وتحقيق الاستقرار في العراق يمثل تحدياً سياسياً وعسكرياً في الوقت ذاته. ومن هنا يمكن القول إن الإدارة تقامر مقامرة كبيرة من خلال إصرارها على المضي قدما في إجراء استفتاء على الدستور، على الرغم من أن الاحتمال الأكبر هو أن يؤدي إقرار الدستور حاليا إلى تقسيم البلاد لا إلى توحيدها. \r\n \r\n وعلى الرغم أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن تقوم غالبية السُنة العرب بالتصويت ضد الدستور، إلا أنهم يعرفون أنهم لا يمتلكون نسبة الثلثين المطلوبة للحيلولة دون اعتماد ذلك الدستور، وهو ما يفاقم من مشاعر المرارة المتراكمة لديهم. \r\n \r\n وهذه المرارة قد تكون لها عواقب مدمرة على المصالح الأميركية، وربما تؤدي إلى تفاقم العنف الطائفي حتى يتحول إلى حرب أهلية كاملة يمكن أن تجتذب سوريا وإيران وتركيا، كما قد ينتج عنها تحويل العراق إلى لبنان آخر، أو إلى شيء شبيه بأفغانستان قبل الحادي عشر من سبتمبر أي إلى قاعدة لتفريخ أجيال جديدة من الإرهابيين. \r\n \r\n والأمل الذي يراود إدارة بوش على ما يبدو هو أن يقوم السنة المعتدلون والنساء العراقيات بتقديم العون لأميركا ومساعدتها على \"تجاوز هذه المشكلة\"، ولكن الأمل، مع الإصرار على مواصلة السياسة الحالية في آن معاً، لا يمكن اعتباره استراتيجية. وكما قال سفيرنا في العراق \"زلماي خليل زاد\"، فإن الدستور \"يجب أن يكون ميثاقاً يوحد صفوف العراقيين، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تقويض التمرد\". والسنة العرب يجب ألا يلوموا أحدا سوى أنفسهم لرفضهم المشاركة في الانتخابات التي جرت في شهر يناير الماضي. ولكن يجب أن نعلم جيداً، أنه ما لم نقم بتقديم نصيب مرضٍ للسنة في النظام الجديد، فإنهم سيستمرون في مقاومته، وسيكون من الخطأ أن نحاول جعلهم يتجرعون بالقوة شراباً لا يستسيغونه في الأساس، فهناك طرق أفضل للتعامل معهم. \r\n \r\n فإذا لم يتوصل المتفاوضون حالياً إلى حل وسط يجتذب المعتدلين السُنة، فإن إدارة بوش يجب أن تدعم خيار تأجيل الاستفتاء على الدستور إلى ما بعد الانتخابات التي ستجري من أجل تشكيل جمعية وطنية جديدة في شهر ديسمبر القادم، وهو ما سيسمح للجنة جديدة تضم في عضويتها سُنة منتخبين بإعادة النظر في مسودة الدستور. \r\n \r\n وسيؤدي ذلك إلى تشجيع الرغبة المتزايدة في أوساط السُنة للمشاركة في العملية السياسية، كما أنه سيؤدي من جانب آخر إلى منح المزيد من النفوذ والتأثير لقادة السُنة الشرعيين، الذين يستطيعون بعد ذلك أن يقوموا بالتسويق للدستور وسط جماعتهم. علاوة على ذلك، فإن مثل هذا الأسلوب يمكن أن يفصل السُنة عن المتمردين، وعن الجهاديين الأجانب. \r\n \r\n ولكي تنجح هذه السياسة، فإن الإدارة يجب أن تقوم بالشيء الذي أخفقت في القيام به حتى الآن، ألا وهو إشراك القوى الدولية الكبرى، وجيران العراق، في استراتيجية تحقيق الاستقرار في هذا البلد. \r\n \r\n يجب على الإدارة أيضا أن تقوم بإعداد استراتيجية إقليمية لضمان مشاركة جيران العراق في مسؤولية إعادة الاستقرار في البلد، وهو ما قد يتطلب في بعض الأحيان التعامل مع دول تفضل الولاياتالمتحدة عدم العمل معها، ولكن لا ضير في ذلك في الحقيقة لأن هذا هو الطريق الذي اتبعناه في البلقان للتوصل إلى اتفاقية \"دايتون\"، واتبعناه في التعامل مع جيران أفغانستان. كما يمكن للأردن والسعودية ومصر أن تتدخل لدى المجتمعات التي تمتلك نفوذا في وسطها وهو ما سيدفع كلاً من طهران ودمشق للتوقف عن تدخلاتهما الخطرة في الشأن العراقي. ويجب على الرئيس بوش من أجل الشروع في تنفيذ هذه الاستراتيجية أن يقوم بتعيين مبعوث خاص إلى المنطقة، وأن يعمل على تنظيم مؤتمر إقليمي. \r\n \r\n أما فيما يتعلق بالجبهة الداخلية، فيجب على الرئيس الحصول على دعم الشعب الأميركي من خلال إقناعه بأن لديه استراتيجية متماسكة لتأمين مصالحنا القومية الجوهرية، وإعادة قواتنا إلى الوطن. \r\n \r\n وفي هذا الإطار، يجب على قواتنا في العراق أن تقوم بتدريب المزيد من قوات الأمن العراقية لتولي مسؤولية حفظ الأمن في البلد، وألا تكتفي بالقول إنها ستنسحب في الوقت المناسب، وأنها لن تبقى يوما واحداً بعد ذلك. \r\n \r\n ويجب على الكونجرس من جانبه أن يقوم بعقد جلسات استماع شهرية منتظمة مع كبار مسؤولي الإدارة، لتقييم التقدم الحاصل على الأرض في العراق. \r\n \r\n قد يعترض البعض ويقول إن مثل هذه السياسة كفيلة بإطالة أمد بقائنا في العراق، ولكن العكس تماما هو الصحيح في نظري. فالمضي قدما في إجراء استفتاء على الدستور، دون وجود استراتيجية لإشراك المنطقة والقوى الرئيسية، يمكن أن يؤدي إلى فوضى عارمة قد تحتاج منا إلى وقت أطول، وإلى المزيد من الخسائر قبل أن نتمكن من إخمادها. \r\n \r\n إن النجاح في إشراك السنة المعتدلين في العملية السلمية، وتقاسم العبء مع اللاعبين الدوليين الرئيسيين، والحصول على دعم من دول المنطقة، ووضع أهداف واضحة مرتبطة بجداول زمنية، والإصرار على قيام الإدارة بتقديم كشف حساب منتظم عما قامت به، هو الذي سيعيد قواتنا إلى أرض الوطن في وقت أسرع وبشكل أكثر أمانا، كما أنه الطريقة المثلى لقيامنا بترك العراق ونحن مطمئنون أن مصالح أمننا القومي الجوهرية ستظل سليمة ولن تمس. \r\n \r\n \r\n جوزيف آر. بايدن \r\n \r\n عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس \"الشيوخ\" الأميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"