\r\n ولا يوجد منصب مواز لهذه الرتبة للرؤساء التنفيذيين للشركات أو لغاسلي الصحون في المطاعم. فالصحافيون والسياسيون والمحامون وغيرهم من المهنيين عندما يتبنون مواقف استفزازية لا تحظى برضا الجماهير، فإنهم لا يستطيعون ضمان عدم فقدانهم لوظائفهم. وحتى الأطباء لا يمتلكون مثل هذه الضمانات وقد يفقدون مناصبهم بسبب خطأ تشخيصي واحد. \r\n \r\n \r\n لكن الاساتذة الجامعيين، وبعد فترة اختبار تدوم لستة أعوام، يحصلون من نظرائهم على مرادف ضمان باحتفاظهم بوظائفهم مدى الحياة. لماذا لاتزال هذه الممارسة العجيبة مستمرة إلى الآن؟ \r\n \r\n \r\n الأساس المنطقي القياسي هو أن كيان التعليم العالي ينبغي أن يكون محرراً من القيود فتوفر الحصانة من العواصف السياسية شرط أساسي ليمتلك الاساتذة الجامعيون الشجاعة الكافية للاضطلاع بالمهمة الصعبة المتمثلة في استشارة العقول الشابة لمساءلة مجموعة الآراء والمعتقدات التقليدية. \r\n \r\n \r\n ويدفع البعض بالقول إن غياب ممارسة تثبيت الاساتذة الجامعيين في مناصبهم تعني بالضرورة شيوع المكارثية، وتعرض الاساتذة غير المثبتين للطرد التعسفي على خلفيات سياسية إذا تجرأوا على تبني مواقف تتعارض مع غالبية الرأي العام. \r\n \r\n \r\n لماذا إذاً تهيمن ظاهرة تماثل المعتقدات على الهيئات التدريسية المثبتة الحالية؟ إن الجامعات المعاصرة تعتبر من أكثر المؤسسات الأميركية تجانساً، على الأقل في مواقفها من قضايا مثيرة للجدل مثل قضايا العرق، الجنس، الطبقة الاجتماعية والثقافة. \r\n \r\n \r\n واتجاهات التصويت في المجالس العليا للكليات الأميركية ليست فقط مختلفة جداً عن اتجاهات الرأي العام الأميركي، بل انها أيضاً في أحيان كثيرة تكون أشبه بأغلبيات ال 90 في المئة التي نراها في استفتاءات العالم الثالث غير الليبرالي. \r\n \r\n \r\n وفي فترة معينة من عقد الستينات، كانت العديد من الكليات تشعر بأن الدور الحقيقي الذي ينبغي أن تلعبه الجامعة هو الابتعاد عن الأسلوب السقراطي للاستقصاء اللامبالي والضغط باتجاه الرؤية العالمية المقدرة «الصحيحة» . \r\n \r\n \r\n وبما أن النظرة السائدة ان أميركا كانت مذنبة في قمعها لأولئك الأشخاص من غير البيض، المحافظين، الذكور، الرأسماليين والمسيحيين، فإن الجامعات نادراً ما عزفت على وتر آخر. وكان الأمل هو انه خلال أربع سنوات في الجامعة، سيحصل جيل أميركا التالي على ترياق شاف من أمراض الطبقة الوسطى الأميركية قبل أن يمسك بزمام السلطة. \r\n \r\n \r\n وأصبح إجراء تثبيت الأساتذة الجامعيين جزءاً من حماية هذه الثقافة الغريبة التي تبرر الغاية فيها الوسيلة: الانحياز في غرفة الصف يتم التغاضي عنه باعتباره «توازناً» لإنصاف مجتمع مستضعف مظلوم في طبيعته الأساسية. \r\n \r\n \r\n وأصبح الوسط الأكاديمي يشبه كنيسة القرون الوسطى التي كانت أيضاً تعتقد بأن بروتوكولاتها القديمة متحررة من المساءلة والمراجعة، نظراً لقدسية مهمتها المتمثلة في إنقاذ الأرواح التائهة. \r\n \r\n \r\n وتعتبر جامعاتنا أيضاً مؤسسات قائمة على طبقتين: واحدة للرابحين وأخرى للخاسرين. فبرغم اللغة الخطابية الشعبية التي يتحدث بها أساتذة الجامعات، فإن الاستغلال يحدث كل يوم أمام أعينهم. \r\n \r\n \r\n فالمحاضرون الذين يعملون بدوام جزئي، والذين يحمل العديد منهم درجة دكتوراه، يقومون في أحيان كثيرة بتدريس المواد نفسها التي يدرسها نظراؤهم المثبتون. ومع ذلك فإنهم يتقاضون ربع التعويضات التي يتقاضاها الأساتذة المثبتون عن كل مادة، ولا يحصلون على أي مزايا إضافية. \r\n \r\n \r\n وذلك لأن الجامعات لا تستطيع الاستغناء عن خدمات الأساتذة المثبتين الذين عُيِّنوا بصورة خاطئة أو تسببوا لها بإحراج جماهيري كبير، ولذا نجدها تتحوّل إلى الاستعانة بمحاضرين من ذوي الأجور المتدنية، بدوام جزئي. \r\n \r\n \r\n والمفارقة أن المدرسين الشباب، خلال سنوات فترة الاختبار، يظهرون درجات عالية جداً من الجد والاجتهاد والتفاني في البحوث الأكاديمية إلى أن يحصلوا على درجة الأستاذية ويتثبتوا في مناصبهم وعندها لا يعودوا مضطرين لبذل كل هذا الجهد لعلمهم المسبق بأن تقييمهم في المراجعات السنوية لن يؤثر في وضعهم الوظيفي المضمون مدى الحياة. \r\n \r\n \r\n ومن المفترض أن تكون لمديري الجامعات مواقف حازمة في اتخاذ الإجراءات التأديبية في حق الأساتذة المقصرين. لكن ما يجري على أرض الواقع هو عكس ذلك بالضبط، حيث يتبنى رؤساء الكليات إجماع الهيئات التدريسية ويعتذرون عن أي انحراف نادر عن هذا الإجماع. \r\n \r\n \r\n بوسع الأشخاص العاقلين مناقشة ما يمكن خسارته من إلغاء قانون التثبيت لأساتذة الجامعات. لكن التحذير من أن ذلك سيؤدي إلى افتقار الأساتذة للأمن الوظيفي العادل هو أمر غير قابل للتصديق. وإن من شأن إيجاد صيغة لاتفاقات مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد، تلخص بالتفصيل الواجبات التدريسية والأكاديمية المتوقع من الأستاذ القيام بها، من شأنها أن تضمن حرية التعبير من دون إيجاد وظائف معطلة مدى الحياة لأولئك الذين يقصّرون في الوفاء بالتزاماتهم بموجب العقد المبرم مع الجامعة. \r\n \r\n \r\n وما زالت تكاليف رسوم الدراسة الجامعية ترتفع بمعدل يتجاوز معدل التضخم. كما ان نسبة الحصص الدراسية الرخيصة التي يدرسها محاضرون مساعدون تزداد هي الأخرى. وفوق ذلك فإن مقدرات الطلاب الخريجين أصبحت موضع تساؤل أكثر من أي وقت مضى. \r\n \r\n \r\n وما لا يتم التمحيص فيه في هذه المعادلة المقلقة هو فئة كبار الموظفين التي تقول إنها متشبثة بمبادئ المساواة، وتصرّ في الوقت ذاته على الاحتفاظ بامتيازاتها الاستثنائية التي لا يتمتع بها معظم الأميركيين. ومقابل هذا كله لم تنتج الجامعات طلاباً أفضل تعليماً أو هيئات تدريسية أكثر تنوعاً وأكثر استقلالاً في التفكير. لا بل إنها حققت عكس هذا. \r\n \r\n \r\n