\r\n لكن ما حدث خلال الأسبوعين المنصرمين كان عكس ذلك تماما، حيث شهدنا تصعيدا سياسيا ينذر بوقوع الأسوأ. فإيران تصر من جهتها أن برنامجها النووي موجه أساسا لأغراض سلمية. وتعلن، عن صواب، أنه \"حق ثابت\" يكفله البند الرابع من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها إيران ووافقت بموجبها على التخلي عن خيار الأسلحة النووية. وقد وافقت إيران أيضا على التقيد بجميع وسائل الحماية التي شرعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلا عن المتطلبات الصارمة للوكالات الدولية الأخرى. غير أن الولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى دول أخرى عديدة تشك في أن إيران بصدد العمل على برنامج سري للأسلحة النووية تخفيه تحت مقولة الأغراض السلمية. \r\n \r\n وقد جاءت ردة فعل طهران الأسبوع الماضي قوية عندما رفضت مقترح \"الترويكا\" الأوروبية (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) التي قدمت لإيران مجموعة من \"الحوافز المهمة\" تشمل المعاملة التفضيلية في العلاقات التجارية، وضمانات أمنية ونقل التكنولوجيا ثم تزويد إيران بالوقود النووي لتشغيل مفاعلاتها المخصصة لإنتاج الطاقة، وذلك مقابل تخلي طهران عن برنامجها الذي تزعم أنه موجه لأغراض سلمية. \r\n \r\n وقد ساهم وضع بعض الموضوعات الحساسة مثل حقوق الإنسان وضرورة وقف تقديم الدعم للإرهاب على طاولة المفاوضات في تعقيد الموقف، وخصوصا أن ذلك يعني إمكانية تساهل \"الترويكا\" الأوروبية بشأنها بعدما كانت في السابق خارج دائرة المفاوضات. وقد قابلت الولاياتالمتحدة هذا التغير الطفيف في الاستراتيجية التفاوضية مع إيران بنوع من الرضا يرافقه اعتراف ضمني بحق إيران في متابعة برنامجها النووي السلمي، لكن دون أن تحيد عن موقفها المبدئي. وفي نفس الوقت قامت الولاياتالمتحدة بتسريب تقديرات استخباراتية تفيد أنه مازال أمام إيران عشر سنوات قبل أن تتمكن من حيازة الأسلحة النووية. والغريب حقا أن يصدر عن إسرائيل نفس التحول الطفيف في المواقف. لكن الأغرب من ذلك تزامن هذا التغير الضئيل مع تنصيب محمود أحمدي نجاد كرئيس جديد في إيران بما يعرف عنه في الغرب من توجهه القومي والمحافظ والذي سيضاعف بلا شك من حدة الموقف. \r\n \r\n وقد اشتكت إيران مرارا في الآونة الأخيرة من أن \"الترويكا\" الأوروبية تتحرك ببطء شديد، ولا تمنح إلا القليل من الامتيازات، في حين أنها ترفض الاعتراف بحقها الراسخ في الحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، وهو ذات الحق الذي تكفله المعاهدة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية. لذا فقد أعلنت إيران بصراحة أنها لن تنتظر طويلا، حيث لم يفت أحمدي نجاد الإشارة إلى هذا الأمر أثناء توليته رسميا مقاليد الحكم في طهران. وبالرغم من إصرار طهران على مواصلة تخصيبها لليورانيوم على نطاق محدود، إلا أنها وافقت على وضع برنامجها تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك فالولاياتالمتحدة والغرب يطالبان بالمزيد، حيث يسعيان إلى القضاء على كافة القدرات العلمية الإيرانية التي تمكنها من إنتاج الوقود النووي، علما بأن ذلك الوقود الموجه لأغراض سلمية لا يتطلب سوى مستويات منخفضة من التخصيب بخلاف الوقود المستعمل في الأسلحة النووية. أما اقتراح الغرب بتزويد إيران بالوقود النووي فلا تعدو أن تكون محاولة لإنكار حق طهران في الاستفادة من قدراتها الخاصة. ومما فاقم الوضع أكثر اكتشاف معدات تم استيرادها من باكستان تُستعمل في إنتاج الأسلحة النووية. لكن إيرانوالولاياتالمتحدة فضلتا، لأسباب خاصة بهما، التغطية على الموضوع وعدم الإشارة إليه. \r\n \r\n وقد أعلنت إيران عشية تنصيبها لرئيسها الجديد عن عدم استعدادها للانتظار فترة أطول، لذلك طلبت إلى الوكالة الذرية رفع الأختام عن مرافق تخصيب اليورانيوم بعدما كانت قد وافقت على تعليق أنشطتها أثناء مفاوضاتها مع أوروبا. ومن جهتها أبدت الوكالة الذرية استعدادها لوضع كاميرات ووسائل مراقبة في المرافق الإيرانية لضمان بقاء برنامج تخصيب اليورانيوم تحت مراقبة المفتشين الدوليين. وأمام التزام طهران بمقتضيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم خرق أحكامها، فإنه من الصعب توجيه اللوم لها أو العثور على ثغرات قانونية في تصرفها. بيد أن المشكلة هي في جوهرها سياسية وليست قانونية وتجد جذورها في السياسة الأميركية تجاه انتشار الأسلحة النووية حيث اعتمدت في تقييمها للموضوع على طبيعة الأنظمة السياسية، وليس على سياسة الدول نفسها. وللتدليل على ذلك يكفي النظر إلى الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع البرنامج النووي الباكستاني، حيث غضت الطرف عنه طيلة ربع قرن من الزمن مقابل الدور الذي لعبته إسلام أباد في الحرب التي كانت مستعرة في أفغانستان أيام الاتحاد السوفييتي. كما أن كوريا الشمالية قامت منذ فترة وجيزة بتخصيب اليورانيوم بدرجات أعلى دون أن تثير كل هذه الضجة. \r\n \r\n وقد برزت تهديدات يتم التلويح بها ضد طهران تفيد باحتمال إحالة موضوع برنامج تخصيب اليورانيوم إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات قاسية ضد إيران بما في ذلك احتمال استعمال العنف. غير أن تلك التهديدات فقدت معناها وباتت مستبعدة تماما، حيث أعلنت صراحة كل من روسيا والصين عدم دعمهما لخيار استخدام القوة ضد طهران. ويرجع هذا الموقف إلى المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للبلدين في إيران. فبينما تحاول الصين كقوة صاعدة مواجهة الولاياتالمتحدة في العالم، تحاول القوى الأخرى المعارضة تكريس مبدأ التعددية القطبية وعدم الاستفراد باتخاذ القرارات التي تؤثر على أمن واستقرار العالم. وبالنظر إلى إمكانية إشهار ورقة \"الفيتو\" من قبل الصين وروسيا ضد أي قرار بالتدخل العسكري، فإنه بات واضحا هشاشة خيار مجلس الأمن بالنسبة للغرب. ومن جهة أخرى فقد أدت هذه المواجهة بين إيران والغرب حول استئناف برنامجها النووي إلى مضاعفة التأييد الذي يحظى به التيار المتشدد داخل إيران. وقد وصلت الدعاوى إلى حد المطالبة بالانسحاب من المعاهدة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية وذلك للتحلل من الالتزامات التي تفرضها المعاهدة والسعي بحرية لامتلاك تلك الأسلحة. \r\n \r\n وأخيراً يجدر بالولاياتالمتحدة أن تستغل الحركية الدبلوماسية التي أحدثتها في الفترة الأخيرة للوصول إلى حل مناسب قبل أن تقطع إيران خط اللاعودة. وبالقدر الذي سعت فيه الولاياتالمتحدة إلى إشراك قوى عالمية متعددة في المفاوضات السداسية مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي، فإنها قادرة كذلك على توسيع دائرة الدول المشاركة في حل الأزمة الحالية مع إيران حتى لو لم يكن النجاح مضمونا. ويكتسب هذا الاقتراح واقعيته انطلاقاً من وجود دول عديدة في منطقة الخليج لا ترغب في أن يتزعزع الاستقرار بالمنطقة. لذا فهي على أتم الاستعداد لبذل جهود كبيرة من أجل تحقيق انفراج سياسي لمسألة البرنامج النووي الإيراني. \r\n