\r\n ويتذكر الناس الغاز المسيل للدموع الذي استخدمته الشرطة في ذلك اليوم، وانتصار الشعب في أعقاب ذلك عندما أُجبر ميلوسيفيتش على الاستقالة في وقت لاحق من مساء ذلك اليوم. وكان ميلوسيفيتش قد رفض في البداية قبول الهزيمة الانتخابية في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 سبتمبر. \r\n وكانت المعارضة الديمقراطية في صربيا، والتي فاز مرشحها فوجيسلاف كوستونيكا في الانتخابات، قد نظمت ذلك الاحتجاج غير المسبوق. \r\n وفي حوار مع آي بي إس قال المؤرخ بريدراج ماركوفيتش: \"لقد كان حدثا تاريخيا، لكنه كان مجرد مقدمة لمسيرة البلد الطويلة على طريق استعادة الاستقرار\". \r\n ويتسابق المؤرخون والمحللون والخبراء على اختلافهم في الحكم على هذا الحدث؛ وقد تم تكريس العديد من لقاءات الموائد المستديرة، والمؤتمرات، والحلقات النقاشية، والافتتاحيات الإعلامية، لهذا الحدث. \r\n وفي لقاء مع المحلل سلوبودان أنتونيتش قال: \"لقد كان يوم 5 أكتوبر واحدا من أهم الأيام في التاريخ الصربي الحديث، وكان الشعب ببساطة قد لاقى ما يكفيه\". \r\n وقد تميز حكم ميلوسيفيتش منذ عام 1989 بثلاثة حروب فتتت يوغوسلافيا السابقة إلى الاتحاد الفيدرالي السابق لجمهوريات سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة. \r\n وقد أثار اضطهاده للألبان فيما بعد إلى قيام حلف شمال الأطلنطي (ناتو) بضرب صربيا بالقنابل لمدة 11 أسبوعا، ولا زال هذا يمثل واحدا من الأحداث المؤلمة في حياة الكثيرين. \r\n وقد أصبحت صربيا دولة منبوذة، وتم استبعادها من جميع المنظمات والمؤسسات الدولية، كما تم توقيع عقوبات اقتصادية قاسية عليها من الأممالمتحدة. وبعد سقوط ميلوسيفيتش، بعد هذا فقط، تم إعادة قبولها في الأممالمتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، كما سُمح لها بالانضمام إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. \r\n وقد وافق يوم الخميس الماضي سفراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل على أنه ينبغي أن تبدأ المحادثات مع صربيا حول اتفاق تحقيق الاستقرار والانتساب، وهي الحلقة الأولى في السعي نحو حصول دولة على عضوية الاتحاد. \r\n وقد قال بيان الاتحاد الأوروبي إن الاتفاقيات تشمل التعاون في مجالات العدالة والشئون الداخلية، وكذلك ما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية والمالية. وتُعتبر هذه الاتفاقيات إشارة سياسية مهمة لأي دولة تطمح في أن تنال عضوية الاتحاد الأوروبي. وقد رحبت بلجراد بالقرار باعتباره انتصارا سياسيا مهما. \r\n ومن جانبه قال المحلل ميزا بركيتش: \"ولكن بغض النظر عن التغيرات السياسية الداخلية كانت أكثر التأثيرات إيجابية منذ 5 أكتوبر في مجال الاقتصاد، والذي كان في حالة دمار كامل أثناء فترة حكم ميلوسيفيتش\". \r\n وفي سنين العزلة كانت الأجزاء الوحيدة العاملة في الاقتصاد الصربي هي الزراعة، وإنتاج الكهرباء، والاتصالات. وقد ظلت المصانع عاطلة في ظل العقوبات الدولية الصارمة، كما كانت كل أنواع التجارة ممنوعة، بما في ذلك استيراد المواد الخام. \r\n وفي السنوات الأخيرة انتعش الإنتاج في كل مكان ممكن بمساعدة المؤسسات المالية الدولية، كما جلبت الخصخصة حوالي 2 بليون دولار إلى الخزانة. ويبلغ الاستثمار الأجنبي من خلال الخصخصة حوالي 1.2 بليون دولار. \r\n وفي مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي قال جازنا ماتيتش، المسئول ببرنامج الأممالمتحدة الإنمائي: \"إن صربيا سوف تشهد ازدهارا في مجال الاستثمار، وسوف يكون العام القادم هو الأكثر نجاحا، بسبب خصخصة باقي الشركات المملوكة للدولة\". \r\n ويُتوقع أن تنتهي صربيا من عملية الخصخصة خلال ال18 سنة القادمة. \r\n لكن التحول إلى اقتصاد السوق كان عملية مؤلمة؛ حيث تصل البطالة إلى حوالي 30 بالمائة، وبمساعدة المساعدات الأجنبية استطاعت الدولة تقديم بعض التعويضات للآلاف الذين فقدوا وظائفهم. \r\n وفي حديث لبوزيدار جيليتش، أول وزير مالية في فترة ما بعد ميلوسيفيتش، إلى وسائل الإعلام في بلجراد قال: \"طوال فترة دامت عقودا أثناء الحكم الشيوعي كان كل شخص يتوقع من الدولة أن ترعى كل احتياجاته، أما الآن فمن الصعب على الكثيرين أن يفكروا في أنهم ينبغي عليهم أن يراعوا أنفسهم\". \r\n وقد نجح الكثيرون، كما أن المشروعات الصغيرة في ازدهار مستمر؛ حيث تم تسجيل 10 آلاف ورشة جديدة للحرف في بلجراد، وهو ما وصفته غرفة بلجراد للتجارة بأنه \"معجزة\" وأنه يمثل ضمانا وأمانا لآلاف العائلات. \r\n ويضيف ماركوفيتش قائلا: \"لكن الكثيرين لا زالوا يشعرون بخيبة أمل؛ لأنهم توقعوا تعافيا سريعا، كما توقعوا عودة الحياة الجميلة التي كانوا يتمتعون بها قبل ميلوسيفيتش، لكن الأشياء لا تتغير فجأة بعد عقد من الدمار\". \r\n وقد ارتفع متوسط الراتب الشهري إلى 200 دولار بعد أن كان 50 دولارا أيام ميلوسيفيتش، ويعلق بركيتش على هذا فيقول: \"إنه ليس كثيرا ولكنه أربعة أضعاف ما كان في السابق؛ ففي عام 2000 كان على المرء أن يدفع حوالي أربع رواتب ونصف لشراء ثلاجة، أما الآن فإنه يدفع راتبا واحدا لهذا\". \r\n ومن بين الإشارات إلى اتجاه صربيا نحو التعافي قرار شركة ميكروسوفت بتأسيس واحد من مراكزها التنموية العالمية في بلجراد، وهو المركز الثالث فقط من هذه المراكز في الأسواق الصاعدة، بعد الصين والهند. \r\n تقول ليليانا بافلوفيتش، 54 عاما، وهي مدرّسة بمدرَسة إعدادية في بلجراد: \"لقد كان هذا بالفعل طريقا طويلا سرنا فيه في السنوات الخمس الماضية... من الغاز المسيل للدموع وحتى ميكروسوفت\".