رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مصر على موقفه في عدم وجود علاقة بين الحدثين. فهو يرى ان تنظيم »القاعدة« قد شن الحرب على الغرب قبل زمن طويل من الحرب العراقية. ويمضي بلير ليتساءل عن حقيقة اكتراث »القاعدة« بمعاناة العراقيين وهي المسؤولة عن قتل العديدين منهم في التفجيرات الانتحارية التي تقودها داخل بلادهم. \r\n \r\n على الطرف الاخر يرى حوالي ثلثي ابناء الشعب البريطاني ان الحرب على العراق قد اعطت »القاعدة« دفعة قوية وانها واحدة من الاسباب الرئيسية وراء هجمات لندن. كان اول من اشار الى العلاقة بين الحدثين النائب البريطاني جورج غالاواي الذي قوبل بالاستياء بادئ الامر لتحويله الحادث المأساوي الى غنيمة سياسية. لكن الاستياء ما لبث ان تلاشى وراح غالاواي ومنطقه يكسبان المزيد من الانصار كل يوم. \r\n \r\n ابرز هؤلاء الانصار كان المعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا, الذي يعتبر في مقدمة معاهد البحوث المستقلة في العالم, الذي اعلن في تقرير نشر الاسبوع الماضي عن دور الحرب على العراق في »انتعاش« القاعدة. ثم تبعه مركز تحليل الارهاب المشترك, وهو مركز يضم جهات امنية بريطانية متعددة مثل الشرطة والاستخبارات الداخلية والخارجية, حيث اصدر تقريرا يفيد بأن العراق كان الدافع وراء سلسلة من النشاطات ذات العلاقة بالارهاب في بريطانيا. \r\n \r\n ثم جاءت نتائج الاستطلاع الذي نظمته صحيفة »الغارديان« مع مؤسسة اي.سي.أم لاستطلاعات الرأي والتي كشفت عن ان 64 بالمئة من البريطانيين يعتقدون بأن قرار رئيس الوزراء حول شن الحرب على العراق مسؤول عن تفجيرات لندن. \r\n \r\n لكن من الخطأ العودة الى الجدل القديم حول العراق. فالقضايا ذات العلاقة اليوم اصبحت اكثر تعقيدا. قد يجد الذين عارضوا الحرب على العراق عام 2003 بعض السهولة في اعتبار تلك الحرب او مجمل الاعمال البريطانية - الامريكية المشتركة بعد احداث ايلول 2001 العامل الاساسي وراء وقوع تفجيرات لندن ولا شك ان الادلة على صحة هذا الرأي لن تعوزهم بالنظر لكثرتها وتعددها. ويمكن القول اولا: ان بريطانيا لم تكن يوما هدفا للعنف الجهادي قبل احداث ايلول. ثانيا: ان وكالات الاستخبارات البريطانية نفسها كانت قد تنبأت بوجود علاقة من هذا النوع وحذرت من اثر غزو العراق على تصعيد تهديدات القاعدة. وقد تضاعف هذا الخطر نتيجة انشغال كل من بريطانيا وامريكا بصدام بدلا من التركيز على »القاعدة«. \r\n \r\n ثالثا: هناك الدليل المنظور الذي يستطيع كل منا ان يراه بأم عينه. فقد تحول العراق الى وضع يشبه ما كانت عليه افغانستان قبل عام 2001 اي انه اصبح جامعة لتدريس الارهاب. كان المحللون قبل غزو العراق يبحثون بعدسات المجاهر عن علاقة بين عراق صدام حسين والارهاب الدولي. في حين اصبح عراق اليوم يعج بالجهاديين الناشطين الذين يزرعون القنابل ويقطعون رؤوس الرهائن ويخططون لمختلف انواع الهجمات على اوروبا ودول الغرب. لقد حاولنا اقتلاع عشبة ضارة فأضرمنا النار في البستان كله. \r\n \r\n يضاف الى ذلك ان العقدة العراقية واضحة في تفجيرات لندن. فقد اججت الحرب على العراق غضب جيل كامل من المسلمين الشبان في جميع انحاء العالم وزاراتهم اصولية. \r\n \r\n يقول المخرج المخضرم المتخصص في شؤون الارهاب بيتر تايلور الذي انجز لتوه فيلما وثائقيا بعنوان »القاعدة الجديدة« انه انفق عاما كاملا في الالتقاء بمسلمين من اسبانيا والمغرب وباكستان والولاياتالمتحدة وبريطانيا وان »الكلمة الوحيدة التي ترددت بوضوح على لسان الجميع هي: العراق. ولا مجال للشك بان العراق هو الدافع الاول لغضبهم«. \r\n \r\n هكذا نسلم بأن العراق عامل مهم ومؤثر في تفجيرات لندن لكنه ليس الكل بالكل. لان »القاعدة« لا تشبه منظمات مثل »إيتا« الاسبانية او الجيش السري الايرلندي من حيث كونها منظمات ذات هدف محدد واضح. فهي لا تهدف فقط الى اخراج جنود دولة معينة من مكان معين او تحدد نفسها بانسحاب القوات الاجنبية من افغانستان او العراق او بتطبيق العزلة في فلسطين وهي لا يجب ان تفهم على انها الجناح العسكري لحركة »اوقفوا الحرب«. \r\n \r\n فأهدافها مختلفة عن كل ما تقدم. فهي تهدف الى استعادة الخلافة على امتداد الارض التي خضعت لحكم الاسلام من اسبانيا حتى الفلبين, ان الكثيرين يميلون الى تجاوز هذا الامر الذي يصعب عليهم فهمه واستيعابه. والذي يفهمه منهم يحاول التقليل من خطورته ويعتبره ثانوي الاهمية بالنسبة لهدف »القاعدة« الاول في محاربة الامبريالية. \r\n \r\n لكن من الخطأ تجاوز هذه الحقيقة. لان فكرة استعادة الخلافة بما تحمله من تحفيز هي التي توضح عمليات القاعدة التي تبدو من دونها عديمة المعنى. اذ ما معنى ان تواصل خلايا »القاعدة« في مدريد التخطيط لهجمات جديدة بعد ان جاءت حكومة جديدة بدأت بسحب القوات الاسبانية من العراق? ولماذا تفجر »القاعدة« ناديا ليليا في »بالي« الاندونيسية? لا شك ان قتل السياح الذين حسبهم المهاجمون امريكيين كان احد الاسباب, لكن السبب الاهم هو زعزعة الاوضاع في اندونيسيا التي تعتبرها »القاعدة« جزءا من ارض الخلافة. \r\n \r\n بكلمة اخرى, يمكن القول ان برنامج »القاعدة« بدأ قبل العراق وانه يمتد الى ما بعده. فهي تسعى الى انهاء الوجود الاجنبي في جميع الاراضي التي تعتبرها اسلامية. واذ يتساءل توني بلير »هل كانت هجمات 11 ايلول انتقاما من شيء ما?« فإننا نتوقع منه ان يعرف الجواب. فتلك الهجمات كانت ردا على عقود من التدخل الاجنبي بقيادة الولاياتالمتحدة في شؤون بلاد تعتقد »القاعدة« انها بلاد المسلمين وحدهم. \r\n \r\n هذه هي العقيدة التي تحرك »القاعدة« والتي توضح اسباب وجود هذا التنظيم منذ عام 1993 . ويرى المعنيون بمراقبة الشؤون الاسلامية في بريطانيا ان القفزة الكبيرة في نمو الجماعات المتطرفة لم تأت بعد هجمات ايلول او بعد حرب العراق, انما في منتصف التسعينات حين كانت البوسنة معقلا لتجنيد المتطوعين. \r\n \r\n ما يتكون لدينا الان هو صورة اكثر اختلاطا وتعقيدا من تلك التي يرسمها لنا توني بلير او خصومه من الحركة المعارضة للحرب. لقد لعب العراق دورا مهما في اثارة غضب الشبان من المسلمين ودفعهم الى الانصات لرسالة متطرفة ما كانت لتستهوي في الماضي سوى المجانين, لكن هذه الرسالة لا تنحصر بالعراق وحده او بافغانستان او بالاحتلال الاسرائيلي في غزة والضفة الغربية واننا لنخدع انفسنا لو اعتقدنا بذلك. \r\n