وفي هذه الأثناء تشعر إيران بثقة متزايدة أكثر من أي وقت مضى بأنها تستطيع تحدي الجهود الدولية الرامية إلى إقناع طهران بالتخلي عن برنامج تخصيب اليورانيوم. ويبدو أن مساعي الإدارة الأميركية لمنع الانتشار النووي تتجه إلى الفشل على كلتا الجبهتين. \r\n \r\n وستظهر التأثيرات الجيوسياسية، لذلك الفشل بوضوح أكبر خلال العقد المقبل. لقد تم إحراز تقدم خلال المفاوضات مع كوريا الشمالية وإيران. ولسوء الحظ فإن كل هذا التقدم تقريباً تم إحرازه من قبل إيران وكوريا الشمالية . \r\n \r\n فالإعلان في 19 سبتمبر بأن بيونغ يانغ وافقت على تفكيك برنامجها الحالي للأسلحة النووية والسماح بعودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى البلد يفتقر إلى الكثير من التفاصيل المهمة، وإيران، التي تصرّ على أن نواياها النووية سلمية، أصبحت أكثر إصراراً في التأكيد على حقوقها بتطوير تكنولوجيا نووية . \r\n \r\n في حالة كوريا الشمالية، قال المبعوث الأميركي الخاص كريس هيل إن الاتفاق يمثل خطوة مهمة، فهو اتفاق يزيد من احتمالات إبقاء الكوريين الشماليين على الطاولة لعدة شهور مقبلة، لكنه لا يعد بالكثير، فيما عدا ذلك. في الواقع إن إدارة بوش التي لا تملك خيارات أفضل ترغب بالإعلان عن إحراز انتصار من نوع ما في هذه القضية . \r\n \r\n وبرغم كل الاحتجاجات، سوف تقبل بمدّ جسور من ورق فوق الفجوة التي لا تزال غير قابلة للجسر. لكن احتمالات أن تؤدي وعود بيونغ يانغ في نهاية المطاف إلى تفكيك موثوق لبرنامج كوريا الشمالية النووي تكاد تكون معدومة . \r\n \r\n وسرعان ما اتبعت كوريا الشمالية تعهداتها بتفكيك برنامج أسلحتها النووية بمطالب بتزويدها أولاً بمفاعل نووي يعمل على المياه الخفيفة. ومن الطبيعي أن إدارة بوش، التي تأمل بتفادي أي مقارنات بين صفقتها النووية مع كوريا الشمالية ووثيقة اتفاق الإطار التي توصلت إليها إدارة كلينتون، سوف تقاوم تلك المطالب . \r\n \r\n وهذا الأمر التفصيلي وحده كفيل بإفشال الاتفاق، لا بل إنه قد يقدم لبيونغ يانغ ذريعة لرفض العودة إلى طاولة المساومات للمشاركة في الجولة التالية من المحادثات في نوفمبر . \r\n \r\n ونظراً لأن كيم يونغ إيل زعيم كوريا الشمالية يعتبر البرنامج النووي ضرورياً لأمن بلده ومفيداً كورقة مساومة، وأنه ليس له مصلحة في السماح بدخول المفتشين إلى بلده المنغلق، فمن المرجح أنه سيتبنى هذه الاستراتيجية . \r\n \r\n والمفاوضات مع إيران تبدو حتى الآن أقل تبشيراً بالخير، فالفعالية السياسية والاقتصادية لطهران سمحت لها بشراء المزيد من الوقت، لأنه من غير المرجح أن تحصل إدارة بوش على الدعم الدبلوماسي الكافي لإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن خلال الأسبوعين المقبلين . \r\n \r\n والوقت في مصلحة إيران، لأن علماءها يواصلون تحويل اليورانيوم الخام إلى غاز استعداداً لعودة محتملة إلى تخصيب اليورانيوم كما توعد النظام الإيراني . \r\n \r\n وقد هددت إيران بالانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي واستئناف برنامج التخصيب إذا تمت إحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن. وفي غضون ذلك تستفيد طهران من هذا الوقت لمواصلة العمل على تطوير برنامجها النووي . \r\n \r\n وربما تستثير العدائية السياسية للحكومة الإيرانية إدارة بوش و «بريطانيا» لدفع هذه القضية حالما تستطيع ومن المحتمل أن الرصيد السياسي للرئيس بوش سيرتفع مع انحسار مياه الفيضانات في نيو أورليانز . \r\n \r\n ومن المرجح عندها أن يعيد الرئيس الأميركي التأكيد على بعض بنود أجندته للسياسة الخارجية ويدفع باتجاه إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن خلال الشهور المقبلة، وقد ينتج هذا مخاطر سياسية كبيرة، خاصة وأن إيران ستقوم على الأرجح بتنفيذ تهديداتها باستئناف التخصيب . \r\n \r\n وقد تستخدم صادراتها من النفط والغاز كسلاح ضد أولئك الذين يقفون في صف واشنطن وحلفائها. وحتى لو طلب من مجلس الأمن التصويت على قرار بخصوص إيران، فسيتعين أولاً الاستجابة للاعتراضات الصينية والروسية للتمكن من ممارسة ضغوط ذات مغزى ومن غير المحتمل أن يحدث هذا . \r\n \r\n والمحصلة النهائية أن المواقف المرنة من جانب إيران وكوريا الشمالية أخرت إحراز أي تقدم حقيقي على صعيد النزاعات الدبلوماسية معها ومنحت البلدين المزيد من الوقت لمتابعة تطوير برامجهما النووية. وتدرك إدارة بوش بأنه ليس لديها فرص تذكر لتأمين اتفاق منع انتشار نووي دائم وقابل للتطبيق على أي من الجبهتين . \r\n \r\n ونتيجة لهذا الوضع، فإن البيت الأبيض مضطر للقبول بتكتيكاتهما وفي الوقت نفسه الإعلان عن إحراز «تقدم» في المفاوضات ومن ناحية أخرى، فإن الوقت يصب في مصلحة بوش أيضاً، فبعد الجهود الحقيقية التي بذلت باتجاه تسوية دبلوماسية لهذه القضايا، ربما يسمح له التسويف في نهاية المطاف بتمرير العصا غير المرغوب بها إلى الرئيس الأميركي التالي . \r\n \r\n لكن عجز الإدارات الأميركية عن ابطاء انتشار القدرات النووية له انعكاسات جيوسياسية مهمة تتجاوز كوريا الشمالية وإيران. فالدول الأخرى التي كانت تفكر بتطوير برامج نووية، تراقب الآن عن كثب مسار المفاوضات. وترى كيف فشلت واشنطن في فرض التسوية التي تريدها . \r\n \r\n ويدرك زعماء تلك الدول بأن الرئيس الإيراني الجديد محمود أحمد نجاد بنى لنفسه شعبية كبيرة في الوطن عبر تحدي الضغوط الأميركية والأوروبية. وهم يعرفون أيضاً أن الرجل الذي صمم البرنامج النووي الباكستاني . \r\n \r\n عبد القدير خان لا يزال يعتبر على نطاق واسع بطلاً قومياً، حتى بعد الكشف عن قيامه ببيع أسرار نووية لدول أخرى. أليس من المحتمل أن تروق هذه الوصفة للزعماء السياسيين في بلدان أخرى عربية وغير عربية؟ والأطراف الثلاثة التي تربطها صلات اقتصادية بهذه الدول ربما لن تستطيع فعل شيء لإثنائها عن التحول إلى دول نووية . \r\n \r\n وكانت إدارة بوش تأمل بأن الحرب مع عراق صدام حسين سوف تظهر بوضوح مدى التصميم الأميركي في مواجهة أخطار الانتشار النووي. لكن تكاليف الحرب، البشرية والمالية، أنتجت تأثيراً عكسياً. فلقد أقنعت دولاً عديدة بأن البيت الأبيض يفتقر للموارد وأدوات النفوذ لمنع الأنظمة المصممة على امتلاك قدرات نووية. وأقنعتهم أيضاً بأن أفضل ضمان لتفادي مصير صدام هو امتلاك برنامج أسلحة نووية . \r\n \r\n لا بل إنه حالما تنسحب القوات الأميركية من العراق، فمن المحتمل أن تقرر القيادة الجديدة في بغداد في نهاية المطاف بأن امتلاك أسلحة نووية يمكن أن يمنحها الأمن والشعبية السياسية معاً، وقد تحاول جلب أسلحة الدمار الشامل إلى العراق . \r\n \r\n لقد عجزت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها عن منع باكستان والهند من تطوير أسلحة نووية. وفي النهاية ربما لا يستطيعون وقف طموحات إيران النووية أو تفكيك برنامج كوريا الشمالية النووي . \r\n \r\n ولنا أن نتصور حجم التحديات التي ستفرضها المفاوضات مع المجموعة التالية من الدول النووية المحتملة، إذا كان هناك أربعة أو خمسة بلدان تستدعي الانتباه في وقت واحد. وهذا سبب آخر يجعل ثمن الفشل مع إيران وكوريا الشمالية باهظاً . \r\n \r\n خدمة «لوس أنجلوس تايمز » \r\n \r\n خاص ل«البيان »\r\n \r\n