والحقيقة هي انه فيما كانت صفحة الرأي في «واشنطن بوست» تدق طبول الحرب ، فان التغطية الاخبارية فيها للفترة التي سبقت الغزو كانت عموما أفضل بشكل هامشي من تغطية «نيويورك تايمز» فلم يكن في واشنطن بوست تلك الاحراجات السافرة مثل القطع المخزية التي كانت تكتبها حوديث ميلر في نيويورك تايمز مقارنة بما كتبه والتر بينكوس ومايك الان وصولا الى دانا بريس، الذين كانوا ينشرون القصص الحقيقية في ادارة بوش قبل وقت طويل مما كانت تفعله نيويورك تايمز. \r\n \r\n ومع ذلك، يبقى لدى واشنطن بوست الكثير لتعتذر عنه «من اغسطس 2002 وحتى 19 مارس 2003، تاريخ شن الحرب، نشرت واشنطن بوست اكثر من 140 قصة خبرية في الصفحة الاولى تركز بشدة على خطاب ادارة بوش ضد العراق. لكننا لا نسمع حتى الآن اعتذارا عن ذلك، سواء كان افراد الصفحة الاولى لدعاية الحرب او لاخفاء التشكيك السباق للحرب الذي كان يقدمه مراسلوها. \r\n \r\n كما نجد في واشنطن تايمز الان مثل هذه الكذبة البلهاء من مدير تحريرها التنفيذي ليونارد داوني الذي يقول: «كنا نركز جدا على محاولة معرفة ما كانت تفعله الادارة الاميركية بحيث اننا لم نعط القدرنفسه من المساحة للناس، الذين كانوا يقولون ان الذهاب الى الحرب ليس فكرة صائبة ويشككون في منطق الادارة». كما نقرأ ايضا زعم بوب وودوارد الذي يقول: «لم تكن لدينا مصادر بديلة للمعلومات» في لحظة نحن نعرف فيها من اقواله هو نفسه انه يعرف ان ادارة بوش كانت مصممة على غزو العراق. \r\n \r\n تخيلوا ان هذه الامبراطورية الورقية التي هي واشنطن بوست كانت تركز فقط على اكتشاف ما كان حينها واضحا لعشرات الملايين من البشر في العالم: ادارة بوش مصممة على فتح ابواب جهنم وليس لها عزم سوى على الذهاب لغزو العراق، بوجود اسلحة دمار ام لا. \r\n \r\n اذن تخيلوا مرة اخرى، ان كورتز هو افضل ما يمكننا ان نأمل به بعد سنة وربع من الاستيلاء على بغداد وسلسلة من الاحداث المأساوية التي اجبرت ادارة بوش على اتخاذ مواقف دفاعية، وبعد وقت طويل من سقوط كل مزاعم اسلحة الدمار الشامل واختفائها في «انابيب الالمنيوم» تلك (التي كانت واشنطن بوست قد اعترفت بأنها قد تعمدت اخفاء الشكوك بشأنها في الصفحات الداخلية» والى النسيان. وتجدهم يقولون ان الرئيس بوش يواجه وقتا عصيبا وهو يعترف بالخطأ! \r\n \r\n ان الرقابة الذاتية والمطاوعة والاغفاء الجبان امام دعاية الادارة من ذلك النوع الذي اعترفت به واشنطن بوست ليست سوى قمة جبل الجليد الاعلامي. ان واشنطن بوست تكتفي بعدم الاعتذار وليس الاعتذار عما كتبته فعلا وعما نشرته على صفحاتها. كما انه امر لا يزال ابعد من الاحلام ان نأمل من صحفنا الكبرى ان تكرس اقل الاهتمام الممكن بالاخبار التي كان يفترض ان تغطيها بل تواصل غيها. \r\n \r\n ولهذا، دعوني فيما تبقى من هذه السطور ان أتناول بعضا من جوانب تغطية حرب العراق في الاعلام الاميركي منذ الاستيلاء على بغداد وبعض اخبار الاحتلال والحرب التي لم يتطرق اليها هذا الاعلام التي استطيع ان اطلع عليها من مكاني هنا في اميركا وانا الذي افتقر للمصادر والمعرفة الفعلية بما يجري هناك. كما اريد ايضا ان اتطرق الى بضعة امثلة من الفترة الاخيرة من مصطلحات حرب العراق وكيفية تعامل الاعلام معها، باعتبار ان لكل حرب كلماتها التي يراد منها تشويه الحقيقة لمصلحة طرف من الاطراف. \r\n \r\n القوات الجوية \r\n \r\n كانت القوات الجوية صلب الاسلوب الاميركي في القتال منذ الحرب العالمية الثانية. فاذا ما اضطر العدو تحت ضغط القصف الجوي الشديد للاختباء في مناطق يحظر قصفها، مثل المستشفيات او المدارس او بين المدنيين، نصف ذلك بأنه عمل «جبان» يجبر قواتنا المسلحة على تجاهل «قواعد الحرب» وهذه هي الفكرة التي تسردها صحفنا احيانا. \r\n \r\n في مقالة اخيرة في نيويورك تايمز، يأخذ الكاتب توني كوران عبارة اشتهرت ايام حرب فيتنام للحديث عن القتال الاخير الدائر قرب مرقد الامام علي في النجف: «مع ان مقاتلي جيش المهدي الذين يقدر عددهم بألف مقاتل ليسوا ندا ابدا لثلاثة الاف جندي اميركي وعدد غير محدد من قوات الأمن العراقية الذين يحاصرون المكان، فان الظروف السياسية التي تدور هذه الحرب في ظلها تجبر مشاة بحريتنا على القتال بيد واحدة بينما اليد الاخرى مربوطة وراء ظهره. \r\n \r\n هذا صحيح تماما. لكن هناك جزء اخر للحكاية: حين استخدمنا مروحيات الاباتشي الهجومية وطائرات بريدايتور بدون طيار وصواريخ هيلفاير المضادة للدبابات ومقاتلات اف 16 اضافة الى الدبابات في مناطق كثيفة السكان ضد عدو اقصى ما لديه من سلاح هو بنادق كلاشنكوف وقذائف ار بي جي، فكم يدا كانت لنا أمام ظهورنا؟ ستة؟ عشرة؟ سبعة وثمانين؟ \r\n \r\n اليوم، وفي اجزاء كبيرة من العراق، مدينة بعد مدينة، تبدو وهي تتمرد على السيطرة الاميركية، اخذت قواتنا المسلحة بزيادة اعتمادها على القوات الجوية، باعتبارها السلاح المفضل في المناطق المدنية، المكتظة بالسكان. فقد قمنا، مؤخرا، بقنابل الطائرات والصواريخ واحيانا بالاثنين معا بقصف مدينة الصدر، وذلك الحي المكتظ الذي يسكنه مليونان من اهالي بغداد، وسامراء والكوت والنجف والفلوجة «لاكثر من مرة» والرمادية والحلة من بين مدن اخرى. \r\n \r\n في مدينة الكوت نقلت وكالة الصحافة الفرنسية ما يلي: «القصف الليلي الأميركي المكثف في الكوت قتل 84 شخصا وجرح حوالي 180 اخرين كما قال مصدر في احد المستشفيات العقيد في الشرطة سلام فخري قال ان القصف بدأ في الواحدة ليلا واستمر حتى الثالثة صباحا». \r\n \r\n وفي سامراء اسقطت قنابل زنة 500 رطل على «موقعين معروفين للعدو» كما قال مصدر عسكري أميركي، لكن الطبيب، عبدالحميد السامرائي قال لوكالة الصحافة الفرنسية ان معظم الضحايا كانوا نساء واطفالا. \r\n \r\n المفاجئ في الامر، ان هذه الاشكال من القصف فيما تتزايد لم نشهد اي مقالات ذات شأن في صحافتنا عن استخدام القوات الجوية بهذا الشكل في العراق ومخاطر واحتمال الاعمال غير الشرعية في قصف مناطق مكتظة بالسكان في البلد لا نزال عمليا «نحتله». \r\n \r\n القواعد الدائمة \r\n \r\n هناك قصة اخرى عن حرب واحتلال ثم حرب العراق، كنت اتحدث عنها منذ ابريل 2003. قواعدنا الدائمة او كما نحب ان نسميها «المعسكرات المطولة» في العراق، احتمال بناء اربعة من هذه القواعد الدائمة نوقشت على الصفحة الاولى من نيويورك تايمز قبل الحرب، بعدها بسنة في ربيع 2004، نشرت شيكاغو تريبيون مقالتين عن بناء 14 معسكرا مطولا، وبخلاف ذلك، لا اذكر ان ايا من وسائلنا الاعلامية تحدثت عن بناء قواعد اميركية دائمة في العراق. \r\n \r\n والمفترض ان اشياء ضخمة مثل هذه يجب الا يتم تجاهلها، لكن الاشارة الوحيدة التي عثرت عليها عن هذا الامر هي في مجلة هندسية تحدثت عن حجم هذه القواعد وضخامة الاموال المخصصة لها وذلك في مقابلة بالبريد الالكتروني اجرتها مجلة «قوات المهندسين في الجيش الاميركي» مع الكولونيل ديفيد هولت، «المسئول عن بناء هذه المنشآت». \r\n \r\n تقول المقابلة: «المهمة الثالثة التي يقوم بها مهندسو الجيش الاميركي هي بناء منشآت لتمركز القوات الاميركية يقول هولت: الارقام هنا ايضا مذهلة معظم العمل عهد به الى شركة كي بي آر المملوكة لشركة هاليبرتون يقول هولت: انه عمل ضخم يتكلف سبعة مليارات دولار». \r\n \r\n تخيلوا، سبعة مليارات دولار ومن الذي ينفذه كي بي آر الشركة الفرعية لهاليبرتون، بعض هذه القواعد مثل معسكر اناكوندا هو ضخم بالفعل بحيث يناهز قواعد حقبة فيتنام الضخمة التي بنيت في مواقع مثل دانانغ، وهذا يتواصل دون ان يأتي له ذكر وان لم تستوعب هذا، فاعلم ان البنتاغون كان يخطط لمجموعة كبيرة من «المعسكرات المطولة» في العراق حينها فقط يمكن للمرء ان يفهم سبب عدم امتلاك ادارة بوش لاستراتيجية الخروج من العراق، السبب هو انها لا تخطط اصلا للخروج منه، كما تفسر هذه القواعد سبب اصرار رئيس سلطة التحالف المؤقتة السابقة بول بريمر على حل الجيش العراقي وبناء قوة امنية صغيرة (بدون قوات جوية) من حوالي 35 40 ألف جندي خفيفة السلاح وبدون دبابات. \r\n \r\n حرب المدن والمذبحة \r\n \r\n بالتأكيد حظي القتال الاخير في شوارع ومقابر النجف بتغطية يومية وببعض التفصيل ورأينا اوصافا من مثل قتال «دموي» و«وجها لوجه» في مقبرة النجف الضخمة وازمة المدينة القديمة مثل هذه الاوصاف توحي بتكافؤ القتال (كما هي الحال في اليد المربوطة وراء الظهر) لكن إن نظرنا لاعداد القتلى بدا لنا انه حتى الآن على الاغلب قتل 8 جنود اميركيين في هذا القتال مقابل عدة مئات من العراقيين وحتى «الاحصاء» الاميركي للقتلى في صفوف ميليشيا جيش المهدي تتغاضى عن اكثر من 300 قتيل منذ أن بدأت المعركة. \r\n \r\n فان هذه الارقام هي الى حد كبير غير متوازنة، مع مثل هذه الارقام يجب الا يوصف الامر بأنه «قتال دموي» او «قتال شرس وجها لوجه»، يجب ان نضيف كلمة جديدة لهذا الوصف: مذبحة الارقام لاتكذب ومع ذلك اؤكد لكم انكم لو بحثتم في الاعلام الاميركي طولا وعرضا لن تجدوا هذه الكلمة مستعملة او حتى اي كلمة شبيهة بها. \r\n \r\n الاستراتيجية الأميركية في العراق \r\n \r\n حين وصل فريق وزارة الخارجية الاستخبارات الاميركية الى العراق في «الفترة الانتقالية» الى العراق بقيادة السفير جون نيغروبونتي كان من الواضح ان لديهم خطة: ضعوا رئيس الوزراء العراقي الجديد اياد علاوي وغيره من المسئولين العراقيين امام الكاميرات وادخلوا صانعي السياسة الاميركيين الى داخل المنطقة الخضراء ليغلقوا افواههم وهكذا فعلوا فتوقف الكتاب الاميركيون الذين فقدوا اي مدخل للمعلومات او التسريبات عن كتابة اي تحليلات او توقعات عن طبيعة ومعنى الاستراتيجية الاميركية في العراق. \r\n \r\n المنطقة الخضراء اختفت بكل بساطة من صحافتنا التي انتهت الى حد كبير بتغطية القتال في النجف والقرارات التي من المفترض ان علاوي هو من يتخذها بهذا الشأن من الواضح لكل عاقل ان الاميركيين لايزالون هم اصحاب القرار وان القرارات الاستراتيجية الاميركية ينفذها الاميركيون عموما وليس العراقيين ومن المقبول عمليا ان الهجوم على النجف هو نتيجة مطالب اميركية بذلك لسحق ما يبدو انه اسهل مصادر المقاومة في العراق وهي ميليشيا الصدر بائسة التسليح والتدريب وربما يبعد ذلك قضية العراق عن الصفحات الاولى حتى نوفمبر لكن كما تشير بذلك كل الاخبار فان مجمل التفكير الاستراتيجي في بغداد م��يب وسط الاحداث في العراق. \r\n \r\n مرقد الامام علي \r\n \r\n الاسلام دين مجهول بالنسبة لمعظم الاميركيين (رغم تنامي اعداد من يعتنقونه في اميركا) وبالتالي بخلاف معظم الاماكن «المقدسة» المعروفة، دينية او سياسية، فان مرقد الامام علي لايوحي بأي اهمية لنا ولكن تخيلوا لو ان قسا متمردا (في واحدة من شطحات الاحلام) بغض النظر عن تشدد افكاره قد تحصن داخل الفاتيكان مع الميليشيا التي يتزعمها ليصد جيشا عربيا غازيا من دولة عربية قوية، حينها اؤكد لكم ان التغطية الاخبارية ستكون مختلفة. من المهم ان نذكر اننا لم نبدأ حتى الآن في محاولة وضع انفسنا مكان هؤلاء الذين يجربون هذا الامر.. رغم ان هذا يجب ان يوفر لنا على اقل تقدير رؤية مما يستطيع الساسة الاميركيون والعسكريون الاميركيون الذين لايقلون عنا جهلا، ارتكابه من رعونة تكتيكية مذهلة. \r\n \r\n ما هو هذا الذي نسميه العدو؟ سؤال طرحه مقدم البرامج لاري كينغ في شبكة «سي ان ان» على جورج ولورا بوش مؤخرا قال كينغ للرئيس: «في سياق الاحداث الاخيرة في النجف تدور لدينا مثل هذه الاسئلة اليوم عن تزايد التفجيرات الاخيرة في الاوضاع في العراق، ويبدو ان الامر لن ينتهي أليس كذلك؟ ما الذي يعنيه هذا؟! \r\n \r\n اجاب الرئيس قائلا: \r\n \r\n «لقد حظينا بزعيم عظيم يتمثل برئيس الوزراء علاوي انه رجل شجاع ويؤمن بالمجتمعات الحرة، كما نقوم بتدريب المزيد ثم المزيد من العراقيين، كما نحبذ المزيد والمزيد من العراقيين لتقديم هؤلاء الارهابيين، هؤلاء البعثيين السابقين وبعض المقاتلين الاجانب للعدالة، وهذا هو الذي سيجعلنا ننتصر». \r\n \r\n اذن الرئيس يعتقد اننا في النجف نقاتل بعثيين ومقاتلين اجانب وارهابيين! \r\n \r\n بيانات مثل هذه تجد من يقدمها في صحافتنا بشكل مباشر رغم ان الشيء الوحيد الذي لايمكن وصف جيش المهدي في النجف به هو انه مكون من «عناصر سابقة في النظام» او «بعثيين» فهؤلاء هم شيعة جنوب العراق الذين قمعهم صدام حسين بوحشية عام 1991 والذين نزعم ان غزونا للعراق كان الهدف منه تحريرهم ولابد من الذكر هنا ان آخر جيش وصل حتى مرقد الامام علي مهاجما بهدف الايذاء كان جيش صدام. \r\n