بيد أن هذا البرنامج الذي كان من المفترض أن يمكن الأممالمتحدة من التخفيف من عذابات وآلام العراقيين الناجمة عن الحظر المضروب على بلدهم عقب حرب الخليج سنة 1991‚ تحول‚ بالعكس من ذلك‚ إلى عملية فساد مالي كادت تزعزع أركان الأممالمتحدة وتخلق أزمة حادة في أروقتها‚ ولم يكن المتهم في هذا الفساد غير كوجو عنان ابن كوفي عنان الذي اتهم باستمراره في تلقي مبالغ مالية من قبل شركة سويسرية شاركت في برنامج النفط مقابل الغذاء حتى بعد أن ترك الشركة‚ \r\n \r\n وبصرف النظر عن عدم إمكانية تحميل الأب جريرة ابنه ومسؤولية تصرفاته‚ وأن المبالغ التي تلقاها هذا الأخير من الشركة كانت غير ذات أهمية‚ إلا أن كشف النقاب عن هذه الخروقات خلق نوعا من الضيق والإزعاج بالنسبة للأمين العام‚ ومن نافلة القول‚ أن هذه الاتهامات تم توظيفها من قبل الولاياتالمتحدة لتضييق الخناق أكثر على الأمين العام للأمم المتحدة ووضعه في الزاوية الصعبة‚ حيث تلتمس أميركا لنفسها الأعذار‚ من خلال هذه الاتهامات‚ لتسديد حسابها مع كوفي عنان وجعله يدفع باهظا ثمن معارضته للحرب على العراق‚ واستماتته في الدفاع‚ مرات عديدة‚ عن وجهة نظر الأممالمتحدة التي لم تكن تساند الحرب‚ هذا ناهيك عن معارضته المباشرة لواشنطن‚ \r\n \r\n وفيما تتوالى هذه المشاكل على رأسه‚ سيكون كوفي عنان‚ ربما‚ ذلك الشخص الذي نجح فيما كان يعتبره الكل ضربا من الخيال: إنه الإصلاح الشامل والعميق لميثاق الأممالمتحدة بغية تحسين أدائها وجعلها أنجع من ذي قبل‚ فهو يأمل خلال المدة التي تفصلنا عن الخريف المقبل‚ وبعد لقاء القمة الذي سيجمع رؤساء دول وحكومات الأممالمتحدة والمزمع انعقاده في شهر سبتمبر المقبل‚ أن يتم التوصل إلى صيغة إصلاح تتصل بموضوع مهم وحساس في ذات الوقت يتمثل في توسيع مجلس الأمن‚ إذ‚ كما هو معروف‚ يعتبر هذا الأخير أحد الأجهزة الرئيسية للمنظمة الدولية‚ وهو يضطلع بموجب ميثاقها بمسؤولية ذات أولوية كبيرة تتجسد في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين‚ \r\n \r\n وقد أصبح الجميع مقتنعا منذ زمن بأن مجلس الأمن الحالي الذي يضم خمسة أعضاء دائمين وهم: الولاياتالمتحدة‚ وروسيا‚ والصين‚ وفرنسا وبريطانيا‚ بالإضافة إلى عشرة أعضاء يتم انتخابهم لمدة سنتين لا يتفق مع الواقع الاستراتيجي لعالمنا اليوم‚ ذلك أنه إذا ما كنا نرغب في جعل مجلس الأمن أكثر فاعلية وأن يستمر في القيام بالدور المنوط به بمقتضى ميثاق الأممالمتحدة‚ فإنه يتعين توسيعه ليتجاوز ذلك النظام الذي ظل ثابتا منذ أن وضع سنة 1945‚ وبخاصة فيما يتعلق بمسألة الأعضاء الدائمين‚ \r\n \r\n وبالطبع هنا رأس الداء‚ فليس من السهل على إيطاليا أن ترى ألمانيا تنضم إلى مجلس الأمن وأن تبدو هي‚ في المقابل‚ كدولة أوروبية أقل شأناً‚ ونفس الأمر ينطبق على الآخرين‚ فما الذي سنختار ليمثل أميركا اللاتينية البرازيل أم المكسيك؟ وبالمثل بالنسبة لإفريقيا أنختار إفريقيا الجنوبية أم نيجيريا؟ وبعد مفاوضات مكثفة يبدو أن لائحة ما رشحت تم وضعها بناء على مجموعة من المعايير الموضوعية منها الإسهامات المالية في موازنة الأممالمتحدة والمشاركة في عمليات حفظ السلام والمساهمة في الأنشطة التطوعية للأمم المتحدة‚ ثم المساعدات الإنمائية الحكومية‚ وهناك حاليا لائحة شبه رسمية تضم الأعضاء الجدد الدائمين وهم اليابان والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وألمانيا ومصر‚ \r\n \r\n والمشكل نفسه ينسحب على موضوع انضمام اليابان‚ إذ لا تنظر إليه الصين بتاتا بعين الرضا‚ وهذا ما يفسر التوتر الحالي في العلاقات بين البلدين‚ فقد نظمت في الصين العديد من المظاهرات العنيفة بعض الأحيان ضد اليابان‚ وذلك على خلفية صدور كتابين تاريخيين يقللان من تجاوزات الجيش الياباني إبان احتلاله للصين‚ وبعيدا عما تناوله الكتابان يبقى المشكل الحقيقي للصين هو صعود قوة اليابان الاستراتيجية‚ خصمها اللدود‚ نتيجة التحاقها بوضعية العضو الدائم بمجلس الأمن‚ \r\n \r\n وبناء على ما سبق‚ هل يذهب الأمر ببكين إلى حد إشهار ورقة الفيتو في وجه ترشيح اليابان بما يحمل ذلك من مخاطر انعزالها؟ لا أحد يستطيع الجواب عن هذا السؤال في الوقت الحالي‚ لكن بالرغم من كل شيء‚ فإن كوفي عنان‚ الذي استطاع فعلا أن يثبت نفسه كأحد أفضل الأمناء العامين الذين مروا على الأممالمتحدة في فترة حرجة للغاية‚ سيسجل اسمه في التاريخ إذا ما دفع بهذا الإصلاح حتى النهاية‚ \r\n