\r\n فلماذا يا ترى: الجواب: لان الامين العام الذي اشتهر بلطفه وكياسته قد »جلب العار على الامانة العامة للامم المتحدة من خلال سوء ادارته لفضيحة النفط مقابل الغذاء« على حد تعبير الكاتب المتنفذ في صحيفة »نيويورك تايمز« ويليام سافاير وليس بوسع الامين العام ازاء هذا الجواب! لا ان يدهش لهذه الحمية المستفيضة التي يبديها السيد سافاير والجمهور اليميني المعادي للامم المتحدة على شرف الامانة العامة للمنظمة الدولية. \r\n \r\n ان الفضيحة المتعلقة ببرنامج النفط مقابل الغذاء خطيرة بكل تأكيد, فهذا البرنامج الذي اوجد في منتصف التسعينات لتخفيف المعاناة الانسانية التي سببتها العقوبات الدولية المفروضة على الشعب العراقي, كان منذ بداياته الاولى مادة للانتفاع وسوء الاستغلال. وسوف تثبت التحقيقات ان الادارة السيئة للبرنامج شكلت اكبر كارثة ادارية في تاريخ المنظمة الدولية. \r\n \r\n لقد استغل صدام حسين البرنامج لكسب مليارات الدولارات وهناك اسباب عديدة تدعو الى الاعتقاد انه قدم الرشاوى لزعماء سياسيين ورجال اعمال كبار من اجل ان يغمضوا اعينهم عما كان يجري ضمن اطار البرنامج. ولا سيتبعد ان يكون قد قدم الرشوة لمسؤول كبير في الاممالمتحدة رغم ان ذلك المسؤول لم يكن كوفي عنان. \r\n \r\n لم يتوصل المحققون لحد الان الى الاشخاص الذين سلكوا سلوكا جنائيا في هذه القضية, كما انهم لم يتمكنوا من تحديد ما اذا كان »كوجو« ابن كوفي عنان قد استغل اسم الاسرة لمساعدة الشركة التي يعمل معها في الحصول على عقد مهم في ادارة البرنامج, ولكن يبدو ان المطالبين بتجريم عنان في محطة (فوكس نيوز) وصفحة الرأي في جريدة (وول ستريت جورنال) لا يعيرون وزنا للمبدأ القائل بان المتهم بريء حتى يثبت جرمه. وستكون مفارقة فاضحة حين يكتشف الجميع ان مهاجمي عنان لم يبادروا فقط الى حد سكاكينهم قبل توفر الدليل انما قاموا ايضا بالنباح حول الشجرة الخطأ. \r\n \r\n ان برنامج النفط مقابل الغذاء لم يكن منذ بدايته من وضع او تنفيذ الموظفين المدنيين في الاممالمتحدة, انما كان ثمرة تفكير وتنفيذ مجلس الامن الدولي شأنه في ذلك شأن جميع انظمة العقوبات التي تفرضها المنظمة الدولية. \r\n \r\n وينتسب الدبلوماسيون الذين عملوا في البرنامج للدول الاعضاء في مجلس الامن وبضمنها الولاياتالمتحدة الى جانب الدول الاربع الاخرى دائمة العضوية في المجلس. وقد قاموا بادارة البرنامج تبعا لمصالح تلك الدول وانصياعا لتصميم الولاياتالمتحدة وبريطانيا على منع العراق من استيراد المواد القابلة للاستخدام في الاغراض العسكرية, في حين كانت كل من فرنسا وروسيا والصين مصممة على تمتع العراقيين بكل هامش ممكن وبكل ثغرة توفرها الاجراءات الروتينية. كان العمل على الحيلولة دون وقوع السرقات والتلاعب في البرنامج فقرة مهمة على لائحة جميع الاطراف المعنية. وقد وظفت الحكومة الامريكية عشرات الاشخاص لمراقبة العقود المبرمة بموجب البرنامج لكنها لم توقف ايا منها استنادا الى عثورها على دليل على وجود الفساد او الرشوة او التلاعب بالاسعار في تلك العقود. \r\n \r\n تتحمل الامانة العامة للامم المتحدة جزءا من اللوم, اولا لاخفاقها في اطلاق جرس الانذار ازاء عمليات التلاعب العراقية. ثم للاستجابة البطيئة والمكرهة التي صدرت عنها عندما ظهرت اولى الاتهامات الى السطح في وقت مبكر من العام الحالي. لكن من غير المعقول ان يجد البعض في هاتين الهنتين سببا كافيا للمطالبة بعزل الامين العام للامم المتحدة, وخصوصا عندما ينتسب هذا البعض الى الفريق الذي اختار الوقوف الى جانب وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد في اعقاب الكشف عن فضيحة سجن ابي غريب. \r\n \r\n ولهذا فان من الطبيعي ان يستنتج المراقب ان هدف الهجوم هو ليس كوفي عنان نفسه انما هو مؤسسة الاممالمتحدة. \r\n \r\n نحن لا نأتي بجديد حين نقول ان المحافظين في الادارة الامريكية والاعلام الامريكي لا يرتاحون للامم المتحدة ولا يثقون بها. وقد وصل الامر بينهم وبين المنظمة الدولية الى حد القطيعة اثر الجدل الذي دار في المنظمة حول القرار الذي طالبت الولاياتالمتحدة باصداره من جانب المنظمة والذي ارادته ان يكون تخويلا دوليا لاستخدام القوة ضد العراق. ولا بد من القول ان كوفي عنان لم يلعب سوى دور ضئيل في تلك الازمة, لان ادارة بوش لم تستطع الحصول على القرار الذي ارادته بسبب عجزها عن اقناع اقرب حلفائها التقليديين في مجلس الامن بكون الحرب على العراق امر تحتمه الضرورة. \r\n \r\n بهذا نكون قد وضعنا اصبعنا على قلب الحقيقة, فالمقصود بالضجة الحالية هو ليس كوفي عنان ولا »الامانة العامة« فالمحافظون ساخطون لان مجلس الامن لم يختم حربهم على العراق بختم الشرعية, وقد كشفت لهم الواقعة عن حقيقة ربما كان البعض منهم لم يدركها بعد, وهي ان الاممالمتحدة ليست المكان الذي تستيطع الولاياتالمتحدة فيه تمرير الاعيبها وابرام صفقاتها الخطيرة. \r\n \r\n ومن هنا, بدت فضيحة برنامج »النفط مقابل الغذاء« كما لو انها كانت هدية من السماء نزلت لصالح المحافظين. فقد وجد الذين يريدون ازاحة الاممالمتحدة عن الطريق سياسيا وماديا, ان فضيحة النفط مقابل الغذاء قد قدمت الدليل على استحالة اصلاح المنظمة الدولية بكاملها. وهم بذلك كمن يجادل بان الفضائح المالية التي تنشر عن اداء بعض الشركات الكبرى في الولاياتالمتحدة دليل على اخفاق النظام الرأسمالي بكامله. \r\n \r\n اما الحقيقة, فهي ان المحافظين لا سيتطيعون قبول الفكرة القائلة بوجود كيان دولي يحتفظ لنفسه بصلاحية اقرار او عدم اقرار شرعية ما تقوم به امريكا من افعال, حتى ولو كان ذلك الكيان مؤسسة تمارس عليها الولاياتالمتحدة نفوذا غير محدود, فاذا كان المحافظون لا يتقبلون هذه الفكرة, فانهم لا يمكن ان يتقبلوا الاممالمتحدة. \r\n \r\n لقد اغضب كوفي عنان مسؤولي الادارة الامريكية عندما وصف الحرب ضد العراق بانها حرب غير شرعية. ثم عاد واغضب اولئك المسؤولين في موقفه الاخير ضد الهجوم على الفلوجة, لكن الادارة الامريكية في ورطة حاليا. فهي ترى انها في حاجة الى الاممالمتحدة لكي تخلع جزءا من شرعيتها على الوضع العراقي حيث تساعد المنظمة الدولية في الاعداد للانتخابات القادمة. وربما كانت الادارة الامريكية تريد في سرها دورا اكبر للامم المتحدة في العراق لكي يتسنى لها ان تلقي بالملائمة عليها في حالة اخفاق العملية الانتخابية. ولهذا السبب تمتنع الادارة الامريكية نفسها عن مهاجمة عنان تاركة لجمهورها المحافظ ان يسلط عليه المزيد من الضغوط.0 \r\n \r\n عن »لوس انجلوس تايمس« \r\n