هذا ويعتقد المراقبون العالمون ببواطن الأمور, أن الأولوية الرئيسية لآية الله هاشمي رفسنجاني, ستكون وضع حد للنزاع الذي قوض علاقات بلاده مع الولاياتالمتحدة الأميركية, منذ الإطاحة بنظام الشاه, وبزوغ شمس الجمهورية الإسلامية في عام 1979. وفيما يبدو فإن الظروف ناضجة ومواتية الآن, لحدوث قدر كبير من التحسن في العلاقات الأميركية- الإيرانية, إن لم تفض إلى مصالحة أوسع بين الدولتين, ربما تستغرق زمناً أطول كي تصبح واقعاً. \r\n يذكر أن رفسنجاني نفسه, كان قد أمضى دورتين رئاسيتين من قبل, حكم خلالهما بلاده, طوال الفترة الممتدة من عام 1989 إلى 1997. وخلال السنوات القليلة الماضية, تولى رفسنجاني \"مجلس تشخيص مصلحة النظام\". وينحصر دور هذا المجلس في حل النزاعات التي تنشأ من حين إلى آخر بين المجلس –البرلمان- و\"مجلس الحرس الثوري\", إضافة إلى تقديم النصح والاستشارة للقائد الأعلى للثورة, آية الله علي خامنئي, فيما يتصل بشؤون السياسات القومية. وعلى الرغم من أن رفسنجاني قد تقلب وتأرجح ما بين المحافظين والإصلاحيين في إيران, إلا أنه لم يمنح ولاءه التام لأي منهما. وبذلك يظل رفسجاني أقرب إلى كونه مستقلاً, يعتمد على مصدر قوته الشخصي والذاتي. كما يقال إن له أيادي ضغط قوية نافذة, في الولاياتالمتحدة. وهناك كثير من الشائعات تروج في الشارع الإيراني اليوم, مفادها أن آية الله خامنئي لم يسمح له بترشيح نفسه لهذه الدورة الرئاسية, إلا بحكم شرط واحد رئيسي, هو إبرام صفقة بين طهرانوواشنطن, تنهي أزمة المواجهة بينهما بسبب الأسلحة النووية, وغيرها من القضايا الساخنة في النزاع بين الدولتين. \r\n ففي مستوى من المستويات, تبدو إيرانوالولاياتالمتحدة, كما لو أنهما انزلقتا إلى فخ خصومة أبدية لا فكاك منها. فمن جانبهم يكيل الناطقون الرسميون الأميركيون, السباب لإيران ونعتها بأنها دولة راعية للإرهاب, وخصم لدود متعنت لأي صفقة سلام عربية-إسرائيلية, علاوة على ما توصف به من خطورة على الأمن الدولي, خاصة بسبب ما ينسب إليها الآن, من مطامح وتطلعات لتطوير الأسلحة النووية. أما المسؤولون الإسرائيليون – وأنصارهم داخل الولاياتالمتحدة الأميركية- فلم يألوا جهداً في نعتهم المستمر لإيران, وتصويرها على أنها تشكل خطراً أمنياً \"وجودياً\" على دولة إسرائيل, بسعيها إلى تطوير الأسلحة النووية. وفي المقابل, فإن الدمغة الإيرانية الثابتة في جبين الولاياتالمتحدة, هي أنها \"الشيطان الأكبر\". كما تمتد الدمغة ذاتها لتشمل جبين حليفتها إسرائيل. \r\n \r\n لكن مع ذلك وبرغمه, فإن نظرة أكثر إمعاناً للواقع, تؤكد أن هناك الكثير من المصالح المشتركة بين طهرانوواشنطن. فمن ناحية, أسدت واشنطنلطهران خدمة كبيرة سلفاً, وذلك بتدميرها وقضائها, على ألد عدوين إقليميين لإيران, هما حكومة \"طالبان\" الأفغانية, ونظام صدام حسين العراقي. ومما لا شك فيه أن واشنطن اعتقدت أنها وبشنها لتلك الحرب التي قضت على النظامين المذكورين, إنما كانت تخدم مصالحها القومية الخاصة. غير أن ذلك لا ينفي حقيقة أن طهران, هي من أكبر الغانمين والكاسبين من حرب الولاياتالمتحدة على الإرهاب. وبفكها لقبضة المسلمين السنة على نظام الحكم العراقي, إنما هيأت الولاياتالمتحدة, المناخ السياسي لبروز حكومة جديدة, يغلب عليها التيار الشيعي في بغداد. وما أكبر غبطة القادة الدينيين والسياسيين الإيرانيين بهذه النتيجة! فقد جعل الغزو الأميركي للعراق, هذا التحول السياسي والديني في موازين القوى العراقية ممكناً, وإلا لاستمرت دونية التيار الشيعي على ما كانت عليه, طوال العقود التي حكم فيها صدام حسين. \r\n \r\n كما لابد من ملاحظة أن طهران تشاطر واشنطن بغضها لتنظيم \"القاعدة\", وغيره من التنظيمات والحركات الجهادية القائمة على المذهب السلفي. فبحكم كونها معقل المذهب الشيعي, ونصير الشيعة المضطهدين في أرجاء المعمورة قاطبة, فمن الطبيعي أن تناصب طهران العداء لكافة أشكال التعصب السني والنشاط الجهادي المرتبط به. وفي معرض التعبير العملي عن هذه المشاعر, فإن طهران لم تسع وتحرص على تحسين علاقاتها مع كل من المملكة العربية السعودية ومصر, إلا بدافع تفضيلها للنظامين السنيين الحاكمين في هاتين الدولتين, على التيارات السنية المتشددة الأخرى, التي تسعى لإسقاطهما. وعلى أية حال, فربما كان في العراق مخرج للتفاهم المشترك, ولتحسين العلاقات الأميركية- الإيرانية. ذلك أن المحللين الإيرانيين يرون أن واشنطن غارقة حتى أذنيها, في مستنقع العنف العراقي, وأن الساعة التي ستطلب فيها واشنطن دعم إيران ومساعدتها في إيجاد مخرج من هذه الأزمة, قد أزفت. \r\n \r\n وعلى الرغم من أن مسافة لا يستهان بها, لا تزال تفصلنا عن وقوع مصالحة أوسع بين طهرانوواشنطن, إلا أن بعض عناصر صفقة ما بين الدولتين, قد بدأت تتشكل فيما يبدو. ومن جانبها تتطلع طهران إلى نيل اعتراف واشنطن, بما لدى إيران من مصالح وطنية حيوية في كل من منطقة الخليج العربي وآسيا الوسطى, فضلاً عن الحصول على ضمانات أمنية منها. كما تتطلع طهران للحصول على حزمة اقتصادية مالية معتبرة من كل من أميركا وأوروبا, بما في ذلك, الالتحاق بعضوية منظمة التجارة العالمية. في مقابل هذه المكاسب, فإن على الأرجح أن توافق طهران على تقديم العون والمساعدة في استتباب واستقرار الأوضاع الأمنية في العراق, بما يسمح وتهيئة المناخ والظروف الملائمة لاستراتيجية خروج لائق للولايات المتحدة من هناك, إلى جانب تعليق برامجها وأنشطتها النووية في مجال تخصيب اليورانيوم إلى أجل غير مسمى. \r\n \r\n وبسبب ما يخالج الدول الأوروبية الثلاث – فرنسا وبريطانيا وألمانيا- من شعور قوي بإمكانية إبرام صفقة كهذه, فقد اتفقت ثلاثتها مع طهران, على تأجيل مفاوضاتها حول البرامج النووية مثار الجدل والنزاع, إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية المرتقب إجراؤها في السابع والعشرين من يونيو الجاري. إلى ذلك يتوقع أن يترجل الرئيس الحالي محمد خاتمي عن صهوة القيادة في الثاني من شهر أغسطس المقبل, وهو موعد تقلد الرئيس الجديد لزمام السلطة والحكم في البلاد, على الأرجح. وفيما لو كان هذا الرئيس المرتقب هو هاشمي رفسنجاني – حسبما يرجح أغلب المراقبين والمحللين- فإن أغلب الظن هو أن تجرى محادثات مكثفة مع واشنطن, وأن تتخذ هذه المفاوضات منحى أكثر جدية وعملية ومباشرة بين الطرفين. \r\n \r\n ومهما يكن من علو النبرة والخطابية العدائية المتبادلة الآن بين طهرانوواشنطن, فإن الذي لا يتطرق إليه أدنى شك, هو ترحيب كلا الطرفين بإبرام صفقة, من شأنها تصفية الأجواء بينهما, وإزاحة ركام من سحب البغض والعداء المتبادلين, على امتداد ما يزيد على ربع القرن. وما أكثر الصعاب والعثرات التي تعترض طريق صفقة كهذه. فالمتشددون والمتعصبون في كلتا الدولتين, سيقفون لها بالمرصاد, وسوف يستميتون أشرس ما تكون الاستماتة, في الحيلولة دون إبرام أي صلح بين واشنطنوطهران. ولكن ما يحمل على التفاؤل والاطمئنان هو أن هاشمي رفسنجاني, من قوة الشكيمة وعزم الإرادة, بما يجعله قادراً على حسم أمر المتشددين الإيرانيين في الداخل. وفي الوقت ذاته, فإن البساط ينسحب رويداً رويداً من تحت أقدام المتشددين من ممثلي المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل, وكارهي إيران هناك في واشنطن, فيما يبدو. \r\n \r\n ومن شأن تفاهم أميركي- إيراني بهذا المعنى – يمتد إلى حزب الله في لبنان والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني- أن يصبح عاملاً مهماً في جلب وتحقيق الاستقرار لمنطقة, طالما مزقها العنف والنزاعات الدامية. \r\n \r\n