وفي حين تعلّق النقاش في هذه الحال بفعل على مستوى الدولة، يمكن تطبيق الحقيقة البدهية ذاتها بشكل مماثل على مستوى الفرد. ولا جدال في ان الالتزام الصارم بهذه الحقيقة البدهية الأولية على مستوى الدولة والفرد هو سبيلنا الوحيد للخروج من الكارثة التي حلت بنا في العراق وداخل البلاد. \r\n \r\n وعلى مستوى الدولة، فإن الأساس الوطيد المفترض لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية هو مبدأ "العالمية" الذي يستند الى قبولنا المشترك بنظام حقوق الانسان الذي أقرته الأممالمتحدة، ويقوم وراء الأممالمتحدة ذاتها ووراء مبدأ تقرير مصير الأمم، والمبدأ الذي ينص على انه متى حققت الأمم تقرير المصير، فإنه يحق لها التمتع بسيادة وطنية متفق عليها وقابلة للدفاع عنها. ولا يمكن لأي بند من هذه البنود ان يتحقق دون قبول عالمي بحقيقتنا البدهية الأخلاقية الأولية. وكما نعلم، لم يتم الأمر على هذا النحو بما ان كل واحد مما يسمى إعلان "بالمبادئ المقبولة" لم يلتزم به أحد من بين مهندسي عالم ما بعد الحرب أنفسهم منذ عام 1945 والأمثلة أكثر من ان تحصى هنا على الرغم من ان إلقاء نظرة على المواضيع الرئيسية العامة يمكن ان يفيد. \r\n \r\n يصح لنا ما يصح لغيرنا، وإذا كان من حق حكوماتنا الغربية ان تحتفظ لنفسها بالحق في أن تهاجم دولة ذات سيادة بسبب جرائم متصورة تم ارتكابها او جرائم يحتمل ارتكابها مستقبلاً، يحق للعدو عندئذ أن يفعل الشيء ذاته. وفي هذه الحال، سيكون من حق ايران ان توجه للولايات المتحدة ضربة وقائية الآن. فالعدوان الواضح الذي يجري توجيهه علانية نحو ايران، ويطابق تماماً العدوان الذي جرى على العراق قبل الغزو، يصبح بمقتضى حقيقتنا البدهية الأخلاقية الأولية وسيلة سياسية صالحة لإيران ذاتها وعلى العكس، وإذا أعلنا ان من حقنا ان نتمتع بالأمن وألا نخضع لتهديد خارجي ونضمن رفاهية مواطنينا فإن حكومة ايران يحق لها ذلك. وبعيداً عن الخلافات الأيديولوجية، وبمعزل عن اخلاصنا لفكرتنا عن الديمقراطية الليبرالية، لا ينبغي اعتبار نظام ما مختلفاً عنا ويتطلب بالتالي أساليب مختلفة للتعامل معه وذلك بناء على أحكام شخصية لقادتنا او رغبات شركائنا الكبرى وإنما بناء على التزامنا بالنزاهة الأخلاقية واستناداً الى حقيقتنا البدهية الأخلاقية الأولية. \r\n \r\n وما لا يصح لغيرنا لا يصح لنا، وعلى نحو مماثل، وإذا كان لا يحق لإيران ان تطور قدراتها النووية، لا يحق لنا كذلك ان نطور قدراتنا النووية. وكيف حق لنا ان ننتهك معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عاماً بعد عام، ثم نعتبر قيام ايران بتصرف مماثل تهديداً او خطأ؟ وعلى نطاق أشمل من ايران، إذا كان خطأ للروس او الصينيين ان يزودوا ايران بالأسلحة، كما حدث مؤخراً، فإنه خطأ من جانبنا أيضاً ان نبيع أسلحة لدول يمكن ان تكون أكثر انتهاكاً لحقوق الانسان من ايران ("اسرائيل" على سبيل المثال). \r\n \r\n وما لا يصح للآخرين لا يصح لنا: ربما كان المجال الأكثر أهمية مما سواه، على مستوى الدول، هو الالتزام بالمبدأ الذي يحرم قتل المدنيين بصرف النظر عن السبب. وقد كانت الفظائع التي وقعت في بغداد ولندن وبالي ونيويورك خطأ فادحاً ولكن الفظائع التي يشهدها العراق والشرق الأوسط وترتكبها حكوماتنا خطأ فادح أيضاً. \r\n \r\n وبعيداً عن أي حديث ممجوج عن "الخسائر المصاحبة"، وإذا كنا سنتمسك بأي نزاهة أخلاقية نابعة من حقيقتنا البدهية الأخلاقية الأولية، فإن وفاة المدنيين في أي مكان خطأ، وسواء كانوا مستهدفين او غير مستهدفين فإن ذلك غير ذي صلة. ويصعب على المرء ان يميز الخط الفاصل بين موت مدنيين مستهدفين وغير مستهدفين. ومن الذي يستطيع ان ينكر ان العملية المخزية التي سميت "عملية الصدمة والترويع" لم تكن موجهة للشعب العراقي برمته، ولم تكن إظهاراً لقوة وحشية لإثناء جميع العراقيين عن مقاومة الغزو؟ \r\n \r\n وإذا كانت فكرة ان يجد المرء نفسه عاجزاً في عين العاصفة في نيوأورليانز دون وسائل للفرار من الكارثة بسبب وضعه المالي تبعث الرعب في قلب أناس مثلنا يتمتعون بوضع مميز نسبياً (وربما يعني هذا التميز ببساطة العيش فوق خط الفقر) فإنها ستلقي بمزيد من الرعب في قلوب أولئك الذين يعيشون فعلياً في ذلك الوضع. ولا يعني كونهم يعيشون في فقر مدقع انهم يخافون بدرجة أقل او يشعرون بدرجة أقل. وإذا كان من الخطأ ان نكون في ذلك الوضع فإن كونهم في ذلك الوضع خطأ أيضاً. والعكس هنا يلفت الانتباه كثيراً أيضاً: فإذا صح للبعض ان يملك الوسائل للهرب من كارثة وتأمين أنفسهم ضد الكوارث، فإنه حق ينبغي ان يكون مكفولاً للجميع، وما يصح لنا يصح لهم. ويمكن لأثرياء الولاياتالمتحدة ان يقولوا الآن "حسناً، هذا ما يحدث بالفعل. فبعض الناس أفقر من ان ينجوا. والبعض الآخر ليسوا كذلك". وهذا لن يجدي فالحق في الحياة والأمن حق لنا جميعاً إذا تم تطبيقه عالمياً وبنزاهة أخلاقية. \r\n \r\n نحن بحاجة الى إعادة تقييم عميقة لما هو صحيح وخطأ في مجتمعاتنا وفي المجتمع العالمي بعامة. ومن أجل القيام بهذا، نحتاج قاعدة قوية نقف عليها ولأساس وطيد من المبادئ نستطيع ونحن نقف عليه ان نحقق نزاهتنا العالمية، وحقيقتنا البدهية الأخلاقية الأولية. ويجب ان نواجه الحقيقة المرفوضة منذ مدة طويلة بسبب ظلال ألقى بها فشل الاشتراكية، بأنه إذا صح لقلة في أي مجتمع ان تتمتع بالترف والبذخ والأمن والنفوذ فإن ذلك يصح لنا جميعاً. وعلى العكس، وإذا لم يكن صحيحاً ألا يملك فرد من هذه الفئة مسكناً ثابتاً وآمناً ودخلاً ثابتاً وحق الحصول على أفضل تعليم والوصول لاحقاً الى دوائر السلطة، فإنه لا يصح ان يكون أي أحد محروماً من هذه الأشياء. \r\n \r\n \r\n \r\n * الكاتب مرشح لنيل الدكتوراه ومحاضر مشارك في قسم السياسة والفلسفة بجامعة مانشستر في بريطانيا. والنص منشور في موقع "انفورميشن كليرنج هاوس" \r\n