الخطر العسكري. جرى تفصيل هذه النظرية في تقرير وزارة الدفاع الأميركية عن القوة العسكرية الصينية (الصادر في 19 تموز /يوليو الماضي). وتشير هذه الوثيقة في ما تشير إليه إلى الزيادة المهمة والمستمرة في النفقات العسكرية الصينية، وانتقال وحدات الجيش إلى سلطة اللجنة الدائمة للهيئة العسكرية المركزية، فضلاً عن زيادة الاستثمار في مجال التكنولوجيا المتطورة. ولم يتردد دونالد رامسفيلد عن القول ان البحرية الصينية قد تتفوق على مثيلتها الأميركية في غضون عشرين عاماً. ولذا بات هناك خلل في ميزان القوى في مضيق تايوان. فذهبت بعض الشخصيات السياسية الى أن التبادل بين البلدين عامل راجح في نمو الصين. وعليه، يتوقع أن يبقى العجز التجاري الأميركي مرتفعاً (162 بليون دولار في 2004 و180 بليوناً متوقعة في 2005). فتكون الصين كما نسخة عن «النموذج الياباني في الثمانينات»، وتسعى مثل اليابان في شراء الشركات الأميركية. وفي هذا السياق، أثارت الشركة النفطية الصينية «كنوك» ضجة عارمة عندما حاولت السيطرة على شركة «يونوكال» الأميركية التي تستثمر موارد إستراتيجية للطاقة. وزُعم كذلك أن الصين تبقي على مستوى صرف منخفض لعملتها الوطنية لتستحوذ على حصص كبيرة من السوق الحرة العالمية بوسائل «لا يقرها اقتصاد السوق». وتعد انتهاكات حقوق الملكية الفكرية أهم مأخذ على الصين في صفوف الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي. فهم يقولون ان انتهاكات حقوق الملكية الفكرية تضر بجوانب حيوية من الاقتصاد الأميركي الذي يشكل اقتصاد المعرفة والابتكار أهم أسسه. \r\n الخطر على الطاقة. ومن غير المستبعد ان تنحي الصين، وهي أصبحت أصلاً ثاني مستخدم لموارد الطاقة على المستوى العالمي، في القريب العاجل، الولاياتالمتحدة عن المرتبة الأولى. ويسهم النمو الاقتصادي الصيني، وخصوصاً قطاع صناعة السيارات المزدهر، في ارتفاع أسعار النفط على المستوى العالمي. وتسعى الصين إلى السيطرة على موارد الطاقة في السوق الأميركية على ما أظهرت محاولة «كنوك» إعادة شراء «يونوكال». ولن تتردد الصين في سبيل الحصول على النفط عن التعاون مع بلدان مارقة على غرار إيران والسودان وفنزويلا، ضاربة عرض الحائط بالمعايير الأخلاقية المعتمدة في الساحة الدولية. ويحكى أنه كلما اشترت الصين برميلاً إضافياً من أميركا اللاتينية خسرت الولاياتالمتحدة برميلاً... \r\n الخطر الديبلوماسي. وتستلهم الصين العقيدة الأميركية القديمة، مذهب مونرو، لتنشئ شبكة كثيرة الأطراف تكون هي محورها الأساس في مجال التبادل التجاري والأمن. وتسعى إلى طرد القوة الأميركية من هذه المنطقة، من غير إراقة الدماء. وهي، على قول الأميركيين، تبذل قصارى جهدها لتوطد علاقاتها بأميركا اللاتينية، وتصبح تالياً على مرمى حجر جغرافي من الولاياتالمتحدة. وموقعها على الساحة الدولية يتحسن تحسناً ملحوظاً جراء تطور علاقاتها بالبلدان الكبرى والمجموعات العالمية على غرار الاتحاد الأوروبي وروسيا والهند. وعلاوة على ذلك، استفادت الصين من «الحرب ضد الإرهاب» التي تشنها الولاياتالمتحدة كي تحرك بيادقها بسلاسة صوب حلفاء أميركا في آسيا والمحيط الهادئ، مثل كوريا الجنوبية وأستراليا وتايلاند، وتزعزع نظام التحالفات الأميركي. \r\n الخطر على النموذج الأميركي. وبحسب تعريف الباحثين الأميركيين، فإن «النموذج الصيني» هو ثمرة المعادلة الآتية: «مركزية + اقتصاد سوق + ديبلوماسية مرنة». ويشكل نجاح هذا «النموذج» خطراً يتهدد «النموذج الأميركي». و»النموذج الصيني»، تالياً، خطر فعلي، فهو خيار سياسي تعتمده بعض البلدان التي تلتمس الوجهة المناسبة لتنميتها. وقد تتحفظ هذه البلدان عن اعتماد «النموذج الأميركي» المختصر في المعادلة الآتية: «ديموقراطية + اقتصاد سوق». فيصعب على الإستراتيجية الأميركية الرامية إلى نشر الحرية والديموقراطية في العالم كله أن تؤدي مهمتها. ونظرية الخطر الصيني هي غيض من فيض ما يقال في الصين، بالولاياتالمتحدة. وإذا ما قارناها بالنظريات السابقة الملوحة بخطر صيني مزعوم منذ نهاية الحرب الباردة، فإن هذه النظرية الجديدة وإن كانت أكثر عمقاً، فهي فقدت كل إيحاء أيديولوجي أو أثر لمبالغة غير سليمة. ولكنها تظهر في المقابل مخاوف فعلية وواقعية. ولطالما كان الكونغرس الأميركي المروّج الرئيس لنظرية الخطر الصيني. والكونغرس ليس بالحديد الذي لا يفلّ. وهذا ما أظهرته أخيراً مسألتان: من جهة، رفع شيخان أميركيان مشروع قانون يقترح تقريب الثقافتين الأميركية والصينية، طلبا فيه إلى الحكومة أن تحرّر 1،3 بليون دولار، طوال عشرة أعوام، بغية تعزيز برامج التبادل الثقافي. ومن جهة أخرى أنشئت «مجموعة عمل حول الصين» بمبادرة من مجلس النواب. وليست المجموعة موالية للصين، ولكنها تهدف إلى «فهم دقيق للوضع الفعلي للفورة الصينية». ولا وزن كبيراً لهذه الأحكام الجديدة إزاء الشعور القوي المناهض للصين، والمخيم على الكونغرس، لكنها بادرة واعدة. \r\n ولطالما ميزت الحكومة الأميركية موقفها من مواقف الكونغرس، فشددت على ضرورة النظر إلى العلاقات مع الصين من زاوية الوضع الإستراتيجي. ومنذ مطلع العام، على رغم حدة التصريحات التي أدلت بها وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية حول «الخطر العسكري الصيني»، أصرت جهات أميركية أخرى على مواقفها، لا سيما البيت الأبيض ووزارة الخارجية. ولم تثبط عزيمتها على تطوير «علاقات تعاون بناءة» مع الصين. ومنذ مطلع العام تدخل الرئيس بوش، ووزير المال، جون سنو، ومدير الاحتياط الفيديرالي الأميركي، آلن غرينسبان، شخصياً لمقاومة الضغوط المؤيدة لحرب تجارية مع الصين. ونجاح الحوار الأول حول المسائل الإستراتيجية بين الصين والولاياتالمتحدة هو خطوة مهمة نحو تعميق التبادل بين البلدين، ورمز قوي لإرادتهما التعايش على المدى الطويل. ويظهر الحوار حول سياسات الطاقة إمكان تحويل البلدين نزاعاتهما إلى تعاون في هذا المجال. \r\n عن يوان بنغ (مدير مساعد في معهد العلاقات الدولية المعاصرة في الصين)،