمام اليابان لمجلس الأمن الدولي. وفي القلب من هذه التطورات موضوع التوقعات الصينية، بأن صعودها سوف يعكس معادلات القوة التي سادت خلال القرن الماضي، والتي حلت اليابان فيها محل الصين كزعيمة اقتصادية وسياسية في منطقة شرق آسيا. وهناك مفارقة مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بهذه النقطة تحديداً، وهي أن التجارة الصينية هي التي ساعدت اليابان على الخروج من حالة الركود التي عاشتها خلال العقد الأخير، كما أن تطور اليابان في المستقبل سيعتمد بشكل كبير للغاية على الصين، كما أن صعود الصين كقوة دولية سيتطلب إقامة علاقات تكنولوجية- اقتصادية صحية مع اليابان، التي تقوم حالياً بتعزيز تحالفها العسكري مع الولاياتالمتحدة كضمان استراتيجي في المستقبل. \r\n